الرئيس بري «حضن» الوطن بجناحَيْه المُقيم والمغترب: حياة المغتربين تساوي عندي الحكومة!
محمد حميّة
كـ”الأب الحنون” يمضي رئيس المجلس النيابي نبيه بري في سياسة “احتواء” الحكومة والدولة واحتضان الوطن بجناحيه المُقيم والمغترب.
فرجل الدولة الأول في لبنان كما يصفه الصديق والحليف والخصم، لم يوفر جهداً إلا وبذله لحماية البلد من الأزمات والحروب والعواصف والكوارث والأوبئة، فكما عمل سابقاً على إخراج الحكومة الحالية من الظلمات الى النور بعد تعثر دام لأكثر من شهر، لم يتوانَ عن لعب دور “العرّاب” و”الراعي” والمواكب لعملها في كل شاردة وواردة. فلطالما شكلت “عين التينة” مقصداً لبعبدا والسرايا الحكومية في الملمات والسراء والضراء، ومرجعية استشارية قبل أي قرار تتخذه مع الحفاظ على مبدأ فصل السلطات لا سيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فالرئيس بري يمثل اليوم كما في الحكومات الماضية ضابط الإيقاع لسياسات الحكومة ومهندس قراراتها المصيرية كملف إعادة هيكلة الدين العام وأزمة “اليوروبوند” ولا ينسى اللبنانيون تصدّيه كرأس حربة للدفاع عن معقل اللبنانيين الأخير لبقائهم على قيد الحياة ألا وهو احتياطات البنك المركزي المورد الوحيد لاستيراد المواد الغذائية الاساسية ومشتقات الطاقة الى جانب ودائعهم المكتنزة في المصارف كدرع حماية لهم من الجوع.
فمن يرصد مواقف وتعاطي رئيس البرلمان مع حكومة الرئيس حسان دياب، يجد أنه كـ”رب البيت” يحمي الحكومة برموش “العيون” من أخصامها في الداخل وأعدائها في الخارج ويمدّ لها يد العون عندما تواجه ضائقة، يستخدم القسوة والتنبيه لتصويب مسارها في بعض القضايا الوطنية الأساسية كما حصل في موضوع “الكابيتال كونترول” وأزمة المغتربين اللبنانيين.
فكما كان عقل “النبيه” يحتوي حقوق اللبنانيين على مساحة الوطن، كان قلب “أبو مصطفى” يجول بين أرجاء بلاد الاغتراب متنقلاً بين أميركا وأوروبا وافريقيا والخليج، حيث فيروس “الكورونا” لا يرحم أحداً وحيث تسقط الأنظمة الصحية وتنهار اقتصادات دول كانت قبل شهر تُصنف في قائمة أعظم دول العالم. فإذا كان حكومات تلك الدول أعلنت عجزها عن إنقاذ مواطنيها فماذا عساه يكون مصير مقيميها اللبنانيون؟ فهل نذكرهم في أزمتنا ونتخلى عنهم في أزمتهم؟
فالرئيس بري لم يلجأ الى التهديد بتعليق مشاركة “الحركة” في الحكومة لولا تردد رئيسها وبعض الوزراء في تحمّل مسؤولية إجلاء اللبنانيين من دول العالم رغم طلب الرئيس بري هذا الأمر شخصياً من دياب في اجتماعهما الأخير بحسب معلومات “البناء”، لكن ضعف الإمكانات الحكومية والاخطار الصحية المحدقة بعودتهم دفع دياب للتريث.
