– في المبدأ الأخلاقي والإنساني لا يمكن للأفراد أو للجماعات عندما يقع اختيارهم على مهنة أن ينعموا بمغانمها ومكاسبها وسهولتها ويسرها ورفاهها، وعندما يأتي وقت التحمل للمسؤولية يتهربون ويتصرفون باعتبار العمل أمراً شخصياً عائداً لحسابات المصلحة الخاصة فقط. فكل مهنة في موقع وظرف وتوقيت تكون بعضاً من التزام تجاه المجتمع لا يمكن التهرّب منه.
– في القانون لا يمكن أيضاً لأي جماعة مهما كانت تعتقد بأن حريّتها مصونة أن تتخيّل بأن هذه الحرية تقع فوق مرتبة القانون، وأنها جزيرة معلقة في الهواء وحدها لا تطالها قوانين ولا تطبق عليها التزامات.
– منذ بدء الأزمة الماليّة وقطاع المصارف الذي بنى أرباحه وثروات أصحابه من خير اللبنانيين وعرقهم وتعبهم، يتصرّف وكأنه من أصحاب الدم الأزرق وكأن اللبنانيين جميعاً عبيد عنده وكأن الدولة مجرد موظف لحساب مصالحه وكأن القانون يتجمّد عندما يصل إلى أبواب المصارف.
– عندما طرحت أزمة سندات اليوروبوند يعرف الجميع أن المصارف تضامنت مع تهريب أموال بعضها ببيع كاذب لبعض السندات، كما قامت من قبل بتهريب أموال أصحابها إلى الخارج، بينما كانت تمنع أصحاب الودائع الصغيرة من تحويل ما يلزم لتعليم أولادهم الموجودين في الخارج وبعدما أعلنت الدولة الامتناع عن السداد بادر الأجانب لبدء التفاوض ووقفت المصارف تنتظر على المفترق لتقرّر، فربما فرضت شروطاً قاسية على الدولة علها تستفيد منها.
– في قرار التعبئة العامة الذي اتخذته الحكومة بوجه فيروس كورونا وقف الأطباء ووقفت المستشفيات في الصف الأماميّ، وتعلم المصارف أنها جزء من ضرورة تسيير أحوال البلد وأن قطاع الصحة وقوده المال وبدلاً من أن تستنفر وتضع جهازها البشريّ ومقدراتها في خدمة معركة المواجهة مع فيروس كورونا قررت المصارف أن تنأى بنفسها عن البلد وتبني قوانينها وتتهرب من مسؤوليتها.
– موقف الحكومة الذي كشف القناع عن تصرّف المصارف جيد، ولكنه لا يكفي فقد صار لزاماً معاملة هؤلاء الذين قرروا عدم الانتماء لبلدهم بمعيار القانون بعيداً عن الدلال والدلع الذي اعتادوا عليه، وعلى القضاء الذي يعرف معنى الاستناد إلى قانون الدفاع الوطني وحالة الطوارئ في إعلان التعبئة العامة التبعات المترتبة على مخالفة جسيمة كالتي ترتكبها المصارف، وهي بالمناسبة بحجم الخيانة العظمى.