بيتك وطنك… والكلّ مسؤول
} علي بدر الدين
يتبدّد التفاؤل بإمكانية خروج لبنان من أزماته ومشكلاته التي تتراكم وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم من دون وجود ما يؤشر الى انبلاج الضوء قريباً علّ وعسى ان يكون الآتي من الزمن أفضل حالاً، ويبدو أنّ واقع لبنان أسوأ بكثير مما هو متوقع أو يراه البعض الذي لا يزال يراهن على أوهام وأضغاث أحلام أو على جرعات أمل غير مستوفية الشروط وقد انتهى مفعول صلاحيتها للاستعمال بحكم تقادم الزمن الذي لم يفعل فعله ولم ينطبق على الطبقة السياسية الحاكمة، ورغم ذلك فإنها لا تزال متربّعة على عرش هذه السلطة وقابضة على ثروات الدولة ومؤسّساتها وحتى على أرواح اللبنانيين وأموالهم وغير مبالية لما سبّبته لهم من معاناة وفقر وأمراض ولا زالت قادره بفائض التسلط والنفوذ والاستبداد على فعل كلّ شيء، فهي التي تشكل الحكومات وتتدخل بالقضاء وتغطي وتحمي المرتكبين وتعيين الموظفين من أصغر فئة الى أكبرها وتحشو الوزارات والإدارات والمؤسسات والمصالح بالمتعاقدين وتحديداً مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية النيابية والبلدية.
هذه الطبقة تأخذ دائماً ولا تعطي أبداً وتختفي بسحر ساحر عند الاستحقاقات الوطنية والاجتماعية والمعيشية وعند حاجة المواطن إليها الذي أوصلته بأدائها السياسي المنحاز دائماً لمصالحها وحصصها عند توزيع المغانم وإرث الدولة وحقوق المواطنيين والمثال على ذلك أين هي اليوم من المحنة القاسية التي تحاصر اللبنانين وسلامتهم ومعيشتهم؟
وماذا قدمت أو فعلت هذه الطبقة للشعب اللبناني في محنته الكورونية الصعبة والخطيرة غير النصائح والدعوات الى الحجر المنزلي وإقفال الأبواب والنوافذ على أنفسهم من دون تأمين مقوّمات العيش بحدّه الأدنى، ولا ننكر أنها أطلقت سيلاً من الوعود التي اعتاد عليها هذا الشعب من دون طائل، وهو الذي يعاني أساسا من فسادها وإفقاره وتجويعه وقد زاده الحجر الصحي المنزلي الملزم والضروري فقراً وجوعاً وحرماناً وبات بأمسّ الحاجة الى الدعم والمؤازرة والعون، وخاصة انّ معظمه فقد كلّ شيء وهو ليس بحاجة فقط إلى كرتونة غذائية كما قرّرت الحكومة التي ورّطت نفسها وكيف لها ان تحصي العائلات الفقيرة والمحتاجة في كلّ لبنان، وعلى من ستعتمد لإيصال المساعدة الى المستحقين في منازلهم انْ لناحية حمايتها من النفوس الأمّارة او حماية المتطوّعين من فيروس كورونا. نخشى ألا تنجح الحكومة في مسعاها في مساعدة الناس مع إدراكنا انّ نواياها حسنة وجادة ولكن تجارب المساعدات في الماضي لا تشجع على التفاؤل والتوزيع العادل لانّ الخوف لا زال يكمن في وجود من يتجرّأ على مصادرة حق الناس.
