الوطن

هل يُمكن الفصل بين المصارف اللبنانيّة والطبقة السياسيّة؟

} د. وفيق إبراهيم

للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً تتلقى المصارف اللبنانية «رشقات قاسية» بدت وكأنها إنذار تدريجيّ، أطلقه باتجاهها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابين متتاليين لم يكوناً متباعدَيْن في الزمن.

هاتان التسديدتان هما إذاً من قياديّ واحد.

لكنه من مستوى تاريخي وازن لا يرمي بالكلام على عواهنه سعياً وراء تحشيد ظرفي او لمجرد تسديد اتهامات تلفزيونيّة كسباً للمشاهدين كحال معظم سياسيي لبنان.

فـ»السيد» قائد قوة إقليمية بقاعدة لبنانية راجحة يعطي لكل مرحلة ما تستحقه من اولويات.

ولأنه يعرف مدى العلاقة بين الدور الإقليمي ولبنان، انطلاقاً من وطنيته وتخصص حزبه في تحرير جنوب لبنان ومجابهة قوات إسرائيلية حاولت العودة الى احتلاله في 2006 ومنظمات إرهابية استوطنت جباله الشرقية وهزمها بالاشتراك مع الجيش اللبناني.

هذا السيد استشعر هذه المرة أن جائحة الكورونا أخطر من كل هؤلاء، لأن مداها يفكك الدولة ويضعضع المجتمع ويفكك كل أنواع العلاقات الداخلية بتنوّعاتها.

فإذا كان ممكناً تنظيم مقاومة لمعالجة احتلال عسكري في مراحل آنفة، فإن سيطرة كورونا على بلد ما تعني تدميره كاملاً ولزمن طويل.

هذه هي الأسباب الأساسية التي أملت على «السيد» البحث عن طاقات إضافية لمواجهة الجائحة المدمرة التي يتوسع انتشارها في لبنان.

لكنه لم يطلق إنذاره، إلا بعد تقديمه كامل طاقات حزبه الضخمة جداً ووضعها في سبيل حماية مناطق بأكملها، وتبين له ان فئات كبيرة قادرة ولا تزال تتمنّع عن رصد قسم من طاقاتها لحماية الوطن، وهي مصارف وسياسيون راكموا رساميل ضخمة من تفاعلاتها الاقتصادية في الداخل اللبناني، بطرق ملتوية في إطار تحالف يحمي طرفيه فقط وبما ان البلاد بحاجة لتبرّعات كبيرة لوقف انتشار الجائحة وهي موجودة بوفرة عند هذا التحالف، فلماذا لا يساهم بجزء بسيط من مغانمه التي استولى عليها من النظام الاقتصادي اللبناني المحمي من حليفه النظام السياسي، وهما يشكلان معاً الطبقة التي تحكم لبنان بطريقة سياسية مباشرة وأخرى مصرفيّة تختبئ في مكاتبها منذ 1992.

إن أهمية كلام «السيد» انه اول كلام بأسلوب إنذار يطلقه قائد كبير مهدداً به حلفاً يدير لبنان منذ ثلاثة عقود مسيطراً على المواقع الكبرى في الحكومة والمجلس النيابي والإدارة العامة وحاكمية مصرف لبنان وإدارات المصارف ومعظم مواقع الفئة الاولى الإدارية في الجيش والقضاء ومجلس الإنماء والإعمار وطيران الشرق الاوسط بشكل لا يبدو وأن هناك موقعاً تقريرياً يخرج عن نفوذ السياسيين وأرباب المصارف.

ضمن هذا الإطار يجب فهم الانتقاد الحاد الذي سدّده امين عام حزب الله للمصرفيين والسياسيين والرأسماليين، لعدم تبرّعهم بمبالغ فيه لمجابهة جائحة العصر.

إلى أين تقود هذه المعطيات؟

«السيد» عليم بمدى الارتباط «البنيوي» بين السياسيين والمصرفيين ويعرف ان اصابة طرف واحد منهما، هي رمي على الطرفين وتسديد على المعادلة التي يشكلانها وهي النظام السياسي اللبناني.

لذلك فإن انتقاده للمجلس الأعلى للمصارف الذي اكتفى بالتبرع بمبلغ ستة ملايين دولار للحكومة في معركة الوباء القاتل، أراد منه التسديد على كامل الطبقة السياسية، وبالتالي على المعادلة الحاكمة منذ 1992 ليحملها اولاً مسؤولية الانهيار الاقتصادي ويرغمها على دفع قسم أساسي من سرقاتها لمنع اندلاع انفجار اجتماعي تحت وطأة الجوع وتوقف الأعمال الخاصة والرسمية، فكورونا كما يبدو طويل الأمد يفرض الحجر المنزلي وتوقف الأعمال.

ما يعني ان ثلث اللبنانيين هم من الجياع بدءاً من منتصف الشهر المقبل، ويلحق بهم ثلث آخر في منتصف أيار.

وهذا من شأنه التأسيس لانفجار اجتماعيّ ضخم لن تنفع معه محاولات منع كورونا من الانتشار لأن الجوع يصبح أكثر فتكاً منه.

بهذه الحالة، يتوجب على المستحوذين على المال العام والخاص أن يدفعوا قسماً من أسلابهم لمعالجة الانفجار الاجتماعي، على ان تتولى الدولة والأحزاب ومنظمات الصحة مسؤولية مكافحة الجائحة القاتلة.

لذلك فإن خطاب السيد أراد تحويل الخطابات الكلامية التي تهاجم عادة الطبقة السياسية الى عملية ايجابية تستفيد جزءاً من مال مسروق على ان يكون في خدمة تهدئة التوترات الاجتماعية، وبذلك يسجل امين عام حزب الله تمايزاً إنما ليس الى حد الفراق مع هذه الطبقة السياسيةالمصرفية الشديدة الفساد.

كما يشرح نظام الأولويات المعتمد لديه في اعطاء الخطر الإسرائيلي وهو في طور الهجوم اولوية في المجابهة، وكذلك فإن الارهاب الذي كاد ينتقل من جرود عرسال لمهاجمة القرى من كل الطوائف والاديان اخذ اولوية اهتمام حزب الله في التصدي له في الشرق وأيضاً في سورية التي كان بوسعه ان يهاجم منها كامل المناطق اللبنانية.

ولأن لبنان يعاني في هذه الايام من هجومين متزامنين هما الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا، فحظي بكامل اهتمام الحزب بإمكاناته الخاصة، وحركة باتجاه تحصيل اكبر قدر ممكن من أموال يحتاج اليه الوطن في معركتيه الوبائية والاقتصادية.

هل ينجح الحزب في مشروعه؟

لديه ما يجعله قادراً على كسر المعاندين من السياسيين والمصرفيين وهي ملفات لها قدرات معلوماتية وتحليلية تكشف كل المستور من فضائح السرقات ويمتلك ايضاً ملفات عن ثروات السياسيين والشركات ولن يتأخر في استعمالها إذا شعر بتلكؤ في موضوع دعم الفقراء اللبنانيين.

فمعركته اليوم هي حرب على الجوع والوباء. وهذا لا يكون بانقلابات عسكرية في ليل بهيم في بلد مليء بالطوائف والنفوذ الخارجي، لذلك فإن اللبنانيين يترقبون الخطاب الثالث لسيد المقاومة الذي يشكل بداية استرداد قسم من المال العام ومباشرة حماية اللبنانيين من الجوع وجائحة العصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى