استمرار الصراعات العالميّة بأشكال متجدّدة
} د.وفيق إبراهيم
يسجّل التاريخ في صفحاته أن الأوبئة خطيرة وفتاكة وقاتلة، لكنها لم توقف الصراعات للسيطرة الاقتصادية إلا في أوقات قصيرة جداً، وسرعان ما كان الصراع الدولي يتجدّد بأشكال إنسانية ظاهرية فقط مختزناً في عمقه المزيد من الرغبة في الاحتكار.
هذه هي الرأسمالية المتوحشة التي لا تمثل عرقاً او قومية بل طبقة لها رأس اميركي – غربي وتحالفات في أصقاع اخرى.
وهذا هو دونالد ترامب الرئيس الاميركي الذي أحيا أساليبها الهمجية القديمة مزيلاً عنها تلك القشرة الدبلوماسية المراوغة، ومعاوداً اقتحام المشهد العالمي بأسلوب الكاوبوي الوقح والمجرم.
لذلك فإن وباء كورونا الذي يعبث بأمن الإنسانية حالياً مقتحماً تجمعاتها البشرية السياسية بشكل تدريجي يُسدي خدمة لهذه الطبقة المتوحشة حتى تستطيع تجديد أساليب هيمنتها باختراع استثمارات في عالم الطب.
لا يعني هذا الكلام انحيازاً لمن يقول إن كورونا «وباء مصنّع» في مختبرات دول صناعية لنشر ذعر إنساني يتيح للرأسمالية المتوحشة إعادة تجديد مواردها الاقتصادية «بلبوس حبي رعائي» كمواعظ الكهنوت، في كل الطوائف، إلا ان هذا الكلام لا يستبعد كلياً ان يكون كورونا وباء مصنعاً لاستخدامه في الصراعات الدولية.
أما المبرّرون الذين يتذرعون بأنه أصاب أميركيين وأوروبيين ما يرفع عن دولهم تهمة تصنيعه، فيمكن التأكيد مرة أخرى أن الاقتصاد الغربي طبقة اقتصادية لا تأبه لأجناس المصابين مع اهتمامها الأكيد بالإمساك بالموقف ومنع تفلته.
هذا هو «الوباء المضبوط» على ساعة «الرأسمالية المتوحشة» سواء أكان من صناعتها أو من نتاج التفاعلات الصحية والمناخية في الأرض بأسرها.
فالمهم بالنسبة اليها هو الاستثمار المربح حتى على جثث المصابين به وضحاياه.
للتوضيح فإن مدارس طبية انسانية تتهم «الغرب الطبي» الصناعي حتى الآن بأنه لم يبذل جهوداً فعلية لمكافحة الأنواع المختلفة والمتعددة للسرطانات بل ذهب الى ابتكار اساليب للعناية بالمصابين بها ولم يعمل مطلقاً على التوصل الى ادوية وقائية تمنع تشكله او تطوره منذ البداية وقبل انطلاقته.
اما الفارق بين الحالتين فكبير، ففي حالة اكتشاف ادوية وقائية لا يستفيد المستثمرون الصناعيون في الطب من علاجات مرضى السرطانات في العيادات والمستشفيات والأدوية والعمليات والرعايات وحتى إجراءات الدفن.
وتقتصر استفادتهم على الادوية الوقائية هذا بالاضافة الى ان السرطانات تخدم نظرية منع التكاثر، وللاشارة فقط فإن السرطان كان معروفاً باسم «الأكلة» منذ العصر العباسي وربما في مراحلة أكثر قدماً.
هذا ما يجري حرفياً على جبهة وباء كورونا من صراعات دولية تندلع لاكتشاف لقاحات للمعالجة وليس لمنع تشكله بما يتيح اعتبار هذا الوباء او اوبئة أخرى مشابهة لسرطانات «القرن الواحد والعشرين».
ما هي اشكال هذه الصراعات الدولية على كورونا؟
كالعادة يحاول الأميركيّون احتكار المشهد والاستعجال في ابتكار لقاحات للمعالجة.
