أولى

هل تقود الصين عالم ما بعد كورونا؟

 نايف أحمد القانص _

ما قبل كورونا ليس كما بعدههنا تجسَّدت القيم والمبادئ الإنسانية لتُفصح عن نفسها في مواجهة العقلية الانتهازية الرأسمالية التي لا تعترف إلا بحسابات الربح والخسارة، ولا ترى في الأزمات والكوارث الإنسانية إلا فرصة للسيطرة على السوق وجني الأرباح ورفع بورصة المكاسب العالمية في مواجهة الخصوم ومحطة انطلاق جديدة نحو قمة الهرم وفرصة ذهبية لإزاحة المنافسين وتثبيت القطبية الواحدة لعقود مقبلة.

إنّ الجائحة العالمية «كورونا» التي ظنّت أميركا أنها ستضرب الاقتصاد الصيني فقط، خرجت عن السيطرة لتضرب الاقتصاد العالمي برمّته وتهدّد البشرية بالفناء، وها هو انتشارها يسابق الزمن ويكشف عجز العالم أمام هذا الفيروس المرعب، وقد وحّد البشرية أمام عدوّ شبح لا يميّز بين فقير أو غني، كبير أو صغير، رئيس أو مرؤوس، الجميع مستهدفون.

كانت الصين التي ظهر فيها الوباء أول مَن واجه الرعب وقد تعاملت مع الأزمة بإدارة الدولة المُتمكِّنة والمُتحكِّمة بكلّ مفاصل الدولة وبدقة عالية وإنسانية لم نشهد لها نظيراً عبر التاريخ وقدرات عالية سابقت القدر وتغلبت على الموت، فكانت الدولة الأولى في العالم التي تمكّنت من الانتصار على الفيروس، بل أصبحت عوناً للبلدان المنكوبة، عكس ما كان يريده راعي النظام العالمي وهو النيل من الاقتصاد الصيني والخصوم المنافسين والتخلص من الدول المناهضة للسياسة الأميركية وعلى رأسها إيران ثاني دولة ظهر فيها الوباء.

العالم كله اليوم في مواجهة الصدمة وفي حالة طوارئ عالية عطلت الحركة العالمية بنسبة تزيد عن 80 في المئة. أما الصين فهي بطلة المشهد لأنها اعتبرت أنّ القيم الإنسانية هي الهدف وقد آثرت بورصة القيم الإنسانية على بورصة التنافس الاقتصادي الذي تزامن مع الكارثة الإنسانية، بعد أزمة النفط التي دفعت أميركا عملاءها لافتعالها بهدف ضرب روسيا.

بعد هزيمتها في سورية وقبلها في العراق وفشلها في إسقاط النظام في إيران وعدم تحقيق أهدافها في اليمن من خلال الدور الذي رسمته لأدواتها لتتفرّغ لمعركة شرق آسيا، ها هي واشنطن، كغيرها من الدول التي غزتها وقهرت شعوبها ونهبت ثرواتها، تعيش أزمة حقيقية كشفت ضعفها في مواجهة هذا الوباء، وبدأ جبروتها المرتكز على سياسة الرأسمالية المتجرِّدة من الإنسانية يتهاوى، وقد نكون بعد تجاوز هذه الكارثة الإنسانية على موعد مع تغيير خريطة التحالفات التي نأمل أن تكون متكافئة ذات طابع إنساني قائمة على المصالح المشتركة، بعد أن أصبحت الصين هي القائد الأكثر ثقة وقدرة على قيادة العالم الجديد، عالم ما بعد كورونا لأنها هي التي ستساعد العالم في القضاء على هذا الوباء من دون النظر إلى أية أرباح أو مصالح.

*سفير اليمن في دمشق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى