كورونا.. وانكشاف الفرق بين دولة الرعاية الاجتماعية والدولة النيوليبرالية المتوحشة
حسن حردان
كشفت الحرب التي يخوضها العالم اجمع، دولاً وشعوباً، في مواجهة فيروس كورونا، الفرق الشاسع بين الدول الوطنية التي تتمسك بدورها الاجتماعي والإنساني كراع لمجتمعاتها، لا سيما على صعد التعليم والصحة والتقديمات الاجتماعية، وبين الدول التي تخلت عن هذا الدور لمصلحة خصخصة هذه الوظيفة وجعلها تحت سيطرة الشركات الرأسمالية، التي حوّلت الخدمة الاجتماعية والصحية إلى تجارة ومصدر لتحقيق الأرباح الكبيرة.. إذ اتضح الفرق بين النموذجين في التطبيق، حيث زادت حدة الفوارق الاجتماعية ونسب الفقر والبطالة وتراجع الخدمات الصحية والاجتماعية في الدول التي اعتمدت خصخصة هذه الخدمات، فيما تراجعت حدة التفاوت الاجتماعي ونسب الفقر في الدول التي حافظت على القيام بهذه الخدمات الاجتماعية والصحية… على انّ انتشار وباء كورونا كشف على نحو غير مسبوق الفارق بين النموذجين على مستويات ثلاث:
مستوى أول، الاهتمام والسرعة في مكافحة هذا الوباء الخطير، حيث ظهر انّ الدول الوطنية الاجتماعية، التي غايتها وهدفها تحسين حياة الناس وحمايتهم من الأخطار، قد سارعت الي اتخاذ الإجراءات الوقائية ولم تتأخر او تتردّد في ذلك، ووظفت كلّ قدراتها لحماية الناس وإنقاذ أرواحهم، وقد شهدنا بالملموس مستوى هذه الإجراءات في كلّ من الصين وإيران وكوبا وروسيا، حيث الاهتمام بالإنسان وصحته تحتلّ صدارة الاهتمام.. وقد أدّى إعطاء الصين الأولوية لمكافحة الوباء وإنقاذ الناس إلى نجاحها في السيطرة على الوباء واستئناف النشاط الاقتصادي في البلاد بعد توقف دام شهرين..
فيما شهدنا في المقابل، تردّداً وتأخراً واستهتاراً في اتخاذ الإجراءات السريعة، لمواجهة الوباء، في الدول النيوليبرالية، التي لا يحتلّ فيها الإنسان سلّم الأولويات.. مما أدّى الى انتشار الوباء فيها على نطاق واسع.. وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أنّ نسبة الإصابات بالوباء وأعداد الذين ماتوا تبلغ نحو 85 بالمائة في الدول الغربية، من مجمل الإصابات والوفيات المسجلة في كلّ دول العالم..
مستوى ثان، الجهوزية وتأمين المستلزمات الطبية، كانت حاضرة ومتوافرة في الدول التي تقوم سياساتها على توفير الرعاية الصحية للشعب، حيث لم تعان الصين من نقص في تأمين الأجهزة والكمامات،وفي سرعة تأمينها للشعب بأسعار زهيدة، في حين كانت أجهزتها الطبية سريعة الاستجابة لتقديم العلاج للمصابين بالوباء وإقامة المستشفيات الجديدة خلال أيام لتأمين الأسرة للمرضى..وهو الأمر الذي لمسناه في إيران وكوبا وروسيا وسورية وفنزويلا، وغيرهم من دول الرعاية الاجتماعية.. بينما وجدنا العكس تماما في الدول الرأسمالية الغربية المتقدمة، وفي الطليعة الولايات المتحدة، وإيطاليا وإسبانيا، التي تبيّن انّ أنظمتها الصحية تفتقد للجاهزية في وقت الأزمات، وتعاني من نقص كبير في التجهيزات والمستلزمات الطبية.. في حين ان أسواق ألمانيا لا تتوافر فيها الكمامات وادوات التعقيم ..
مستوى ثالث، تبين بشكل واضح ان دول الرعاية الاجتماعية، قد سارعت الى توفير المساعدات العاجلة للمواطنين، والعمل على إنقاذ حياتهم باعتبارها هي الاولوية على ما عداها، ولهذا شهدنا كيف ان الصين وإيران اللتين انتشر فيهما الوباء، سارعتا الى إعطاء الأولوية لإنقاذ الناس، على أولوية الاقتصاد الذي اصيب بالشلل نتيجة الوباء، انطلاقا من ان الانسان هو الرأسمال الحقيقي، وهو الذي يشغل آلة الإنتاج، وهو الغاية لديها.. وبالتالي إنقاذه وحمايته من الوباء هو السبيل لاستعادة العافية للاقتصاد.. وبنفس الروحية الإنسانية تعاملت دول الرعاية بالإنسان مع الشعوب الأخرى حيث سارعت الصين وروسيا وكوبا إلى تقديم العون والمساعدة الطبية لكلّ من إيطاليا وإيران وغيرها من الدول…
أما في الدول الرأسمالية الغربية فقد أعطيت الأولوية لإنقاذ الاقتصاد على إنقاذ حياة الناس، ذلك أنّ هذه الأنظمة تفتقد إلى الروح الإنسانية، فبالنسبة لها المال هو إلهها ومعبودها، وهو ما عكسه بشكل سافر وفاضح موقف رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب عندما قلل في البداية من خطورة الوباء ومن ثم سعى لاستغلاله تجارياً عبر محاولة احتكار إنتاج لقاح مضاد للوباء، يعمل على إنتاجه علماء ألمان في شركة “كيورفاك» المختصة بالعقاقير الطبية.. وأخيراً عندما فضل هو وحزبه الجمهوري العمل على تأمين المساعدات المالية بقيمة 2 تريليون دولار لإنقاذ الشركات الرأسمالية وإنعاش الاقتصاد، بدلاً من إنقاذ الناس، ودعا ترامب إلى استئناف النشاط الاقتصادي في الولايات التي يوجد فيها معدلات بطيئة نسبياً من الإصابة بالفيروس، وهو ما دعمه فيه مستشاره الاقتصادي لاري كودلو بالقول، “انّ الرئيس على صواب… العلاج لا يمكن أن يكون أسوأ من المرض، علينا أن نقوم ببعض المقايضات»… وكان من الطبيعي والحال هذه ان نشهد تخلي واشنطن عن تقديم المساعدة لإيطاليا، وكذلك امتناع دول الاتحاد الأوروبي عن مساعدة دولة أساسية عضو في الاتحاد..
خلاصة الكلام، انّ حرب كورونا، كشفت الطبيعة المتوحشة للأنظمة الرأسمالية النيوليبرالية وانها تفتقد لروح وقيم الإنسانية.. وأظهرت في المقابل انّ الأنظمة التي تقوم سياساتها على قيم العدالة الاجتماعية، هي التي تعنى بالإنسان وحياته…