هل اقتربت عودة المغتربين…؟
} إيمان شويخ
بالمعنى الاصطلاحي كلمة «مغترب» تعني صار غريباً عن وطنه، وبالمعنى التطبيقي في لبنان صارت تعني هرب المواطن من وطنه بعدما تقطعت به السبل وبات صعباً عليه أن يضمن عيشة كريمة له ولأولاده، أما في لغة الأرقام فإنّ الاغتراب يؤمّن للبنان مورداً مالياً سنوياً يتراوح بين 8 و 10 مليار دولار سنوياً أيّ ما نسبته 17 بالمئة من الناتج الوطني.
ولكن في زمن الكورونا صار للمصطلحات معاني أخرى، فكلمة مغترب اليوم تعني شخصاً مهملاً من قبل بعض الأطراف السياسية، وتعني طرفاً غير معترف به من قبل البعض الآخر، كما تعني «أننا لسنا بحاجة لك ولا لخدماتك الآن ولا نريدك أن تأتي وتنقل لنا عدوى ليس بمقدورنا السيطرة عليها»، ايّ أنك غريب عن وطنك طبقاً للمعنى اللغوي لهذه الكلمة.
انقسام الأطراف السياسية بين مؤيد للعودة ومعارض له حسمه رئيس مجلس النواب نبيه بري بقوله »أما وقد بلغ السيل الزبى بالتنكّر لنصفنا الآخر لا بل للقطاع الاغترابي الذي جعلنا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس بالعطاء والفكر وحتى بالعملة الصعبة لذا إذا بقيت الحكومة على موقفها إزاء موضوع المغتربين لما بعد يوم الثلاثاء «أيّ اليوم» فسنعلق تمثيلنا بالحكومة».
وبعد تضارب المواقف في الحكومة حول هذا الموضوع، تحدّدت جلسة وزارية اليوم مخصّصة للمغتربين للبتّ في أوضاعهم، فماذا سيرشح عنها؟ خاصة أنّ بوادر ومواقف بدأت تلوح في الأفق حول تأمين عودة آمنة للمغتربين وفق آلية صحية تضمن إجراء الفحص المخبري المخصص للكشف عن كورونا وتأمين مراكز للحجر الصحي للقادمين لمنع اختلاطهم مع المواطنين وزيادة الطين بلة في بلد غير قادر على تأمين العلاج إلا لنسبة محدودة بأجهزة تنفس يبلغ عددها 850 جهازاً منها 400 جهاز إلى 500 قيد الاستعمال من قبل المرضى، 400 يمكن استخدامها في حالات الضرورة، علماً أنّ عدد الأسرّة في المستشفيات الخاصة والحكومية يبلغ 15 ألفاً يمكن تشغيل 2500 سرير منها فقط.
التمسك بعودة المغتربين إلى لبنان في وقت كهذا لا يعدو كونه هرباً من بلدان تعاني هشاشة في أنظمتها الصحية كالبلدان الأفريقية مثلاً التي لطالما رفد مغتربونا فيها اقتصاد لبنان بمئات ملايين الدولارات وأكثر، فهل تشفع لهم دولاراتهم اليوم؟
يقول أحد أبناء الجالية اللبنانية المقيم في غانا محمد مديحلي – والذي سبق أن تبرّع لمستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي بمبلغ مئة مليون ليرة لبنانية في الأسابيع الماضية – أنّ الحالة الصحية في غانا يُرثى لها من حيث القدرة على إجراء الفحص المخبري أو الحصول على العلاج وجهاز تنفس في حال الإصابة، علماً أنّ السلطات الغانية كانت قد أعلنت حال الطوارئ الصحية في 23 من الشهر الحالي والذي تضمّن إغلاق الحدود البرية والجوية وفرض حظر التجوال. وفيما بدأ المغتربون تعبئة استمارات العودة بالتنسيق مع سفارة لبنان في غانا، يبدو موضوع عودة حوالى عشرة آلاف مقيم دفعة واحدة صعباً من ناحية القدرة الاستيعابية للرحلات وأماكن الحجر عند وصولهم إلى لبنان، لذا فإنّ السفارة تدرس أوضاع المقيمين حسب مديحلي، للنظر في الحالات الحرجة الصحية والمسنين والنساء الحوامل والأطفال.