فهم يدركون أهمية احتكارهم لإنتاج ما يقلص حركة انتشار الذعر، لذلك يسارعون الى احتواء الوباء بضبط حركة الذعر وليس إلغاءها واطالة العلاجات والاكثار من المواد المستعملة بما يزيد من قيمة الاستثمار الرأسمالي في عالم الأوبئة ما يجعلها لاهثة خلف مختبرات لإنتاج الاوبئة والجراثيم وأخرى لمعالجتها.
لجهة المانيا فتبدو وحيدة في قارة أوروبية تعاني من الشيخوخة، فتحاول بدورها التوصل الى لقاحات على الرغم من الحجم المتواضع للإصابات التي تعرض لها شعبها، الا ان المانيا ما زالت تعاني من الاستكبار الاميركي على الاوروبيين ولا تزال محتلة من احتلال عسكري اميركي منذ الحرب العالمية الثانية بموجب معاهدات.
«ألمانيا» هذه، تريد تأكيد دورها العالمي وتقديم مستواها الجدير بالعالمية ولها اخيراً حاجة داخلية لمنع انتشار هذا الوباء عندها اولاً وفي العالم ثانياً، لانها تستفيد من نظام العولمة بتصدير سلعها في دائرة عالمية واسعة فيما يؤدي كورونا الى تقليص التفاعلات الاقتصادية بما يؤذي الاقتصاد الالماني الذي لا يمتلك قوة إقناع وهيمنة عسكريين كما الاميركيين.
بأي حال تبدو الصين في اتجاه مختلف، ما يفرض عليها الحرص الشديد في التعامل مع كورونا خصوصاً والأوبئة عموماً، وذلك لأن كورونا أصابها اولاً منتشراً بين مواطنيها الذين يصلون الى مليار و400 مليون نسمة.
ولا تريد الصين إيذاء اقتصادها المرشح ان يسبق نظيره الأميركي في اقل من عقد، لذلك فإن مصلحتها ايجاد لقاحات وادوية استباقية للانتهاء من هذا الوباء وهذا ما يدفع الصين الى مسألتين: حث مختبراتها على ابتكار وسائل الوقاية ومنع التشكل واطلاق برنامج مساعدات للدول المتضرّرة، بما يعزز من صورتها الإنسانية.
هناك ايضاً روسيا وإيران اللتان تعملان بإمكاناتهما المتواضعة على انتاج لقاحات وادوية مسبقة، وذلك لفائدة الشعوب، من جهة ومنع الاستثمار الغربي الاحتكاري فيه، والدليل أن الأميركيين الذين يحاصرون إيران ويمنعون العالم من التعامل معها، لا يسمحون لها حتى باستيراد الادوية، أليست هذه هي الرأسمالية المتوحشة بشكلها الترامبي البشع؟
يتبين اذاً ان الغرب الصناعي يحاول الاستثمار في كورونا، وربما بأوبئة جديدة قيد الإعداد او الظهور، وبما يخدم هيمنتها الاقتصادية من جهة والقضاء على الاقتصادات المنافسة من الصين وروسيا وايران واليابان من جهة اخرى.
وضحايا هذا الصراع هم كل الشعوب البعيدة عن المستوى العلمي والثقافي للعصر، وهذا يشمل المنطقة العربية وأفريقيا وأوروبا، باستثناء الثلاثي الألماني – الفرنسي – الانجليزي.
كما يصل الى اميركا الجنوبية واوستراليا بما يؤكد ان الرأسمالية الاميركية، المتحالفة نسبياً مع قوى اوروبية محدودة تعاود رسم الخارطة الاقتصادية – السياسية للعالم بأرواح ضحايا كورونا واشباهه.
فهل تنقذ الصين ومعها إيران وروسيا، وربما المانيا العالم من التنين الترامبي المخيف؟
بانتظار نتائج مختبراتها، يجب انبثاق تضامن علمي عالمي لم يظهر حتى الآن لوقف ما يفعله هذا التنين من محاولات خنق للناس على الأرض.