أدوارٌ كبيرة للسعوديّة ولبنان في الانتخابات الأميركيّة!
} د. وفيق إبراهيم
كان المواطن العربي يأمل بأن تتعاون دول جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي على مجابهة وباء كورونا القاتل، الذي وصفته منظمة الصحة العالميّة بعدوّ البشرية، لأن هذا الفيروس القابل للانتشار بسرعة صاروخيّة، يجتاح العالم بأسره فاتكاً حتى الآن بتسعة آلاف شخص من دون أي تمييز لعرق وطائفة ولون، ومهدداً أكثر من مئتين وخمسين ألفاً مصابين به بمصير مشابه وملوّحاً بقدرته على إصابة ملايين البشر.
لذلك فكان على الدول العربية أن تضع برنامجاً من طبقتين: الأولى داخلية ضمن كياناتها تنشر فيها آليات تعقيم وعنايات طبية ومعالجات، والثانية عربية إقليمية في إطار الجامعة العربية لصاحبها وأمينها العام أبو الغيظ وذلك لتنسيق عمليات عبور الناس والبضائع من الحدود المشتركة، وإغاثة الدول الأعضاء ذات الإمكانات المحدودة في الأردن وتونس ولبنان ومصر والسودان والمغرب وغيرها، فلدى «الشقيقات» من دول النفط والغاز فوائض بالإمكان استخدامها ولو لمرة واحدة، في إطار دعم الأشقاء وليس «لإذلالهم» كما يحدث دائماً لدى إرسال مساعدات مالية يتبين آنفاً أنها للاستثمار السياسي وفي طرف ثالث هو الأميركي.
لكن ما يجري اليوم أكثر خطورة من النمط القديم، فإلى جانب الكورونا المخيف، هناك ركود اقتصادي نتيجة تداعيات هذا الوباء الذي يفرض مرابطة الناس في منازلها وتوقف الأعمال وكل انواع التفاعلات الادارية الرسمية والخاصة، ما أدى الى تراجع كبير في اوضاع الدول العربية المتواضعة، وتدهور في إمكانات الدول النفطية.
ما يؤسف له هنا، أن هذه الدول العربية التي كان معتقداً ان الكورونا يدفعها لمعالجة أخطاره في أراضيها والامتداد العربي المجاور، تهتم شكلياً باقتفاء أثر هذا الفيروس الكوني في الانصياع لمرجعياتها الدولية في شؤون سياسية لا تعكس خطورة المرحلة.
هناك نموذجان سريعان يختصران ضحالة المشهد العربي وانحطاطه ويتجسّدان في تصريحات حديثة للرئيس الاميركي دونالد ترامب، وجه في إحداها شكراً حميماً للحكومة اللبنانية على مساعدتها في إطلاق سراح العميل «اللبناني» المتصهين عامر الفاخوري الذي تعاون مع المخابرات الإسرائيلية في مرحلة احتلال جنوب لبنان ونكل بالجنوبيين قتلاً وتعذيباً لاكثر من عقدين وهرب الى «اسرائيل» ومنها الى اميركا بعد تحرير لبنان من قبل المقاومة في 2000.
وقرّر بعد عشرين عاماً نال فيها الجنسية الاميركية زيارة لبنان، حيث اعتقلته الاجهزة الامنية وأحالته الى المحكمة العسكرية بتهم واضحة ومكشوفة لا يمكن التلاعب بها.
لكنّ ضغوطاً اميركية على «لبنان السياسي» هددت بعقوبات وحصار، أرغمت القضاء العسكري على تبرئته بذريعة سقوط التهم بمرور الزمن.
لذلك يحقّ لترامب شكر «لبنان السياسيّ» على تعاونه لإطلاق سراح «مواطن أميركي»، على حد تعبيره. وهو يريد بذلك توجيه رسالة الى كل مواطني بلاده بأنه حريص على سلامتهم في أي مكان، وكيف لا يكون مهتماً بهم بشكل إضافي والانتخابات الرئاسية الاميركية التي يعمل ترامب على النجاح فيها بولاية ثانية، أصبحت على بعد ثمانية اشهر فقط، فيكون لبنان السياسي «المعجزة الكونية»، قدّم لصديقه ترامب خدمة انتخابية هامة يتباهى بها امام طبقات شعبية اميركية لا تهتم عادة بالسياسة ولا تعرف إلا أن رئيسها ترامب حريص على أمن مواطنيه حتى في اقصى الارض.
