المدرسة الرسميّة الابتدائيّة… بين الحاجة والإلحاح الدكتور حسّان قبيسي: الخطط التربويّة التعليميّة الناجحة هي البعيدة عن الطبقيّة والطائفيّة والمناطقيّة
} رامزا محمد صادق – خاص «البناء»
أكدّت وثيقة الوفاق الوطني اللبناني على وجوب توفير التعليم وحريّته وحماية التعليم الخاص وإصلاح التعليم الرسمي وإعادة النظر بالمناهج.
كما أكّدت إلزاميّة التعليم في المرحلة الابتدائية على الأقل، لكن لم تأت على ذكر حق التعليم للمواطنين اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية ولم تتطرّق إلى مجانيته، كما تنصّ القوانين والاتفاقيات الدولية. فـ»التعليم حر» وفق الدستور اللبناني وهنا يكمن أساس المشكلة الذي أدّى إلى تبلور الفروق التعليمية داخل المجتمع وأصبح التعليم الجيّد حصراً على طبقة دون سواها حيناً أو طائفة دون سواها حيناً آخر، الأمر الذي ترك أثره في توسيع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية والطوائف.
«البناء» التقت الدكتور حسان قبيسي أستاذ متقاعد من كليّة التربية ـ الجامعة اللبنانية حيث يلفت إلى أنّ الحلّ يتجلّى في نهوض المدرسة الرسمية على أسس غير طائفية وغير طبقيّة وموحّدة على مستوى الوطن.
ويؤكد أن الوضع المزري الذي وصلت إليه المدرسة الرسمية يعود إلى استمرار «مظاهر الأزمة» في هذا القطاع كما أسماها دكتور قبيسي. و تشمل هذه المظاهر:
1- افتقار للمدرسين المعدّين للتعليم خاصة بعد توقف دور المعلمين وعدم تعيين متخرجي كلية التربية في المدارس الرسمية.
2- عدم إخضاع أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الرسمية الابتدائية لإعداد أو تدريب تربوي.
3- تقاضي معلمي التعليم الرسمي الابتدائي رواتب هزيلة فيسعون بالتالي إلى زيادة دخلهم عن طريق التعليم في المدارس الخاصة وينصرفون بذلك إلى بذل جهد أقل في عملهم الأساسي.
4- افتقار معظم المدارس الرسمية إلى التجهيزات الأساسية والضرورية للعملية التعليمية.
5- لا إعداد إدارياً لمديري المدرسة الرسمية.
6- النظام الداخلي المعمول به في المدارس لا يُعطي المدير أيّة صلاحيات لتقويم عمل المعلمين وتقويم تعلّم المتعلمين واستكمال الجهاز التعليمي واللوازم والتجهيزات.
7- روّاد المدرسة الرسمية هم من أبناء الفئات الفقيرة وغير المتعلّمة.
8- عدم ممارسة مديرية التفتيش المهام الموكلة إليها، وكذلك بالنسبة لمديرية التوجيه والإرشاد فلم يعيّن في ملاكها حتى اليوم إلّا مديرها.
في السياق عينه، يشير الدكتور قبيسي في كتابه «النظام التعليمي في لبنان» إلى العوامل التأريخية من سياسية واقتصادية وطائفية التي رافقت نشأة النّظام التّعليمي في لبنان بدءاً من العهد العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي، وصولاً إلى الاستقلال في ظلّ نظام سياسي طائفي يتحمّل مسؤولية تدهور التعليم الرسمي.
إنّ أهمية النهوض بالمدرسة الرسمية تتمثّل بجعلها مصهراً وطنياً عابراً للطوائف والطبقات والمناطقية. كما تسنح الفرصة للذين لا يستطيعون تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة بأن يحسّنوا مستوى تعليمهم الأمر الذي يساهم في التخلّص من الرسوب والتسرّب.
من هنا، يقترح الدكتور قبيسي سلسة من الإجراءات كفيلة بنهوض المدرسة الرسمية الابتدائية. نذكر:
ـ العمل على جعل الناس يقتنعون بأنّ المدرسة الرسمية لا تقوم بالاصطفاء الطبقي ولا بالتمييز الديني مما يؤدي إلى توحيد اللبنانيين.
ـ إقناع الناس بأن المدرسة الرسمية هي ليست للدولة بقدر ما هي للمجتمع المحلّي الذي يستفيد منها. فالمجتمع المحلّي هو صاحب المصلحة الفعليّة الأولى في دعم المدرسة الرّسمية.
ـ جعل المجلس البلدي هو المؤسسة الأولى التي تقع على عاتقها مهمّة النهوض بالمدرسة الرسمية. فعلى وزارة البلديات والجمعيّات الأهلية أن تعدّ البرامج الدقيقة والمدروسة للتعريف بالطرق والأساليب التي يمكن من خلالها دعم المدرسة الرسمية الابتدائية والنهوض بها. كما يتم تحديد صيغ للتعاون بين المجالس البلدية والهيئات المحلية وإدارات المدارس المحليّة والمركزيّة.
من أجل تحقيق ما سبق لا بدّ من إجراء النقاشات في المجالس البلدية والقوى السياسية والاقتصادية والنقابات والجمعيات من أجل بلورة وعي مشترك يترجم بخطط عمل واضحة ومبرمجة. فيكون بذلك حالنا كحال التعليم في فرنسا، حيث تعتمد التعليم الرسمي كخيار وطني عبر الاتجاه إلى اللامركزية التي رمت إلى إيجاد شراكة في إدارة العملية التعليمية بين الإدارات العامّة والسلطات المحلية. لذا يمكن الاستفادة من التجربة الفرنسية إذا توافرت النيّات والإرادات الطيّبة.
ويختم الدكتور حسّان قبيسي بقول لعمر فرّوخ: «أمراض وطننا تختلف عن جميع الأمراض في العالم لأنّها أمراض كثيرة ولأنّ أطباءنا لا يريدون لها الشفاء».
وكحال كلّ قطاعٍ رسمي في لبنان يعدّه البعض على أنه متراجع، مع العلم أن المدرسة الرسمية قد أثبتت جدارتها في نسب النجاح في الامتحانات الرسمية، لذا ندعو جميع العاملين في القطاع الرسمي اللبناني العمل بجدارة وتفانٍ من أجل الطلاّب الابتدائي والمتوسط والثانوي، خصيصاً في ظلّ هذه الأزمة التي يمرّ بها لبنان، وضرورة تفعيل الدراسة عن بعد، وتأمين وضع ملائم للأساتذة والطلاب يضمن للطلاب إكمال مناهج العام الدراسي. كما نامل من وزير التربية طارق المجذوب ان يتطلّع إلى شؤون المدرسة الرسمية والعمل الدؤوب على تأمين احتياجاته لا سيما تلك الكائنة في القرى النائية والبلدات حتى تسنح الفرصة أمام الطلاب من كافة الفئات لإكمال تعليمهم وتخفيف العبء عنهم في التوجّه إلى بيروت طلباً للعلم.