بالمناعة الروحيّة – الماديّة نقضي على المحن والأوبئة (1)
} يوسف المسمار*
عندما يفقد المرء المناعة الداخلية العقلية والنفسية تسوء المناعة الخارجية حتى ولو كانت صحته الجسدية كاملة ولا يهدّده أي مرض أو وباء، وكذلك يحصل للجماعة عندما تخسر مناعتها الذاتية التي هي وعيها الجماعي، وكذلك أيضاً يصيب الأمة عندما تفقد ذاتيتها العامة ووجدانها القومي الاجتماعي فتنتشر الفوضى، ويسود الاضطراب، وتسوء الأحوال الخاصة والعامة، وتختلط على فاقدي المناعة الأمور فيرون الخطأ صواباً والصواب خطأً.
وهذا ما يحصل هذه الأيام للأفراد والجماعات والامم في مناخ الوضع العالمي الذي اضطرب وانهار بأخبار فيروس كورونا، ويكاد يضيع في الأوهام التي تجلب الويل والتعاسة وكأن موجد هذا الكون تخلى عن حمايته له، وغضب على مخلوقاته، وجيّر سلطاته لفئات انتهازية لتحكم باسمه على لسان أفراد يأتون ويذهبون، وحكومات تتشكل وتتبدل، ودولٍ تظهر وتدول.
وكل ما يحدث هذه الأيام وما حصل في الماضي وما سوف يحصل في مقبل الأيام يدل على ان أباطرة طغاة مهووسين حكموا امبراطوريات ودولاً ظالمة فقدوا مناعتهم العقلية النفسية الداخلية فسقطوا في هاوية الفناء العميقة ولا رجوع لهم ولو أجمع كل طغاة العصور على تلميعهم، والاعتذار عنهم، والاستغفار لهم.
وفقدان المناعة الداخلية العقلية والنفسية هي الداء الوبيل المميت الذي لا علاج له ولا دواء ولا أطباء ولا ملائكة ولا شياطين ولا سحرة ولا مشعوذين، لأن فقدان المناعة الداخلية هو غياب مكارم الأخلاق الذي يعني الموت الأبدي وليس الموت الآني الذي يعني النوم الذي تطيح به اليقظة، وأضغاث الأحلام التي يطردها الواقع.
فالإمبراطورية التي تنبّه لسقوطها واستشرف سقوطها عالم الاجتماع والفيلسوف السوري أنطون سعاده في شهر نيسان سنة 1924 في مقال له في مجلة المجلة في سان باولو البرازيل، بقوله :
«نعتقد أن الشيء الوحيد الذي كان ينقص الأميركيين في سورية هو إيجاد أمور تُنفّر السوريين منهم وتحملهم على كرههم. فكل ما قام في الماضي من الأمور المقصودة وغير المقصودة لتحويل السوريين عن محبتهم للأميركيين كانت نتيجته الفشل، أما الآن فالأميركيون أنفسهم نجحوا وكان نجاحهم باهراً جداً…» الى أن يقول في مقاله الذي جاء تحت عنوان «سقوط الولايات المتحدة من عالم الانسانية الأدبي»: «وغداً إذا لاقى الأميركيون من الوطنيين السوريين إعراضاً ونفوراً فقد لا يمنعهم شيء من أن يتهموا السوريين بالتوحّش والهمجية وأن ينسبوا إليهم كل فرية هم براء منها. مَن يمنعهم؟ أضمائرهم وقد ماتت؟ أقلوبهم وقد تحجّرت؟ أعواطفهم وقد اضمحلت؟ أأدمغتهم وقد نضبت؟ أإنسانيتهم وقد أمحلت؟ أنوابغهم المصلحون والأرض خلاء منهم الآن؟ لا. لا شيء يمنعهم وغداً يسجل التاريخ ان الولايات المتحدة العظمى قد سقطت من عالم الإنسانية الأدبي كما سقطت فرنسا العظمى، ولتكن الولايات المتحدة على ثقة من أن الدولارات مهما كثرت وفاضت فهي لا يمكنها أن تعمي بصيرة التاريخ»؛ الذي أصدر حكمه العادل على الولايات المتحدة فقال سعاده: «في الساعة التي أمضت الولايات المتحدة صك المصادقة على استعمار فرنسا لسوريا مع ما تعلمه بما يحلّ بسوريا من ويلات ذلك الاستعمار أمضى التاريخ حكمه وسقطت الولايات المتحدة سقوطاً أدبياً مخجلاً وستظل الولايات المتحدة ساقطة الى يوم يُغيّر فيه الأميركيون ما بأنفسهم».