هناك نقاط اكثر عمقاً تذهب الى ان اللوبيات اليهودية الاميركية النافذة هي عالمي الإعلام والمصارف هي التي ضغطت على ترامب لتحرير الفاخوري العميل لدى «اسرائيل»، وذلك لتشجيع كل العملاء بأنهم محميون من الدولة الأميركية والكيان المحتل، وبذلك تتعمّق المعادلة التالية: بأن ترامب وطد علاقته بمعادلات انتخابية اميركية قوية هي اللوبيات اليهودية وذلك في الخدمة التي أسداها له «لبنان السياسي» وتستفيد منها أيضاً «اسرائيل».
هذا هو الدور اللبناني، في دعم ترامب الذي لا يقلّ خطورة عن الكورونا، فماذا عن الدور السعودي الذي يتناسب مع الحجم الاقتصادي لبلد له امكانات السعودية النفطية؟
وبما ان العلاقة بين ترامب ومحمد بن سلمان اصبحت بنيوية وكل طرف فيها يحتاج الى الآخر، فقد ارتأى سيد البيت الابيض خفض اسعار النفط لتهبط اسعار وقود الاستخدام الشعبي في البنزين ومشتقاته لسبب وحيد يتعلق بإرضاء الناخبين الأميركيين من الفئات الشعبية لكسب اصواتهم، وذلك لمدة تنتهي بانتهاء الانتخابات الرئاسية مباشرة، وترامب يعرف ان النفط الصخري الأميركي العالي الكلفة لاستخراجه لا يستطيع تسويق منتجاته في مرحلة انتشار كورونا.
الامر الذي دفعه الى تبني سياسات خفض اسعار النفط لتنفع الاستهلاك الشعبي ولا تضر النفط الصخري شبه المتوقف حالياً.
فمَن يستطيع تنفيذ هذه الرغبات الترامبية؟
هما طرفان: الأول محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والرأسمالية الاميركية، صاحبة شركات النفط الصخري، والتي ينتمي اليها ترامب اقتصادياً.
لذلك وافق رأس المال الاميركي على الخطة فيما ذهب ابن سلمان الى تطبيقها بمغالاة متعمدة، صحيح انها تخدم ترامب لكنها تحميه أيضاً في مشروعه لاحتكار السلطة في السعودية.
فاندفع لتفجير اتفاق معقود مع الروس منذ خمس سنوات لتأمين استقرار السوق النفطية رافعاً إنتاج بلاده من تسعة ملايين برميل الى ثلاثة عشر مليوناً متسبباً بذلك بانهيار الأسعار الى 25 دولاراً للبرميل الواحد ما انقص عائدات السعودية أكثر من عشرة في المئة دفعة واحدة. وهذا لا يهم بالنسبة اليه مقابل حماية مشروعه السياسي من قبل ترامب.
اما المثير للسخرية الذي يكشف ان مملكة آل سعود ليست أكثر من آلية أميركية، فهو اقتراح أرسله ترامب اعلامياً الى القادة الروس يعرض عليهم التفاوض مجدداً حول أسعار النفط لتهدئة الاسواق، على حد تعبيره.
لذلك لا تجوز الاستهانة بترامب الذي يريد افهام الجميع، ان السعودية و»لبنان السياسي» هما بلدان تابعان للجيوبوليتيك الاميركي وينفذان أوامره حرفياً من دون اي اعتراض.
هذه هي الأدوار العربية في الانتخابات الاميركية، التي تؤكد مجدداً ان التحرر من المستعمرين يحتاج الى مقاومات كبيرة بدأت في لبنان ولم تنتقل بعد الى أمكنة أخرى.