فيروس حَكَم العالم.. والعقل وحدَه الدواء
} سماهر الخطيب
بدأ العالم سباقاً ماراثونياً في محاولة منه لتدارك مخاطر الفيروس المستجدّ «كوفيد19» والذي جعل العالم بأسره من مشرقه حتى مغربه يقف على قدم واحدة موجهاً أنظاره بل حواسه وإدراكاته كافة للحيلولة دون أن يفتك هذا الفيروس بالجنس البشريّ.
وبغض النظر عن أسباب وجوده التي تراوحت بين حرب بيولوجية أو خطأ طبي أو مراكز تطوير للفيروسات وغيرها التي بدأت مع بداية ظهوره وتراشق الاتهامات حول موطنه، وبعيداً عن إطلاق الأحكام حول من المستفيد من ظهوره أو استثمر ظهوره.
إنما في محاولة دول العالم لإنقاذ هذه السلالة البشرية التي إن قامت بشيء منذ بداية الخليقة فإنما قامت بتلويث هذا العالم بمعظم ما قامت به من ثورات صناعية وثقافية وتكنولوجية وصولاً إلى السوق المفتوحة وأحدث مراحل الليبرالية ونظام العولمة الأكثر تطوراً ودليلاً على تفوق هذا الجنس البشري وتباهيه بقدراته واعتماده في تطوير تلك القدرات على المخزون الطبيعيّ الذي رافق مسيرته البشرية في هذا الكوكب الصغير وهذا الكون الشاسع..
فلم يحصر اهتمامه بالمخزون الطاقويّ فحسب، بل تطوّر باهتماماته نحو تطوير الأسلحة واستغلال البيئة بكل مكوّناتها استغلالاً وحشياً وصرف الميزانيّات القوميّة وجني الضرائب من الدخل الفرديّ لزيادة الدخل القومي للدولة بحجة حمايتها وتأمين الأسلحة الفتاكة والفعالة للدفاع عن شعبها في حال حدث أيّ تطوّر لنزاع مسلح وفي نظرة إلى الميزانيّات الدفاعيّة والعسكريّة للدول نجد أرقاماً مرعبة قد وجهتها تلك الدول في هذا المجال، ولم تنسَ توجيه بعض من التمويل للأبحاث العلمية ومراكز البحوث التكنولوجية لكنها في الوقت ذاته تراخت مع تلك البحوث الطبية والمستشفيات والمراكز الصحية لا بل في بعض الدول صرفت ما صرفته على بناء المساجد والكنائس ومراكز الدراسات الفضائيّة بدلاً من التوجه نحو القطاع الصحيّ رغم أهميته ورغم ما تقوم بتحصيله من مواطنيها تحت مسمّى «التأمين الصحي»، إنما توجّهها نحو تطوير تكنولوجياتها واللحاق بالركب العالميّ المتطور كان الهدف الأسمى، ظناً منها أن ما تقوم به من سباق تكنولوجي يفي بالغرض ويجعلها في ركب الدول العظمى..
وكأننا بتنا اليوم في مشارف التسليم بالعلم والعقل فقط، رغم أهمية الدين في حياتنا ومجتمعاتنا خاصة منطقتنا، إنما ما يثير «الاستغراب» أن جميع دور العبادة من المساجد والكنائس أغلقت وكذلك مراكز الحجّ في مكة وبيت لحم والفاتيكان حتى وصدور أوامر من الدول وهيئات دينية بممارسة الطقوس الدينية كل من منزله «فياللعجب».. ألم يكن من الأفضل للجميع ممارسة هذه الطقوس في منازلهم وبدلاً من صرف الأموال لبناء تلك الجوامع والكنائس التوجّه بأموالها نحو بيوت الفقراء وإعانتهم! أليس من الأفضل بذخ الأموال في القطاع الصحي وتطويره! أليس من الأفضل تهيئة الإنسان بالعلم والأخذ بالإعجاز العلمي وتطويره..
وكأن الله يريد منا اليوم جميعاً أن نسترشد بعقولنا التي وهبنا إياها دون تمييز بين شرقي وغربي فكلنا بشر.. ودون تمييز بين محمديّ ومسيحيّ، فكلنا مسلمون لله..
قد حان الوقت ربما بعد أن نبذتنا دور العبادة لكثرة نفاقنا واعتمادنا على الذات الإلهيّة في كل شيء بل وتنصيب أنفسنا حماة للذات الإلهية.. فقد حان الوقت بعد أن ظهر ضعفنا وقلة حيلتنا أمام جُسيم لا يرى بالعين المجردة يفتك بجنسنا فإنه وقت لاستخدام عقولنا المغلفة بدلاً من تكريسها في القتل والتشرذم بأفكار واهية..
فالعقل هو الشرع الأعلى وهو ما فضلنا الله به عن باقي الكائنات التي تعبد خالقها أفضل منّا فليس في الغابة من يقتل ظبياً لأجل مذهبه الطائفي، وليس فيها مَن يعادي ذئباً لأجل لونه الرماديّ.. جميعنا اليوم ضعفاء عدا أولئك الذين اعتمدوا على مكنوناتهم من مخزون علمي وطبي في عقولهم وصرفوا الوقت على الابتكار والتجارب العلاجية والدوائية أولئك من اعتمدوا العقل وما منحهم الله من قدرات لا يمكن أن تجدها في المسجد والكنيسة «رغم أهميتهما»، إنما تجدها في لحظة تفكّر ولسنا بحاجة لمعجزة طالما وهبنا إياها خالقنا في عقولنا فنجد الدواء لكل داء.. فقد حان الوقت لإطلاق العنان للعقل والعلم فما سيكون بعد «كورونا» ليس كما قبله وما شهدته الأسواق العالميّة من تدهور سيعيد ترتيب المنظومة العالمية من جديد بعيداً عن ترتيبها السابق وسيكون العلم اليوم مَن يحكم وليس السلاح أو المال..