لم تنتظـــرْ
}جهاد الحنفيّ
لم تنتظــرْ أمي
وخبَّأتِ المواعيدَ الأخيرةَ
في مناديلِ النِّهايةِ
ثم طارت وحدَها
قبل انبلاجِ السِّرِّ
في شَفَةِ الرَّحيلْ
لم تنتظـــرْ
لأعودَ من ليلي إليها مُتعَباً
وأطُوفَ حول ضيائِها
حتى أرى بعد الغيابِ
ملامحَ الفجرِ الدليلْ
لم تنتظـــرْ
لأبثَّ عينيها المبلَّلتيْنِ بالأسرارِ
آخرَ ما ذرفتُ على مرايا أسطري
من خَربشاتٍ وارتعاشاتٍ
لعلَّ حفيفَ قبلتِها
يروّض ما تناءى من سماءِ المستحيلْ
لم تنتظـــرْ
كانت على علمٍ
بأن لديَّ طائفةً من الأخبارِ والأشياءِ والبَسَمَات ِ
لكنَّ الفُضولَ الصَّاخبَ
اليومَ
استحالَ إلى سُكونٍ في حكاياتِ الذُّبولْ
لم تنتظـــرْ
لم تنتظـــرْ أمي
لأخبرَها بأنَّ الشِّعرَ أصبحَ بعدَها
صمتاً بلا معنى… بلا أفــُقٍ
وأنَّ الزَّهرَ أصبحَ بعدَها
شكلاً يتيمَ العطرِ والألوانِ
لم تعدِ الأغاني مثلما كانت
حواراً دافئاً بين التُّرابِ وبين أحلامِ النَّخيلْ
لم تنتظـــرْ
لترى ربيعَ زمانِنا
شيخاً على عكَّازِه
وزهورُه أكفانُ فِتْيَتِه
نَداه دموعُ نسوتِه
مواعيدُ العطورِ به
انتظاراتٌ ملونةٌ
بأشلاءٍ وأسماءٍ وأحداثٍ
تفلسِفُ كيف صارَ القاتلُ المأجورُ
مؤتمناً على روحِ القتيلْ
لم تنتظـــرْ
كانت تساعدُني على شتمِ الطُّغاةِ
تمدُّني بنفائسِ اللَّعناتِ فوق رؤوسِهم
من معجمِ الغَضَبِ الدفينِ بصدرِها
لم ينطفئْ
في ثغرِها وَجَعُ السُّؤالِ متى
متى سيحرِّرون القدسَ يا ولدي
وكنتُ أقول يا أمي
متى
سيحرِّرون سجونَهم من جرحِنا
وبطونَهم من قمحِنا
لا يكسرُ الأصفادَ يا أمِّي
ذليلْ
لا يصنعُ الأمجادَ يا أمِّي ذليلْ
لم تنتظـــرْ
شكراً لها لم تنتظرْ
بعضُ الرحيلِ يَجُبُّ آلامَ الرَّحيلْ
بعضُ البقاءِ يكونُ أفضلَ منه يا أمِّي
رحيلْ