لكن “عين” بري كانت ترى اللبنانيين في الداخل بعين والمغتربين بعين أخرى، فلم تكن صرخة “الرئيس” مناورة أو تهويل أو تحدياً بل كانت موقفاً مبدئياً لن يتراجع عنه وغير قابل للمساومة ومستعد لتعليق مشاركته في الحكومة إن تمادت في إهمال الموضوع ولو أدى ذلك الى تهديد الحكومة، بحسب ما نقل زوار عين التينة لـ”البناء”، فحياة وسلامة المغتربين تعادل أهمية الحكومة بالنسبة الى رئيس حركة أمل ومن خلفه حزب الله. فالحكومة التي تترك مواطنيها المغتربين لمصيرهم على قارعة الطريق لا تملك الحس الوطني. وبحسب ما علمت “البناء” أنه وبعيد رسالة بري للحكومة تكثفت الاتصالات بين المعنيين وتم اتخاذ القرار بإعادة المغتربين والطلاب على أن تدرس الآليات والإجراءات المطلوبة لعودتهم بما يضمن حياتهم ويبعد أي خطر صحي على لبنان. وقد كُلّفت وزارتا الصحة والخارجية بوضع خطة للإجلاء بأسرع وقت ممكن وقد طمأنت الحكومة الرئيس بري والسيد حسن نصرالله بأنها تعمل بجدية على إجلائهم خلال الاسبوع المقبل.
وتنفي مصادر عين التينة أي ربط بين صرخة الرئيس بري لتلبية استغاثة المغتربين في أنحاء العالم وبين ملف التعيينات في الحاكمية. فـ”العين” لا تخلط بين الملفين، فالأول موقف أخلاقي إنساني وطني يتعلق بمصير آلاف اللبنانيين في الخارج الذين بنوا أوطاناً في الخارج لرفد الوطن الأم، فيما الثاني ملف إداري سياسي بحت، فبري بحسب زواره لم يمانع التغيير الشامل في نواب الحاكم لكن على أن تكون سلة واحدة ووفق معايير موحدة الكفاءة والخبرة والنزاهة، أما وأن البعض يريد تمرير “طبخة” محاصصة في “الحاكمية” حينها يدعم بري مبدأ القديم على قدمه او “عالسكين يا بطيخ”، فبري ليس متمسكاً بنائب الحاكم رائد شرف الدين إذا اعتمد مبدأ التغيير الشامل في جميع المراكز.
وأما في موضوع “الكابيتال كونترول” فكان المرام من المشروع الحكومي تنظيم عمليات السحوبات المصرفية وتسهيلات لصغار المودعين، ولما حصل العكس استشعر الرئيس بري “تهريبة” مصرفية على شاكلة تهريبة دفع استحقاقات “اليوروبوند” تؤدي الى تسهيل إحكام المصارف قبضتها على إيداعات المودعين فخاض بري معركة في الحكومة لسحبه من الحكومة الى غير رجعة.
فحركة عين التينة تبدو اليوم مميّزة لجهة الدفاع عن خطوط الدولة الدفاعية، الى حماية المجتمع من الجوع والمرض في آن، فيمضي “سيد عين التينة” وقته يتابع عن كثب أحوال اللبنانيين من الشمال الى الجنوب والبقاع والجبل والعاصمة حتى آخر منزل في القرى والبلدات، فيصدر نداءاته للمواطنين ويعطي توجيهاته اليومية الى قيادة الحركة في المناطق والبلديات لتلبية احتياجات الناس ويواظب على عمله ولقاءاته بالمعنيين بالشؤون المالية والاجتماعية والصحية رغم الظروف الصحية الصعبة، كل ذلك لإنقاذ لبنان في أصعب مرحلة يمرّ بها في تاريخه. فبري حريص على الدولة وعلى مكافحة وباء “كورونا” وعلى السلم الأهلي، فحماية المجتمع يحمي الدولة وحماية الدولة هو حماية للحكومة، كما تُسجل للرئيس بري التفاتته الدائمة نحو الطبقات الشعبية الفقيرة لا سيما برفضه مشروع “الكابيتال كونترول” وهو مشروع محاصرة الرساميل الصغيرة للمودعين في المصارف وذلك بتقنين عملية السحب الى درجات منخفضة جداً وبالعملة اللبنانية وعلى مدى ثلاث سنوات، لذلك طلب بري رفع قبضة المصارف عن أموال اللبنانيين ورفض قوننة وتشريع هذه الممارسات؛ وهو بذلك يحمي الطبقات الوسطى والفقيرة. فبري يدافع عن الدولة والمجتمع وطبقاته الفقيرة والمتوسطة وعن المودعين والمغتربين، لذلك هو رجل كل لبنان بكل فئاته وأحزابه وطوائفه وانقساماته.