«كورونا» والإرهاب وجهان لعملة أميركيّة
} سماهر الخطيب
لا فرق بين جرثومة الإرهاب وجرثومة «كورونا»؛ فكلتاهما قاتلة تستبيح الجنس البشري بلا رادع إنسانيّ وليس هناك ما يمنع مَن درّب الآلاف على قتل البشر أن يقوم بتطوير فيروس بيولوجياً لينفذ أجندة سياسية يتربع خلالها على رأس الهرم العالمي بعيداً عمّا شهده النظام العالمي في الأعوام الأخيرة من القرن الحالي من تزعزع قرنه الأميركي وميلان ميزان القوى من الغرب باتجاه الشرق..
في بداية العام الحالي شهدنا تفشي فيروس كورونا المستجدّ بصورة مخيفة جداً وإن كان هناك عدد المتعافين منه أرقاماً تدعو إلى التفاؤل إنما الهلع من جهة وتناول وسائل الإعلام للفيروس من جهة أخرى جعلا منه سلاحاً فتاكاً يدخل في تلافيف العقل الإنساني ليصعّب القدرة على الإدراك ويساهم في تحقيق الغرض من إيجاده إذا ما سلمنا بأنه صناعة بشرية في إطار ما اصطلح على تسميته بالحرب البيولوجية..
فحالة الانتشار السّريع للفيروس المستجدّ في مختلف أرجاء العالم وفشل الدول المتقدمة في مُواجهته بالكفاءة المطلوبة، يؤكد أنّنا أمام اختبار جدي للاستخدام الأميركيّ المحتمل للأسلحة البيولوجية في حال أرادت اللجوء إليها في حروبها المقبلة بغض النظر عن عدد الإصابات، طالما هي أرقام تضاف في سجلها «الدموي» المعهود منذ أن ألقت بقنبلتي هيروشيما وناكازاكي وحصدت ملايين الأرواح حتى الآن لتتربّع على عرش الإمبراطورية العالمية.
أما ما يدعو إلى التفاؤل كون هذه «الحرب البيولوجية» ليست كتلك النووية التي تحصد الأرواح بلحظة، فهذه الأزمة الكارثية حتى لو كانت مقصودة ومصنعّة إنما ستَمُر حتماً، كما مرّت سابقاتها من الأزمات الوبائية المماثلة في تاريخ البشرية، مع الوقاية والإيمان بالقدرة على النجاة، وكما مرّت الحرب الإرهابية على الأرض السورية وانتصار الجيش السوري وحلفائه على «الفيروسات الإرهابية» حتى باتت اليوم في فصلها الأخير في معارك إدلب وريفها، وكما رافق تلك الحرب السورية من تغييرات في المنطقة والعالم وإعادة لرسم خريطة العالم عبر التحالفات وكشف معظم المؤامرات التي حيكت ضدّها وهي بالأمس تدخل عامها العاشر من اندلاعها، كذلك الأمر بالنسبة للحرب البيولوجيّة التي ستمرّ حتماً إنما سيرافقها تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي، سيؤدي حتماً إلى خلق مجتمعات جديدة، بعادات جديدة، وتحالفات جديدة أيضاً ومع تغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية التي ستنعكس على المجتمع الدولي ككل وكذلك النظام العالمي الذي يشهد اليوم أوج معالم الفوضى..