وهنا يطرح سؤالاً آخر حول التكلفة التي تقع على عاتق هؤلاء للعودة وإمكانية تأمينها خاصة أنّ العديد من هؤلاء توقفت أعمالهم وتجمّدت ودائعهم في لبنان، فهل سيتمّ تحديد الأولويات حسب المستوى الاقتصادي لكلّ منهم، بحيث تسيّر رحلات للأثرياء وينتظر الفقراء من يشفق عليهم ويتحمّل تكاليف عودتهم؟ وحتى لو تكافل أبناء الجالية وقام بعض الخيّرين بتمويل هذه التكاليف – كما يقول رجل الأعمال محمد مديحلي – فهل ستواكب الدولة آلية فحصهم عند العودة وتأمين مراكز الحجر لهم ولذويهم فضلاً عن تأمين احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ودواء بسبب توقفهم القسري عن العمل؟
وبعد تسجيل حالة وفاة واحدة في مقاطعة كوماسي للمغترب اللبناني طارق منقارة البالغ من العمر 61 عاماً وفي ظلّ تسجيل 152 إصابة حتى تاريخ 30-3-2020، يبقى مصير حوالى عشرة آلاف لبناني مقيم في غانا على المحك، وكأنّ غربتهم صارت غربتين: الأولى حين طرقوا أبواب الرزق في وطنهم الأمّ فأبت أن تفتح لهم لغايات في نفس بعض الجشعين، وفي الثانية حين شعروا بأنهم محرومون من العودة إلى بلدهم الذي يصحّ القول فيه «أكلهم لحماً ورماهم عظماً، فماذا يعني أن يذهب اللبناني لتعبئة استمارة تخوّله العودة إلى بلده؟ هل انقطع الحياء لدى من كان السبب في تهجيرهم من بلد لامست فيه نسبة الفقر 55 بالمئة ؟ أيّ أنّ 2،3 مليون لبناني هم من الفقراء، وهم ينقسمون إلى فئتين 25 بالمئة منهم أيّ نحو 200 ألف أسرة تعيش تحت خط الفقر (أيّ أنّ دخلهم لا يكفي للحصول على كميات الغذاء الصحية والسليمة للنمو)، و30 بالمئة منهم أيّ 1،3 مليون لبناني أيّ نحو 260 ألف أسرة تعيش فوق خط الفقر (أي أنّ دخلهم يكفي لتوفير كميات الغذاء الكافي والصحي والسليم ولكنه لا يكفي لتوفير أساسيات الحياة الأخرى من سكن وتعليم وصحة وثياب…)
وإذا كان البعض من السياسيين والشعب يتخوّف من أن تكون عودة المنتشرين في مثل هذا الوقت هي قنبلة موقوتة قد تزيد من حالات الإصابة بفيروس كورونا بشكل ملحوظ، فهل تركوا خطا للرجعة مع هؤلاء؟ أيّ هل يمكن أن يحيا لبنان بجناحه المقيم دون المغترب؟ وبعد أن يلملم لبنان نفسه عند اختفاء الفيروس، هل يمكن أن نتنكر لجميل حوالي 1،3 مليون شخص يقيمون في الاغتراب؟ وهل يمكن أن تتخلى 200 ألف أسرى عن تحويلات من أفرادها الذين يعملون في الخارج؟
قد يكون الفيروس اختباراً لحسن النوايا، وقد تأتي الشدة علينا ونضطر أن نستنجد بهم ويتخلون عنا كما تخلينا عنهم في زمن كورونا، هذا الفيروس قد لا يكون نهاية الأزمات في لبنان، لذا فالأجدى بنا أن نكون أوفياء لئلا يدور علينا الزمن.