لقد كان سقوط دولة الولايات المتحدة من عالم الإنسانية الأدبي بسبب فقدان المناعة الداخلية العقلية والنفسية، وفقدان هذه المناعة هي المؤشر الذي لا يخطئ في تشخيص المرض الوبيل الذي يؤدي الى السقوط المادي بعد السقوط الروحي، وبالسقوط الروحي – المادي تسقط الحضارة الإنسانية ولا تنفع كل ادوية المسكنات والمخدرات والمموّهات والمضلّلات على الصعيد المادي، ولا ندوات الندم وكثرة الدعاء وإقامة الصلوات والابتهالات والاستغفارات والحلقات الروحية الصوفية على الصعيد الروحي. فما فات انقضى ومَن مات لن يعود الى الحياة ووحدهم ذوو المناعة الروحية العقلية النفسية لديهم المناعة المادية الجديرة بممارسة البطولة الصراعية التي تقهر الصعاب وتتغلّب على المحن وتستمرّ في الاستفادة من دروس الأزمنة، وتتعظ بها وتنبّه الناس الى طريق الحياة القويم. طريق الحقائق لا الخوارق. طريق الأفعال العظيمة التي تسبق وترافق الأقوال الحكيمة. طريق البناء الروحي السليم الذي يحفظ البناء المادي سليماً. طريق الارتقاء الإنساني المادي – الروحي المتماسك والذي لا تخترقه الجراثيم والفيروسات والسموم فتضعف مناعته، وليس للآفات والأوبئة طريقة للوصول اليه وتفتيته وتعفنه وتآكله من داخله.
لقد جاء يسوع الناصري وليس يسوع النصارى ليعلمنا أن البناء السليم يقوم على المحبة وليس على بث الكراهية وممارسة الظلم، وأن الكنائس تكبر بالقلوب الكبيرة المُحبة وليس بالحجارة الكبيرة.
وجاء محمد الصادق الأمين على خطى يسوع الناصري وليس محمد المسلمين ليدربّنا على إشادة البنيان المرصوص الذي يُشاد بالرحمة وليس بالأحقاد والفتن، وان المساجد تعمّر بمكارم الأخلاق وليس بضخامة الأبنية والزخرفات وأعمدة الرخام.
وعقيدة العقائد الصالحة القومية الاجتماعية الإنسانية تقول وتمارس بصدق وأمانة الاخاء القومي الاجتماعي الإنساني الحضاري فلا تنغلق بوطنية خانقة، ولا تنعزل بقومية منغلقة، بل تمارس وتقول وتحيا بقومية اجتماعية انسانية منفتحة على جميع الأوطان وجميع الأمم بفكر يُحيي ويُنعش ويفتح آفاقاً لمحبة أوسع، ورحمة أشمل وإخاءٍ أكثر حباً ورحمةً وانسجاماً وتعاوناً على الحق والخير والجمال بين الناس جميعاً على اتساع الكوكب الذي نعيش عليه والذي هو نقطة انطلاقنا الى أي كوكب آخر تمكننا قدراتنا من الوصول اليه.
إن رواج قصة أو كذبة فيروس كورونا ليست سوى نوع اصطناعي مبتكَر من علوم التضليل والتعمية الإعلامية وتخويف الناس بإنتاج سموم تمّ تصنيعها في المختبرات الأميركية وغير الأميركية لتسويق تجاري لبعض أنواع الأدوية في الولايات المتحدة بمشاركة الحركة الصهيونية في صناعتها.
وتاريخ ابتكار الأساليب والوسائل وصناعة السموم واستخدامها لتصفية المعارضين والمهددين لثقافة الأنانية ونهج المطامع الخصوصية اللاإنسانية حافل بهذه الابتكارات والصناعات.
فتدمير الحضارة والمدن الراقية في بلادنا في بعلبك وصور وصيدا وبيروت وجبيل وأوغاريت وقرطاجة وبابل وأشور ونينوى وتدمر ودمشق وحلب وفي هذه الأيام في ووهان الصينية، والتخلّص من رسل الحضارة وعباقرة أمتنا ونوابغها وعظمائها من أليسار ونبوخذ نصر وزنوبيا ويسوع ومحمد وعلي بن أبي طالب والحسين وأنطون سعاده هو عمل همجيّ توحشيّ يدل على النفسيات الأنانية الجشعة البغيضة الحاقدة على كل ما هو إنساني وأخلاقي كريم.
إن الكائنات الحيّة المنظورة وغير المنظورة ليست من خلق بشر، بل من خلق القدرة الإلهية التي أوجدت الحياة على الأرض، وللكائنات الحّيّة فوائدها ومنافعها في اتزان وتوازن الحياة وسلامتها على هذا الكوكب. أما كل ما يستطيعه البشر هو اكتشاف وتركيب وتصنيع السموم المؤذية او المخدّرة او المعطلة للتوازن الحياتي وايجاد الاضطراب بين الكائنات الحيّة.
* مدير عصبة الأدب العربي المهجري في البرازيل. كتبت في 25 آذار 2020.
يتبع جزء ثانٍ غداً