وبالرغم من أنه استهدف الصين لأسباب معروفة تبدأ بتلك الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأميركي ضدّها وتنتهي بتفوقها العسكري والصناعي والتكنولوجي حتى وصلت إلى صناعة طائرات تضاهي تقنيات طائرات «بوينغ» و «إيرباص» العالمية وغيرها الكثير من ضروب التطور الذي ينذر الولايات المتحدة بتراجعها العالمي، إذا استمرت الصين بهذا النحو وبتلك الخطوات المتسارعة، لكنها ظهرت بمظهر النّاجح الأكبر في مواجهته، مقارنة بالأنظمة الصحيّة الأوروبيّة التي تعتبر نفسها دولاً ديمقراطية متطورة مقارنة بالصين المصنفة كإحدى الدول «الديكتاتورية». فهذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار إنسان أثبتت فعلاً أنها قوة عُظمى عندما أدارت أزمة الوباء الذي انتشر في مدينة ووهان بكفاءة عالية جداً، وحاصرت الفيروس، وأقامت مستشفى هو الأضخم في العالم في أقلّ من عشرة أيام، وأوقفت انتِشار الفيروس تقريباً، وأنقذت حياة 80 ألف مُصاب تعافوا كلياً نتيجة للعناية الطبيّة عالية المستوى والمهنية. أضف إلى ذلك التزام الصينيين بما أملته عليهم سلطاتهم الصحية والسياسية من إجراءات احترازية..
فيما يرفض الغرب الاعتراف بهذه القدرة الصينية على محاصرة هذا الفيروس القاتل ويعود رفضه لسبب كامن وراء منطلق إيديولوجي باعتبار نفسه المثل الديمقراطي الناجح أمام «الديكتاتورية الصينية» ليبقي على غطرسته سيدة الموقف باستثناء إيطاليا التي باتت اليوم بؤرة انتشار هذا الفيروس المستجد، فاعتمدت مبدأ التكافل والتضامن العالمي وقدمت مصلحة شعبها وسلامته الصحية على كل ما يعتري الغرب من خلافات إيديولوجية مع شريكتهم في المجتمع الدولي «الصين» وفتحت أبوابها للخبراء الصينيين ومعداتهم الطبية في محاولة منها للاستفادة من التجربة الصينية التي أبهرت وأذهلت العالم أجمع بقدرتها وتفوقها على مواجهة هذا الفيروس، رغم عدم وجود دواء له حتى اللحظة.
وبالرغم من تعدد السيناريوات حول مكمن هذا الفيروس وموجِده إنما لا يستطيع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، بالرغم من أن المستفيد الأول منه هو من نادى بـ»أميركا أولاً» ومن نادى بـ»رئاسة إلى الأبد» في أحد خطاباته ومن أوجد مبدأ العزلة الأميركية بعيداً عن تلك العزلة «المونروية» ومن استثمر ظهور هذا الفيروس للإيفاء بوعوده الانتخابية السابقة من إغلاق الحدود إلى مواجهة التطور الصيني إلى توفير الأسواق للبضائع الأميركية وتخفيف عبء الضرائب التي أثقلت كاهل الشعب الأميركي وصولاً إلى معاقبة أوروبا على تمردها وخروجها عن الطاعة الأميركية؛ وطبعاً نقصد الرئيس الأميركي دونالد ترامب كأول مستفيد من ظهور هذا الفيروس إن لم يكن هو من أوجده بإحدى إيعازاته الجنونية والجدلية مستثمراً الدواء في حملته الانتخابية الجديدة ناهيك عن كون ظهوره ترافق مع بداية الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية..
هذا إذا سلمنا بأن أميركا هي مَن أوجدته أو استثمرت وجوده لتطلق عليه اسم «فيروس ووهان».. إنما يجب على كل الدول من مشرقها إلى مغربها انتهاج سياسة التكافل والتضامن لحماية شعوبها ودرء الخطر البيولوجي الذي استحدث بلحظة جنونية هزّت العالم بلا أدنى حس بالمسؤولية المجتمعية.. وكما قامت روسيا وحلفاؤها بالمسؤولية العالمية ومواجهة فيروس الإرهاب على الأرض السورية درءاً لوصوله إلى العالم ومحاولة منها لحفظ الأمن والسلم الدوليين على الدول المضي قدماً في تكافلهم وتضامنهم لمواجهة هذا الفيروس القاتل الذي لا يقل خطورة عن الإرهاب..