بالمناعة الروحيّة – الماديّة نقضي على المحن والأوبئة (2)
يوسف المسمار*
والله الموجد لكل ما هو منظور وغير منظور لم يمنح الأميركيين وغير الأميركيين سلطته وسلطانه للتحكم بمصير البشر وسقوطهم، بل إن مَن يتجاوز حدوده من البشر يسقط وينتهي دوره مهما كابر وكذب ونافق وتستر.
فقديماً استكبر فرعون أكثر من اللزوم فسقط هو ودولته. وتغطرس الاسكندر المقدوني واحتلّ بلادنا في أشهر عدة ليس لأنه قويّ وقادر على احتلال البلاد، بل لأن شعبنا خاف ولم يواجهه كما تجب المواجهة. والقرية الوحيدة التي واجهت الاسكندر المقدوني وصمدت في وجه جيشه الجرار لمدة تزيد على ثمانية أشهر كانت قرية صور في جنوب لبنان التي كان عدد المقاومين فيها 120 مقاتلاً صلبهم الاسكندر جميعهم. وكان صلبهم أول صلب جماعيّ في التاريخ، ولم يعُد الى صوابه بعد جريمته ولم يتّعظ بدرس مقاومتهم واجتاح الاسكندرية من دون قتال وبعدها عاد الى مدينة بابل وأعلن نفسه إلهاً وأعلن بابل مدينته وعاصمة الدنيا بغطرسة ليست فوقها غطرسة. وبعد إعلان تجبره وغطرسته لدغته ذبابة وربما برغشة أصغر من ذبابة فأردته ميتاً.
وتجبّر إمبراطور روما حتى ذهب هو وإمبراطوريته في الحريق. واستجهل الأعراب الذين نعتهم القرآن الحكيم أنهم أشد كفراً ونفاقاً بادعائهم الإسلام لرب العالمين زوراً فمسختهم جاهليتهم ورماهم توحّشهم على هامش تاريخ حضارات الأمم.
وطغى العثمانيون المتوحّشون بإسلامهم المتوحش لا الإسلام الرحيم فانهار سلاطينهم وسلطنتهم العاتية ومن المستحيل أن تعود.
وكذلك فعل المغول والصليبيون والبريطانيون والفرنسيون ولن تشذّ امبراطورية الظلم الصهيوأميركية عن مسار الدول البائدة المنخورة والفارغة من القيم الإنسانية، لأن أساس الملك الحق والعدل وليس الباطل والظلم.
ولذلك من الحكمة أن لا نستصغر أحداً. فالقويّ القدير يهب بعض قوته وقدرته لمن يشاء، وقد وهب القوة للأعراب الجاهليين عندما كان فيهم شيء من الكرامة وبعد أن قوّم قناتهم النبي محمد ليمتحنهم فأساؤوا الاستفادة من الهبة الإلهيّة ومن قدوة محمد لهم فذهبت ريحهم من دون إنذار برياحٍ عاتية سدّت عليهم جميع أبواب الاستغفار ولم يسلم منهم إلا أصحاب العقول الواعية، والقلوب السليمة، والضمائر الخيّرة الذين تحمّلوا الصعاب والمحن وثبتوا على طريق الحق والعدل ومهاجمة الباطل والظلم بصبر كبير.
والقدرة العظمى نفسها منحت الأميركيين، حين كانت عندهم المناعة الداخلية والخارجية – الروحية والمادية والأدبية والإنسانية حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه، ولكنهم باستكبارهم وجشعهم ومطامعهم وجشع نفوسهم أساؤوا الى أنفسهم قبل يسيئوا لغيرهم فأسقطوا أنفسهم قبل أن يُسقطهم غيرهم في مهوار الضعف والتآكل والتعفّن وكراهية الناس لهم.
فالله خلق الناس بمحبة ورحمة ولا يريد بهم الا الخير، أما أكثر الناس فأعماهمُ التكاثر وردّوا على المحبة والرحمة والخير بالبغضاء والفتنة والشر، واستصغروا أمثالهم من الناس فعاملوهم بالكراهية والظلم وكل انواع الأذى والضرر.
