ثقافة وفنون

هل خاننا الوقت أم خنّاه؟

 

} إيمان شويخ

لطالما تمنينا أن نحصل على ساعة إضافيّة في اليوم لنعيد ترتيب كلّ شيء، أفكارنا، الأشخاص الموجودين في حياتنا، الأوراق، الأولويات، الصور، المعلومات الرقمية، أرقام الهواتف، العادات وأدق التفاصيل..

الحجر الصحي يأتي كفرصة اليوم لغربلة كل شيء، بدءاً من الأمور المحسوسة إلى تلك غير المحسوسة.

في الوهلة الأولى، يبدو الحجر المنزلي غاية في الصعوبة لمن اعتاد أن يخرج من منزله يومياً، للعامل أو حتى العاطل عن العمل، لكن الأهم أن الحصار المفروض اليوم والذي يكبّل جسد المواطن تقابله حرية مطلقة تطلق العنان لتفكيره كي يتصرف كما يشاء دون قيد أو شرط والأسباب تتعلق بالوقت. فلا منبه يوقظك لئلا تتأخر على دوامك إن كنت موظفًا أو على موظفيك إن كنت رب عمل. لا ساعة تدق لتذكيرك بالذهاب إلى النادي الرياضي الذي قد تشعر بثقله وتحمل نفسك رغماً عنك لتذهب رفعا للعتب، لا صديق ينتظرك ليحتسي معك قهوة الصباح أو المساء، لا أولاد بانتظار رحلة إلى مركزالتسوق أو المطعم أو الملعب، لا زوجة تنتظر أن تأخذها في سهرة هادئة دون صخب الأولاد، ولا زوج ينتظرك «للأنثى» ريثما تعودين من موعد مع مصفف الشعر أو خبير التجميل، ولا شيء ينتظر ولكنك تنتظر شيئاً ما ومع ذلك فأنت حر مع الوقت. الوقت لك الآن وبعد قليل وغداً وبعد غد. وربما إلى الأبد، فهل ستتذمر بعد اليوم من ضيق الوقت وتقول لا وقت لدي لأي شيء؟ كم كنت على عداء مع عقارب الساعة، كم ظلمت منبه الصباح، كم تسابقت مع الوقت وأصبت بالإحباط، لأنك لم تنه ما يفترض أن تنهيه، كم طلبت من مدير عملك ساعة تأخير واحدة لتنهي أمراً ما؟ وكم طلبت منه أن تغادر العمل قبل ساعة أو نصف الساعة لأن أموراً مكدسة تحتاج لإنجازها، كم تذرّعت لأمك أنك لا تمتلك الوقت لزيارتها، وكم تركت واجبات منذ أشهر أو ربما سنوات لأن الوقت لا يكفي.

كم حصل وأن تلقيت خبر وفاة أحدهم ولم تتسنّ لك رؤيته منذ وقت طويل لضيق وقت كليكما، وعندما ووري الثرى ذهبت لواجب العزاء بعد أربعين يوماً أو يزيد لضيق وقتك، كم تمنيت أن تنام ربع ساعة إضافية صباحاً، وكم من الشتائم وجهتها لغيرك لأنه ركن سيارته لخمس دقائق فقط لأنك لا تمتلك الوقت. كم مررت بجانب أحدهم وصرفت نظرك عنه لأن لا وقت لديك لتلقي مجرد تحية، وكم مرة أهملت الرسائل التي تصل إليك لئلا تخسر دقائقك الثمينة، وكم مرة جلست لتتناول وجبتك دون النظر إلى الساعة خوفاً من أن تتأخر، وتصرخ قائلاً «لقد تأخّرت».

هل حقاً تأخرت؟ وما هو هذا التأخير الذي جعلك في سباق دائم مع الوقت، لماذا نصبت العداء للوقت دون ذنبه؟ هل خانك ولم تخنه؟ أو طعنك في ظهرك دون علمك وانتباهك؟ هل أخذ منك حقوقك وسعادتك وراحتك؟ هل سرق عائلتك وأحبتك وأصدقاءك؟

هو كائن صامت، يتحرك دون أن يؤذيك ولكنك أنت آذيت الوقت ولم تحترمه وقسوت عليه، ووجّهت له كلمات نابية، ووضعت كل عيوبك فيه، تركته متى تشاء وتوسّلت له متى تشاء أيضاً، لم تكترث لسيرورته الطبيعية، أردته أن يكون مثلك في حلك وترحالك، في غضبك وفرحك، في عملك وفراغك، في كل حالاتك المزاجية. خذ إذن، ها هو ذا الوقت الذي حاربته بكل قوتك، هو لك الآن بكامله دون نقصان، كل الثواني لك، والدقائق، والساعات، والأيام، والأشهر، والفصول وربما السنين.

إذن، فلا تتذرع مجدداً بضيق الوقت، ولا تصور نفسك المظلوم أمامه، وأنه سرق منك الفرح لأنه مضى سريعاً، ها هو يتوقف الآن عن العمل، ويضع نفسه في تصرفك، بحيث لن تعود تفرق بين الأيام والساعات لكثرتها، أنت ثري الوقت اليوم، اشبع منه، اشف غليلك، افعل ما تشاء، فالوقت طويل جداً، وربما يطول أكثر ولا ينتهي، وإذا انتهى لا تنقم مجدداً عليه لأن الزمن يدور، وسيدور عليك مجدداً إن لم تعرف حقه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى