الانفجار الاجتماعيّ في لبنان لم يعد بعيداً
} د. وفيق إبراهيم
هذا الاحتمال “الواقعيّ” تعرفه الطبقة السياسية المنتشرة في “الحكم والمعارضة”، لكنها تتجاهله بانتظار حلول سحريّة سريعة لوقف انتشار وباء كورونا، قد تأتي من مختبرات الخارج أو من أقصى الصين.
فهذه الطبقة لا تملك الا ما سرقت يداها منذ ثلاثة عقود والكثير من “الدعاء” مع استحضار الغيب لمزيد من الإمساك بحركة الناس الى حدود السيطرة على التنفس.
إلا أنَّ هذه الأساليب لم تعد مجدية، لأن “المؤيدين” اصبحوا جياعاً، ويحتاج ضبطهم إلى موارد كبيرة، لكنها موجودة في جيوب هذه الطبقة السياسية المتعددة الاشكال.
ما الذي حدث؟ لقد أدى الوقف الكامل للتفاعلات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان بقرار رسميّ لوقف انتشار كورونا، إلى ازدياد معدلات الجياع، فلم يعد هناك فقراء كانوا يتدبّرون أمورهم بالكثير من المعاناة، بل محرومين، خسروا عملهم كأجراء ومياومين، يتقاضون بدلاً يومياً يعينهم على الاستمرار في البؤس.
هؤلاء انخرطوا في دوامة جوع جراء منع الدولة للتجول وحظر فتح أماكن التفاعل المتنوعة. هذا يعني على الفور اضافة ثلاثين في المئة من المحرومين اللبنانيين الى نحو اربعين من المئة من الفقراء، ما يرفع هذا العديد المأساوي الى سبعين في المئة، وهؤلاء جاهزون للارتفاع الى 95 في المئة من اللبنانيين إذا توقفت الدولة عن دفع رواتب القطاع العام، فمَن هم الناجون المحتملون؟
ينتمي الناجون إلى أربع فئات من اللبنانيين مع البيئة الخاصة المستفيدة منهم في الدوائر الرسمية والتغطية في القطاع الخاص أولاً الأحزاب السياسية العاملة ضمن الصيغة اللبنانية وهي تتبادل المواقع في الموالاة والمعارضة، حسب تبدل توازنات القوى الإقليمية والدولية المؤثرة بقوة في السياسة اللبنانية منذ تأسيس لبنان 1943 .
إن ما تتمتع به هذه الأحزاب تبدأ باستعمالها للتعددية الطائفية سلاحاً لتقسيم اللبنانيين وإضعافهم، ما أتاح لها استنزاف الموارد العامة والسطو حتى على القطاع الخاص بالمشاركة مع أصحابه وذلك بتغطية مفاسده، الأمر الذي أوصل الدين العام إلى مئة مليار دولار وسط غياب كامل للخدمات الأساسية وتطويع القدرة التوظيفية للدوائر الرسمية، حسب حاجات هذه الاحزاب.
لجهة الفئة الثانية فهم كبار الرأسماليين الممسكين بالقطاع الخاص والمتعاونين مع الاحزاب بعقلية المغانم للسطو على المجتمع فتقوم الطبقة السياسية بنهب الدولة، وتتعاون مع الرأسماليّين الممسكين بالقطاع الخاص في سرقة المجتمع.
بالمقابل تحتل المصارف موقع قيادة اوركسترا “وضع اليد على أموال اللبنانيين” فتجني ودائع المواطنين بفوائد خيالية معاوداً توزيعها حسب حاجات القوى السياسية، وذلك في أسوأ عمليات “نصب” يتقاسم أرباحها كل من المصارف والسياسيين والأحزاب، وبمئات الدولارات وعلى حساب المزيد من إفقار اللبنانيين.
لا يجب هنا التغاضي عن أدوار السياسيين المستقلين، لكنهم ينتمون في النهاية إلى الطبقة السياسية نفسها بالاساليب الطائفية المغطية للسرقات والافقار.
إن هذا التحالف يجد نفسه اليوم أمام مشروع انفجار اجتماعي “حتمي” لن تنفع في إجهاضه الاساليب الطائفية ولا الإمساك بالتوظيف في الإدارة ولا الدعم الاقليمي، كما أن بركات الغيب لن تكون إلا لصالح الفقراء والبؤساء.
لجهة الوسيلة الأخيرة الداعمة للطبقة السياسية وهي الخارج الإقليمي والدولي، فهؤلاء متّهمكون في مجابهة وباء كورونا ويعملون على منع انتشاره في بلدانهم. وهذا يعني استبعاد أي اهتمام لهم بتطورات الوضع اللبناني، إلا على مستوى الدعاء وهذا لم يجدِ، لذلك فإن منتصف شهر أيار المقبل هو موعد تاريخي في السياسة اللبنانية، لأن إقفال الأعمال يدخل شهره الثاني وكذلك الحجر في المنازل ومنع التجوّل.
فكيف يسدّ نحو ثلاثين في المئة من اللبنانيين جوعهم وحاجات عائلاتهم؟ وإذا بقيت كورونا في حالة انتشار حتى حزيران المقبل، فإن أكثر من ستين في المئة من اللبنانيين مرشحون للانفجار بدورهم.
فهل لدى هذا التحالف السياسي الطبقي وسائل لمعالجة هذا الأمر؟
لن تتمكن الدولة اللبنانية من اقتراض أي مبالغ من الخارج المأخوذ بشكل كامل بمحاصرة الوباء، ما يعني أن عليها تأمين مبالغ كبيرة من الداخل، وهذا ليس متوافراً إلا عند شبكات الطبقة السياسيّة نفسها، أي الأحزاب ومعهم السياسيون المستقلون والمصارف والرأسماليون، فهؤلاء نهبوا لبنان خصوصاً في الثلاثين سنة الماضية وبإمكانهم تأمين مستلزمات نحو مليون لبناني لأربعة أشهر متتالية بدءاً من ايار المقبل على أساس 400 دولار للبيت الواحد شهرياً، بما يعادل نحو ملياري دولار، لا تشكل نسبة كبيرة من المال الرسميّ المنهوب، لكنها تمنع الانهيار الاجتماعي بشكل أكيد.
وهذا الاقتراح يستلهم خطاباً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، دعا فيه المصارف بحزم “إلى الدفع” لدرء المأساة الاجتماعية، باعتبار أنها استفادت بشكل عمودي من مرحلة 1990 ـ 2020 وبشكل لا مثيل له في دول العالم.
لبنان إلى أين؟ مصيره مرتبط بوضع كورونا وقدرة هذه الطبقة السياسية على التنازل عن قسم بسيط من سرقاتها، بما يرجئ انهيارها إلى أمد متوسط، ويعطي للبنان فرصة البحث عن سبل نجاة فعلية داخلياً وخارجياً.