ونفوس بعض البشر الحاقدة لا يُستغرب منها أن تنتج كل ما يسيء الى الناس من أفكار خبيثة، ووسائل مؤذية، وأساليب مضرّة، وصناعة سموم مكروبيّة قاتلة.
ولذلك يجب أن لا نستبعد أن يكون فيروس كورونا هذه الأيام من إنتاج مختبرات حكومات الشر وأشرار العالم وعلى رأس هذه الحكومات حكومة دولة الصهيوأميركية. وغزواتها للشعوب الفقيرة، واجتياحاتها للدول الصغيرة، وتدميرها لمقوّمات الأمم دليل لا يدحض على أن نفسيتها هي نفسية كارهة لكل ما هو إنساني حضاري، ولا أرى أي سبب أو حجة للدفاع عنها بل أرى أن جريمة الجرائم الدفاع عنها أو عن أمثالها.
وكم كان مصيباً وصادقاً الفيلسوف أنطون سعاده حين كتب في رسالته الى سليم صوي بتاريخ 10 آذار سنة 1942 هذا القول:
«الدفاع عن الدول التي غدرت بأمتنا ومزقت وطننا ووهبت شعوباً غريبة حقوقاً فيه هو أمر يطعن الإباء القومي ويجرح الروح القوميّة، ولا يُنتظر صدوره عن سوري قومي صحيح العقيدة إلا من باب الغلط».
والعار الكبير هو الطعن بالمقاومين المدافعين عن حقوق أمتنا في الوجود والحياة وتقرير المصير، والطعن بكرامة أبناء الأمة البررة الذين دفعوا ويدفعون وسيستمرون يدفعون ثمن مواقفهم العزيزة آلاماً وعذابات، ومطاردات وسجوناً، وتشريداً ومنافي، وجراحات ودماء آلاف الشهداء.
إن المخرج الأفضل للخروج من هذا الوضع المبلبل والانتصار على فيروس كورونا الذي هو في الحقيقة سموم غازية مصنعة في مختبرات أشرار النفوس هو في الوعي وضبط الأعصاب، وأن الفضيلة الكبرى هي أن يتعاون الأخيار وشعوب الأخيار وحكومات الأخيار وأمم الأخيار في العالم على التنديد بأشرار الحكومات وحكومات الأشرار والتضامن الصادق في الجهاد من أجل الإنقاذ، بخاصة إنقاذ شعوب تلك الحكومات والدول من اعتداءاتها وأضرارها وسمومها المعدية.
والجهاد الذي نعنيه بحسب عقيدتنا ونهضتنا القومية الاجتماعية الإنسانية ليس الجهاد الانفعالي الذي هو رد فعل، بل الجهاد الذي عبّر عنه المعلم أنطون سعاده بقوله: «الحرب هي كلمة التعارف عند القوميين الاجتماعيين والحرب الحاضرة لحركتنا هي ما قرّره واضع عقيدة النهضة منذ البدء: أن تكون في الداخل أولاً لتوحيد الأمة وإنقاذها من المفسدين والمقلقين والمنافقين والسفسطائيين وجعلها جبهة واحدة متماسكة متراصة تجاه الأعداء الخارجيين كائناً ما كان جنسهم وأياً كان مصدرهم».
وبانتصارنا في هذه الحرب المقدّسة تظهر مناعتنا الداخلية والخارجية في الروحية والعقلية والنفسية والبناء الثقافي التنظيمي الفلسفي الاجتماعي الاقتصادي السياسي الإداري الفني السليم الذي يؤهلنا ويمكننا من التخلّص من كل فيروس سموميّ فنساعد غيرنا من الأمم سواء كانت من الاصدقاء او الاخصام أو المنافسين او الاعداء على الخلاص من كل ويل، والتحرر من كل فكر بغيض بإيجاد العالم الانساني الأفضل والحياة الانسانية الفضلى والقيم الانسانية العامة المُثلى فتكتسب الانسانية المناعة الداخلية والخارجية وتتبدد الفيروسات الروحية والمادية وسائر السموم..
*شاعر قومي مدير عصبة الأدب العربي المهجري في البرازيل، كتبت في 25 آذار 2020.