الصراعات العالميّة «المضبوطة» حتى الآن على عتبة الانفجار!
} د. وفيق إبراهيم
الإصرار الأميركيّ على التشبث بأسلوب المنازلة في كل الميادين وبمختلف الوسائل التقليدية والخارجة عن مألوف الاشتباكات المعروفة، يؤسس لمرحلة غامضة من تاريخ البشريّة لن تخلو من أخطار كبيرة.
هذا ليس تهويلاً على طريقة السياسيين العرب بقدر ما يعكس قراءة عميقة في سياسات دولة أميركية تمسك بالاقتصاد العالمي الأقوى وقوة عسكرية هائلة ونفوذ جيوبوليتيكي يعبث بكل زوايا الارض.
لكنها تجتاز حالياً مرحلة تراجع تدريجي عميق يرتدي شكل منافسة اقتصادية صينية حادة تتوثب للتفوق عليها في معظم أسواق الاستهلاك في العالم، كما تكافح هذه السياسة الاميركية في وجه قوة روسية هائلة على مستوى القدرات العسكرية، تمتلك كل ما لدى الأميركيين من اسلحة دمار، وربما تتفوق عليها.
ما هو خطير في الروس هنا أنهم أعادوا بعث طموحاتهم الجيوبوليتيكية بناء على معادلة قوتهم التسليحية وتحالفهم مع الصين الذي يردم ضعفهم الاقتصادي وقواسمهم المشتركة مع إيران التي فتحت لهم ابواب الشرق الاوسط.
بالمقابل لا تضيف التحالفات الدولية لأميركا أي قيمة مضافة عليها، لان الاميركيين استنفزوا مجمل ما تمتلكه، فها هي اوروبا متهالكة ومتراجعة تسير خلف اليانكي مطأطأة الرأس تترقب ما يتركه لتلتقطه ولا تبادر، بحثاً عن استقلاليتها إلا في النادر من المرات، أما الخليج فاستهلكه الارهاب الاقتصادي الاميركي ولولا كرم الجيولوجيا الصحراوية لانهارت الدول الخليجية وعادت الى ما كانت عليه في القرون المنصرمة.
لجهة اليابان، فإنها بلد متمكّن ومتحضّر بشكل أنها تعطي وتأخذ مقابلاً له وكذلك حال حلفاء اميركا في جنوب شرق آسيا.
هذا ما يخلق معادلة قوامها أن الطاقة الأميركية على الاستثمار في العالم أدركت اكبر مستوى ممكن، فيما تواصل الصين زحفها للمزيد من النجاحات الاقتصادية وتتابع روسيا عملية إعادة نشر نفوذها في الشرق العربي انطلاقاً من حليفتها التاريخية سورية، وتمتدّ إلى أميركا الجنوبية من خلال حليفتها فنزويلا وتنسج مع أوروبا تاريخاً جديداً يطمس مرحلة «الذعر الأوروبيّ من الاتحاد السوفياتي» وفتح صفحة الصداقة الاضطرارية مع وريثته روسيا بمنطق الضرورة الاقتصادية والجيوسياسية.
فهل يراهن الأميركيون على أفريقيا لإعادة ترجيح هيمنتهم؟ لا شك في انها قارة غنية بالمعادن ومصادر الطاقة، مع دول متخلفة، ولها أيضاً مواقع استراتيجية تربط بين الاطلسي والهندي والأحمر والمتوسط، لكنها تتوزع ايضاً بين مصادر نفوذ متنافسة فيها الاوروبي والصيني والاميركي وسط محاولات روسية لاقتحام المشهد من ناحية بيع السلاح والتخصص في الغاز إنتاجاً وبيعاً.
لذلك فإن قواعد الصراع بين هذه القوى تجتاز حالياً مرحلة صعبة، لأنها وصلت الى حائط مسدود.
ما يتطلب إحداث واحد من امرين: اما الاعتراف بموازنات القوى الجديدة وابتكار تحاصصات دولية جديدة تحت مسمّى تعددية قطبية، او الذهاب نحو منازلات للوصول الى إقناع بقوة الأساليب العسكرية يحدّد هوية النظام العالمي والممسكين الاساسيين به.
