سيادةُ المقاومةِ والوطن
} شوقي عواضة
في الأوّل من أيلول عام 1982 اجتمع الرّئيس الآتي على دبابة (اسرائيليّة) بشير الجميّل برئيس الوزراء الصّهيوني مناحيم بيغن في مستعمرة نهاريا ووعده بتوقيع اتفاقيّة سلامٍ مع الكيان الصّهيوني، حينها كان لبنانُ يسير باتجاه العصر الإسرائيليّ، اتجاهٌ كسرته طلائعُ المقاومين من نبيل العلم وحبيب الشرتوني اللذينِ نفّذا عمليّة إعدام بشير الجميّل في 14 أيلول 1982، تلك العمليّة التّاريخيّة التي أعادت لبنان إلى عصره القومي والعربي وإلى زمن المقاومةِ لتنطلقَ المقاومةُ بعدها بكلّ فصائلها في مواجهة العدوّ. وبالرّغم ممّا أنجزته المقاومة التي لم تفرّط بسيادتها ولا بسيادة الوطنِ استمرّت محاكمةُ المقاومين نبيل العلم وحبيب الشّرتوني ولا تزال قائمةً حتّى اليوم ولم تسقط بمرور الزّمن، ولا بتحقيقِ الانتصارات للبنان الذي هزم بمقاومته وشعبه وجيشه أعتى قوة في هذا العصر. انتصار لم يثنِ العدوَّ الإسرائيليّ عن متابعة استهدافه للبنانَ فكان عدوان تموز عام 2006 على أثر قيام حزب الله بعملية الوعد الصّادق في 12 تموز 2006 والتي أدّت إلى أسر جنود إسرائيليين من أجل تحريرِ الأسرى اللّبنانيين والعرب واستمرَّ العدوان 33 يوماً لينتهي بانتصار آخر يضاف إلى سجلات المقاومة.
حينها اتُّهم حزب الله والمقاومة بالمغامرينَ وارتفعت بعض الأصوات التي تقول إنّ المقاومة تغامرُ بمصير لبنان من أجل شخصٍ واحدٍ وهو سمير القنطار ودعت أصوات أخرى إلى حصر قراري الحرب والسّلم بيد الدّولة، وكذلك حصر السّلاح بيد الدّولة. وحتّى اليوم لم تيأس تلك الأبواقُ من دعوتها للحفاظ على سيادة لبنان التي يستأسدون من أجلها في مواجهةِ سورية التي تآمروا عليها ونراهم أغنامَ السّيادة أمامَ الأميركيّ والإسرائيلي فنقول لهم إنّه لولا سلاح المقاومة الذي هزم العدوَّ الصّهيوني وانتصر على الإرهاب وسحق مشروع داعش لسقط الوطنُ ولولا هذا السّلاح لكان لبنان إمارةً من إمارات أبي بكر البغدادي ولكانت المستوطنات الاسرائيليّة في امتدادٍ متزايدٍ. لولا سلاح المقاومة لكان نفطُ لبنان المكتشف حديثاً في خبر كان أو كان في ترسيمِ الأمم العوراء من حقّ العدوّ الاسرائيليّ. ذلك هو سلاح المقاومة الذي حمى الوطنَ والسّيادة لا زال يشكّلُ هدفاً لعبيد السّفارات المتعدّدة الحقد على المقاومة اليوم وبعد كلّ الانجازات هناك من يحمّلُ المقاومةَ مسؤوليّة إطلاق سراح العميل عامر فاخوري وهم أنفسهم يتهمون حزب الله بأنّه دولةٌ ضمن الدّولة. بالرّغم من أنّه ما من مقاومة في العالم انتصرت إلّا وحكمت سوى لبنان حيث لم تفعلِ المقاومةُ ذلك ولا تريد لأنّ مقتل أيّة مقاومة هو السّلطة والشّواهد التّاريخيّة كثيرةٌ. أمّا تلك الأبواقُ التي لا زالت تتهم المقاومة وتدينها منذ انطلاقتها فيبدو أنّها تمارسُ عمليّة اتهامٍ وانتقادٍ وهجومٍ على المقاومة كعمليّة ارتزاقٍ تعتاشُ عليها ليس إلّا ولا تخدم عدا أسيادها ومشغليها إذ كنّا نتمنّى على تلك الأبواق أن تنبريَ لحماية السّيادة اللّبنانيّة من الإرهاب والسّيارات المفخّخة التي طالت بعض المناطق اللبنانيّة وسقط خلالها مئاتُ الشّهداء والجرحى. لم نسمع أولئك الناعقين يقفون في وجه المحتلّ الصّهيوني ولا في وجه عملائه الذين يعتبرونهم مبعدين ويطالبونَ بعودتهم.
أمّا على مستوى السّيادة القانونيّة فيبدو أنّ القانون استنسابيٌّ يُبرّأ بموجبه العميل عامر الفاخوري ذو التّاريخ الحافل بالجرم والقتل وخيانة الوطنِ وتعذيب المعتقلين ويحاكمُ المقاوم حبيب الشرتوني بعد مرور 37 سنة على تنفيذ حكم الإعدام بالخائنِ بشير الجميّل. فأيّ قانون هذا؟ وأيّ سيادة يتحدّث عنها من تناسوا المعتقل جورج عبد الله في السّجون الفرنسيّة لأكثر من أربعين عاماً. لقد فعلت أميركا المستحيل من أجل العميلِ الفاخوري الذي تعتبره مواطناً من مواطنيها. وأطلقته بالرّغم من كلّ الجرائم التي ارتكبها بحقّ الأسرى اللّبنانيين ولم تفرّط به، بينما عندما قامتِ المقاومةُ بتحرير سمير القنطار والأسرى اتهمت بتخريب لبنانَ والتآمرِ عليه.
وختاماً نقولُ لأصحابِ السّيادة مقولة السّيد عبد الحسين شرف الدّين للرئيس بشارة الخوري عام 1948 حين ارتكبت قوّاتُ الاحتلال مجزرةً في بلدة حولا الجنوبيّة حيث قال: وحسبنا الآن نكبة جبل عامل، هذا الجبل الأشمّ الذي يدفعُ ما عليه من ضرائبَ ولا يُعطى ما له من حقوقٍ وكأنّه الشّريك الخاسر. فإنْ لم يكن من قدرةٍ على الحماية أوليس من قدرةٍ على الوقايةِ وإن قرأتم السّلام على جبل عامل فقلِ السّلام على لبنانَ).
واليوم نقولُ لمن يدعون السّيادة: إنْ قرأتم السّلام على السّيادة فقلِ السّلامَ على لبنانَ…