وأين هي المسماة بالجمعيات الأهلية والإنسانية والخيرية المحظية والتي تخصّص لها أموال طائلة تفوق موازنة وزارات، لماذا لا تقف في هذه المرحلة الصعبة والخطيرة جداً الى جانب أهلها الفقراء الذين لم يعد لهم حول ولا قوة ولا مقدرة على الصبر والتحمّل وقد يطول الحجر؟ وكيف لهذا الشعب المحبط واليائس والمحجور ان يثق بهذه الطبقة التي لا زالت ممعنة في سياستها من دون رأفة او رحمة او إعادة الاعتبار للناس والتكفير عن كلّ ما سبّبته من معاناة وأوجاع وفقر لهم وها هي اليوم لم تعتبر بما أصاب لبنان من وباء فتاك فرض عليها وعلى الشعب الاختباء خلف جدران مُحكمة، وكان عليها ان تتعظ وتعيد جزءاً مما صادرته من أموال عامة لإنقاذ الوطن والشعب. فهل يجوز لهذه الطبقة الاختلاف على توزيع الحصص في التعيينات المالية والتشكيلات القضائية والتوظيفات هنا وهناك وكأن البلد على خير ما يرام، ولكن العرق دساس ولا يغيّر الله بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
انّ التزام اللبنانيين بإجراءات وزارة الصحة والجهات المعنية وفي مقدمها وأساسها الحجر المنزلي والنظافة وعدم الاستهتار بالخطر الداهم هو الذي سيعجل فكّ الحجر والسيطرة على هذا الوباء الحائج وعدم انتشاره. وعلى الحكومه الا تكتفي بإصدار التقارير اليومية بعدد الإصابات مع انها مطلوبة لإطلاع اللبنانيين على ايّ جديد سلباً او إيجاباً. بل عليها البحث وطلب المساعدة التقنية والتجهيزات من الدول والمؤسسات القادرة مع انّ معظمها غارق في هذا المرض وتداعياته الخطيرة، وعلى الصعيد الداخلي لا بدّ من إخضاع المستشفيات الخاصة استثنائياً لسلطة وزارة الصحة والحكومة لأنّ المستشفيات الحكومية غير مؤهّلة ومهملة تاريخياً وعليها أيضاً بحكم التكافل والتضامن ولإخراج لبنان ومواطنيه من هذا الكابوس الوبائي القاتل ان تفرض على المصارف دعم صندوق الطوارئ الصحي بدلاً من انتظار المتبرّعين الذين صادرت هذه المصارف أموالهم والحكومة تتحضّر لإقرار الكابيتال كونترول الذي سيكون حتماً على حساب المودعين.
على هذه الحكومة ومن خلفها الطبقة السياسية التي أنتجتها… لأنّ الجزء الآخر من السلطة الحاكمة يقف خارج الحكومة متفرّجاً ومراهناً على فشل الحكومة وسقوطها للشماتة وقلب الأدوار، ألا تتلهّى بإصدار قرارات وتشكيل لجان او نبش القبور والملفات لانّ الأهمّ في هذه المرحلة العصيبة هو الخلاص من فيروس كورونا الذي يهدّد اللبنانيين من دون استثناء، ومن بعده لكلّ حادث حديث، ومن الضرورة الوطنية إيلاء الأهمية لقضايا وملفات في غاية الأهمية لا بدّ من فتحها ومقاربتها بشفافية ومسؤولية ولا مكان فيها للمجاملات والاعتبارات والحمايات الطائفية والمذهبية والخطوط الحمر. والرهان سيكون على رئيس الحكومة وهذا هو وعده للبنانيين فهل هو قادر على اختراق منظومة الطبقة السياسية وإنزالها عن صهوة تسلطها وهي باتت عبئاً ثقيلاً لم يعد يقدر اللبنانيون على تحمّله وان باضت لهم ذهباً وأغرقتهم بالوعود والمنّ والسلوى وان أقسمت على الاخلاص لهم وان فعلت سيكون باب فرجها الذي سيقفله الشعب الذي اكتوى بنارها وسيرمي مفتاحه الى الجحيم.
على الرغم من السواد الذي يلفّ المشهد اللبناني فانّ الفرصة لا تزال متاحة لإخراج لبنان من العناية الفائقة اقتصادياً ومالياً ومن السيطرة على حائجة كورونا اذا ما تعاون اللبنانيون والتزموا إجراءات الوقاية المتخذة من منظمة الصحة العالمية والحكومة ووزارة الصحة وحذار من انغماس الحكومة في لعبة المحاصصة في التعيينات المالية والقضائية والإدارية لأنها مرفوضة وليس وقتها وإلهاء الشعب فيها فضلاً عن انها ستشكل خطأ ومقتل للحكومة التي ننتظر منها الإفلات من قبضة المنظومة السياسية الحاكمة التي انتهجت سياسة الفساد والمحاصصة والشعب هو الذي يدفع الثمن.
انّ الأولوية أمام الحكومة اليوم يجب ان تكون وهي كذلك للقضاء على وباء كورونا وأمام الجميع مسؤوليات ليس مقبولاً التخلي عنها مهما كانت العناوين ولأنّ الضرورات تبيح المحظورات ويجب ان نلتزم بما قاله الرئيس نبيه بري بيتك وطنك.