لجهة الخيار الاول، فلا يبدو أن الأميركيين بوارد الاقتناع الحبّي الرضائيّ بضرورة وجود عالم متعدّد القطب، والدليل أنّهم يقاومونه في العراق وسورية وفنزويلا وأوروبا المجاورة لروسيا وشرق آسيا قرب الصين وأميركا الجنوبية وفي حصارهم لفنزويلا لأنّهم يشعرون بفائض قوة يعتقدون أنه قادر على منع انهيار الأحادية القطبية.
فهل رفدهم وباء الكورونا ودعم تحليلاتهم؟
قد يكون هذا الوباء أسهم في تجميد الصراع على شكل النظام العالمي الجديد لمصلحة تنظيم الجهود لمكافحته، مع الاشارة الضرورية الى ان الدول الكبرى تبذل جهوداً قوية وسريعة لإنتاج لقاحات لعلاج كورونا وذلك لتلبية مسألتين: حماية مجتمعاتها الخاصة والإمساك بلقاح يحتاج له العالم. بما يضعها في خانة الدول المؤثرة على أمن العالم وتصبح بالتالي جزءاً اساسياً في النظام العالمي الجديد المرتقب.
هناك اذاً انسداد في الحوار بين القوى المرشحة للانضمام العالمي الجديد بسبب العناد الاميركي الذي يلعب لعبة تفجير الحروب الإقليمية او بالوكالة مع الخنق الاقتصادي وصولاً الى حروب الاستثمار بالاوبئة من دون نفي الأصول الصناعية لهذه الاوبئة، بما يضع الاميركيين على رأس لائحة المتهمين والمستفيدين في آن معاً.
بالنسبة للخيار الثاني المتعلق بالمنازلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة بين القوى المؤهلة للانضمام الى النظام القطبي العالمي، فإنها مرجأة لمصلحة استثمار هذه القوى في وباء كورونا.
هنا ينكشف العناد الأميركي للإمساك بلقاحات كورونا من خلال مختبراتها ومحاولتها شراء مختبر الماني كامل، يحقق الآن نجاحات في مضمار التصدي للوباء، وذلك بأسعار خيالية.
لكن الدولة الألمانية تمنع اصحاب هذا المختبر من بيع نتائج تجاربهم، وتعلن عن استعدادها لتقديم أي مبلغ يريدونه.
كذلك فإن الصين تسجل نجاحات في مستوى العلاجات وتتجه لحيازة المركز الأول في اختراع لقاح وقائي يمنع العدوى ويكافحه.
هناك أيضاً الروس المسرعون بدورهم لاقتحام ميادين ابتكار لقاحات، لكنهم يكتفون بالإعلان عن القليل من منجزاتهم لأسباب امنية، يلمون بها تاريخياً.
فيصبح الصراع الكوروني منحصراً بين الاميركيين والاوروبيين بقيادة ألمانية والصينيين والروس وسط صمت عربي وأفريقي لا علاقة له بما يجري إلا على مستوى تدابير الوقاية، هذا من دون نسيان محاولات علمية يابانية تبادر بصمت لإجراء تجارب للسيطرة على كورونا.
ان هذا التحليل ينحاز الى احتمال تجميد الصراعات بين القوى الاساسية في العالم على الوضعية التي كانت عليها قبل انتشار كورونا، لان النظام العالمي الحالي لن ينفجر إلا بعد العثور على لقاحات للأوبئة.
وهو انفجار لن يصل الى حدود الصدامات النووية المباشرة لأنها أقسى من كورونا بل هو قابل للامتداد بأشكال حروب اقليمية قاسية جداً في اميركا الجنوبية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا وبعض انحاء اوروبا تمهيداً للإعلان عن قطبية جديدة اميركية صينية روسية تمنع الصدامات الكبرى وإمكانية تصنيع اوبئة جديدة، وتدفع الحروب الإقليمية الى مزيد من التراجع.
المشكلة الوحيدة هنا، هو أن أحداً لا يعرف متى تتمكن المختبرات العالمية من وقف الزحف الكوروني الذي يهدّد الكثير من الدول بجوع حقيقيّ مدمّر للاستقرار السياسي.