«البناء» تعاين الحركة في العديد من المدن والبلدات اللبنانيّة وتستطلع تقيّد المواطنين بالإجراءات الوقائيّة بمواجهة فيروس كورونا التزام كامل بإجراءات الحجر المنزليّ على امتداد لبنان
تحقيق ـ عبير حمدان
أثبتت التجربة الصينيّة أن الالتزام بإجراءات الحجر المنزليّ خطوة فعّالة في مواجهة فيروس كوفيد19 السريع الانتشار، حيث شهدت الصين تراجعاً ملحوظاً في نسبة الإصابات، يقابلها تصاعد مخيف في أوروبا قبيل أن يبلغ الذروة، وفي لبنان تمكّنت وزارة الصحة اللبنانيّة بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية من مواجهة الخطر إلى حد يتلاءم مع واقع النظام الصحيّ اللبناني جراء إمكانيّاته المحدودة نسبياً.
استهتار البعض في البداية ساهم في تصاعد الحالات المصابة مما تطلب إعلان الطوارئ من قبل الجهات الرسمية المسؤولة، بهدف حث المواطنين على ضرورة الالتزام بكل الاجراءات والارشادات الوقائية والبقاء في بيوتهم بهدف كسر العدوى واحتواء الانتشار السريع للفيروس.
قرار الحجر صعب على الكثيرين، ولو أتى طوعياً، ولكنه الحل الوحيد إلى أن يتوفر علاج أو مضاد للفيروس المستجدّ.
الالتزام بالحجر واجب أخلاقيّ
من المفترض أن يلتزم الجميع بخطة الطوارئ المعلنة إلا أن هناك مؤسسات خاصة تلزم موظفيها بالدوام اليوميّ، بحسب تعبير «علي» الموظف في إحدى الشركات الخاصة والذي قال لـ»البناء»: لا أنكر أن الخوف يسيطر على الجميع وأنا منهم، ولكن أحياناً تتفوّق إرادة رب العمل على المنطق مما يلزم الموظف بالانصياع لقرارات إداريّة غير مبررة، ولكنها واقع خاصة لمن لديه عائلة يعيلها، من جهتي مجبر أن أداوم في الشركة يومياً، رغم أنه ليس هناك ما أفعله، أحاول أن لا أحتكّ بأحد وأقوم بتعقيم كل الأدوات التي استعملها وحين أعود إلى البيت لا اقترب من أولادي قبل أن أبدّل ملابسي واستحمّ واستعمل المعقمات».
من جهتها، تؤكد أمل الموسوي (مهندسة ديكور) أن الالتزام بالحجر المنزلي واجب أخلاقيّ وتقول: «الوقاية ضرورية، لذلك التزمت بالحجر المنزلي الذي أرى فيه واجباً أخلاقياً تجاه محيطي العائلي بالدرجة الاولى ومجتمعي بشكل عام. المؤسسة التي أعمل فيها اتخذت إدارتها قراراً بالإقفال منذ مطلع الاسبوع إلى أن تنتهي فترة الحجر، وبرأيي أن هذه الخطوة إيجابية ويجب أن يلتزم فيها الجميع بشكل جدّي».
أما مروى (خبيرة تجميل) فتقول: «صالون التجميل الذي أعمل فيه اتخذ أصحابه قرار الإقفال مطلع الاسبوع، ذلك أنه من الخطورة استمرارنا على الوتيرة نفسها في العمل في ظل الانتشار المتصاعد للفيروس. ومن جهتي أرى أن الالتزام بالإجراءات الوقائية أمر مهم، خاصة أن والديّ يعانيان من أمراض مزمنة وواجبي أن أقوم بكل الخطوات اللازمة لأجنبهما أي خطر من الناحية الصحية، شخصياً أنا لا أخرج من المنزل على الإطلاق وكل ما نحتاجه متوفر وعلينا أن نؤمن بأنها مرحلة صعبة وستعبر إذا ما تكاتفنا جميعنا بشكل سليم وفعّال لنصل إلى بر الأمان».
يعتبر علي أبو خضر (طالب) أن الإجراءات الوقائية تساهم في احتواء الفيروس، ويقول: «لقد شهدنا انتشاراً مخيفاً في أكثر من بلد جراء الاستهتار بالإرشادات الصحية وضرورة الابتعاد عن التجمّعات، لا بأس إذا ما تخلّينا قليلاً عن بعض العادات الاجتماعية صوناً للأرواح، إنها فترة عصيبة وستمرّ، ونأمل أن نذكرها ولا نستعيدها».
من جهتها تؤكد جمال مقداد (ربة منزل) على أهمية الالتزام بالعزل الصحيّ، وتقول: «شخصياً ومنذ اللحظة الأولى قرّرت البقاء في البيت وعدم الاختلاط مع أحد، وأكثر من ذلك أقول لك لو كنتُ موظفة لما انتظرت قراراً رسمياً بل ومن دون أي تردد كنت سآخذ إجازة على حسابي ليس لحماية نفسي وحسب إنما لأحمي إبني، قد يكون هناك أشخاص مجبرون على العمل وفق ظروفهم وطبيعة عملهم، ولكن عليهم أن يحتاطوا جيداً ويقوموا بكل الإجراءات الوقائية اللازمة إن لناحية وضع الكمامة او غسل اليدين والتعقيم».
بيروت فارغة وقرار استثنائيّ بفتح محالّ الورد
جولة في شوارع العاصمة كفيلة بالتأكيد على رهبة المشهد، حيث إن فيروس لا تراه العين المجرد تمكن من شلّ حركة مدينة تضجّ بالحياة ولم تقفل محالها حتى في أحلك الظروف، وحتى خلال فترات التقاتل والحروب.
شارع مار الياس التجاري في إجازة قسرية ما عدا بعض المحالّ التي تبيع المواد الغذائية والخضار، ومروراً بشارع الملاّ الخالي من زحمة يألفها كل من يعرفه والاستثناء الوحيد محلّ الورد الذي قال صاحبه لـ»البناء»: «كنا ملتزمين بالإقفال، ولكنا وصلنا تعميم من الجهات الرسمية بأن محال الورود مستثناة من القرار الإلزامي بمناسبة عيد الأم، وطبعاً معظم اعتمادنا على «الديلفيري» حفاظاً على سلامة الناس وسلامتنا».
والإقفال القسريّ يشمل شارع الحمرا الذي لم تنطفئ أنواره وحركته يوماً، فقط في زمن كورونا فيروس شهدنا مقاهي ومطاعم ومحال الحمرا مقفلة، وينسحب المشهد على طول الكورنيش البحري إلا من بعض الأشخاص وهم قلة قليلة مصرّة على ممارسة رياضة المشي، ولو تحت المطر.
الضاحية الجنوبيّة والتزام كامل مع رقابة بلديّة
لا يختلف المشهد في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث أقفلت جميع المحال أبوابها، والأسواق التي كانت تزدحم بالناس بدت الحركة فيها خجولة لبعض الأشخاص الذين خرجوا بهدف شراء حاجياتهم الضرورية، بالإضافة إلى بعض عربات الخضار والفاكهة التي تتوزّع على طول طريق المطار القديم حيث قال لنا أحد هؤلاء الباعة الذي يضع كمامة وينتظر الرزق، حسب تعبيره: “لم يكن ينقصنا إلا هذا الفيروس كي يزيد همومنا، وبدءاً من الغد علينا الالتزام بقرار البلدية القاضي بتوقفنا عن العمل إلى أن تنتهي فترة الحجر”.
في قلب الضاحية وعند مدخل كل سوق تقف سيارة البلدية للمراقبة منعاً لكسر الحَجْر من قبل البعض، وبالتالي يجري الاستثناء على محال المواد الغذائية والصيدليات وبعض المطاعم التي تعتمد سياسة الدلفيري مع التأكيد على معايير انعدام التجمعات حتى في السوبرماركات.
شمسطار والمبادرات الفرديّة
الالتزام الكلي بالمنازل قائم في منطقة غربي بعلبك والهرمل إلى حدّ أن بعض أصحاب “الميني ماركت” يفتحون محالهم لساعات قليلة بهدف تيسير أمور الناس وبعدها يقفلونها ويلتزمون بيوتهم، ويقوم بعض المواطنين بمبادرات فردية لتعقيم الطرقات من خلال رشها عبر جرار زراعيّ يحمل خزاناً كبيراً بمواد التعقيم الممزوجة بالمياه. أضف إلى ذلك أن كل المطاعم والمحال التجارية أقفلت أبوابها رافق ذلك كله فرض منع التجوال من قبل البلدية حرصاً على صحة الناس.
الهرمل.. حاجز صحّة ومحبّة
تلتزم مدينة الهرمل بالإقفال التام، وقد قامت البلدية بالتعاون مع قوى الأمن بضبط أي مخالفة ممكنة للإجراءات التي تدعو الجميع إلى البقاء في بيوتهم لكسر العدوى. هذا وتقوم مجموعة من الشباب الجامعي بنشاط فردي وهو عبارة عن حاجز صحة ومحبة على مدخل المدينة لتعقيم السيارات وفحص حرارة الأشخاص الذين يريدون الدخول إلى اليها.
صور تنفّذ قرار الحَجْر وجولة تعقيم للشوارع
قامت دوريات من المديرية العامة لأمن الدولة في صور بجولة لإقفال المحال التجارية وتوقيف النقل العام عن العمل من أجل سلامة الأهالي في صور والجوار، كما جابت آليات من مفرزة سير صور في قوى الأمن الداخلي شوارع المدينة، ووجهت نداءات عبر مكبرات الصوت إلى المواطنين لإخلاء الشوارع والساحات وعدم التجمع، وملازمة المنازل متمنين من الجميع الالتزام بهذا القرار الصارم من أجل المصلحة العامة الى حين الانتهاء من الأزمة. في الوقت الذي تشهد فيه مدينة صور التزاماً شبه تام بإقفال كافة المؤسسات والمحال التجارية تنفيذاً لقرار البلدية.
هذا وكانت بلدية صور قد قامت بإخلاء الكورنيش البحري الشمالي والجنوبي للحدّ من انتشار كورونا، إضف إلى ذلك فقد قامت كشافة الرسالة الاسلامية والهيئة الصحية الإسلامية في مدينة صور بجولة تعقيم للمدينة.