النصر في اليمن صبرُ ساعة «حربيّة»
} د. وفيق إبراهيم
مشهد العدوان المستمر منذ ست سنين على اليمن يكشف عن هزيمة كبيرة أصابت المعتديين السعودي والإماراتي وباتا يلعبان في الوقت الضائع وينتظران مدداً إضافياً مجهولاً لم يعد في الحقيقة موجوداً إلا في أذهانهما.
بدأت هذه الحرب بقتال في العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها وسط توقعات لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والقائد السعودي للقوات المهاجمة اللواء التركي، تزعم أن بضعة أسابيع أكثر من كافية لإلحاق هزيمة بانصار الله وحلفائهم في الجيش والمؤتمر الشعبي.
يبدو هنا أن رهان ما يسمّى قوات التحالف العربي الذي يجمع بين السعودية والإمارات بدعم سوداني مصري ـ أردني ومرتزقة من الباكستان، وإسناد بالتخطيط والتدريب والعمليات الجوية من الأميركيين والبريطانيين، لقد بدا الرهان بالفوز، مجرد أغنية مراهقين، لأن المعركة انتقلت من صنعاء الى قلب السعودية ومناطقها الحدودية، وأصابتها في مؤسساتها العسكرية والاقتصادية ـ النفطية المرتبطة بدورها بالنظام الاقتصاديّ الغربي وشبكاته السياسية.
هذا المشهد يشمل أيضاً نجاح الدولة اليمنية في صنعاء بتحرير الجوف ونهم ومأرب ومناطق واسعة في الغرب والوسيط وأعالي صعدة والجنوب. بشكل عكس هزيمة نكراء لحلف السعودية والإمارات.
ولم ينفع الحصار البريطاني ـ الأميركي ـ الإسرائيلي المصري مع الإمكانات السعودية الإماراتية البحرية في السيطرة على الساحل الغربي لليمن في منطقة الجديدة، لقد شنّ هؤلاء عشرات الهجمات على هذه المنطقة لخنق منطقة الشمال المحاصرة وقطع كل إمداد عنها بطوق بري سعودي وآخر من قوات الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي وميليشيات الإصلاح الاخواني وآخرين من كتائب جنوبية وإماراتية وسودانية.
فكانت النتيجة فاشلة لأن صنعاء هي التي تمدّدت لتحرير أهلها من مختلف مناطق اليمن في إطار خطة لتحرير كامل الوطن اليمني من عدن إلى حدود عمان حتى الحدود مع السعودية نزولاً حتى سواحل البحر الأحمر.
هناك جزء أساسي لا يحتاج لتدقيق عميق لإثبات الهزيمة الاستراتيجية للحلف السعودي، فما تبقى من مناطق محتلة في الجنوب والوسط والساحل، تشهد اشتباكات عنيفة بين قوات سعودية تدعم المخلوع عبد ربه منصور هادي وقوات إماراتية تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي.
هذا جزء من مشهد الانهيار، ولاستكماله تجب الإشارة الى المعارك الضارية التي تشنها قوات سعودية على ميليشيات حزب الإصلاح الاخواني المرتبط بتركيا عبر فدرالية الاخوان المسلمين، فيظهر أن تحالف العدوان السعودي الاماراتي ـ التركي المدعوم اميركياً، انقلب على بعضه بعضاً وبدأ يسعى لكسب نفوذ حلفائه. وهذا مظهر كبير من مظاهر الهزيمة او مشارفها، وذلك بعد خمس سنوات على هذا التحالف الذي يدخل عامه السادس وسط مزيد من مظاهر الهزيمة، فيرسل عبر قنوات محايدة، مساعي لوقف إطلاق النار، جانحاً نحو محاولات لإخضاع الساحل الغربي اليمني لسلطة الأمم المتحدة وتقسيم اليمن الى كانتونات. فالسعودية تعتبر أن هزيمتها في اليمن تعني ولادة دولة يمنية قوية لها دور واسع في جزيرة العرب، وهذا يعني المزيد من التراجع في الادوار السعودية الخارجية والداخلية.
ضمن هذه المعادلة تكمن أسباب المراوغات السعودية المدعومة أميركياً…
لكن هناك المزيد من الأسباب الإضافية التي تندرج في إطار ساعة الصبر الاستراتيجية باعتبار أن الدولة اليمنيّة في صنعاء تواصل هجماتها العسكرية في الداخل السعودي بالمسيَّرات والصواريخ، إعلان السقوط السعودي الدرامتيكي هم الأميركيون.
لذلك فإن مستجدّات سعوديّة وإماراتيّة صرفة، من شأنها في هذا العام السادس، أن تدفع آل سعود وزايد إلى البحث عن سبل لحماية عرشيهما والانسحاب من الحرب اليمنية ومجمل أدوارهما المتورطة في سورية والعراق وليبيا والسودان. هذا ليس من باب المبالغة، وإنما من خلال قراءة عوامل عدة تؤكد على هذا النصر المرتقب.
أول هذه الأسباب هو الصمود اليمنيّ الذي تطاول منتقلاً من الدفاع الداخلي الى الهجوم نحو الداخل السعودي.
لجهة العناصر الجديدة، فتتعلق بالانهيار المريع لأسعار النفط من 45 دولاراً الى نحو 23 فقط، في حركة انحدارية يعتقد الخبراء أنها مستمرّة حتى إدراك سعر البرميل نحو خمسة دولارات فقط.
والأسباب هنا معروفة، وهي إغراق السعودية للأسواق بنحو 13 مليون برميل نفط يومياً بزيادة خمسة ملايين برميل عن حصتها في أوبيك، ما استدعى رفعاً للإنتاج الروسي، فانحدرت الأسعار وأصابت أيضاً الإنتاج الأميركي من النفط الصخري الذي يتطلب نحو أربعين دولاراً كلفة إنتاج البرميل الواحد.
لكن ما فاقم من هذا الهبوط، هو جائحة الكورونا التي أدت إلى تراجع الطلب العالمي على النفط نتيجة لتوقف التفاعلات الاقتصادية واقتصار الاستهلاك النفطي على الحدود الدنيا، هذا بالاضافة إلى أن مرحلة ما بعد كورونا هي مرحلة تراجع في العلاقات الاقتصادية وخصوصاً النفطية منها، بسبب انهيار نظام العولمة والليبرالية.
فتصبح السعودية والإمارات ومجمل بلدان النفط محكومة بتراجعات كبيرة في موازناتها، وهناك من يعتقد ان موازنة السعودية التي تعتمد على سبعين في المئة من النفط وخمسة وعشرين في المئة على مواسم الحج والعمرة والسياحة الدينية مهدّدة بالتراجع نحو ستين في المئة دفعة واحدة.
ولن يستطيع آل سعود اللجوء الى مدخراتهم الموضوعة في الغرب وخصوصاً في سندات الخزينة الاميركية، ومواقع رسمية اوروبية، ما يجعلها عاجزة عن تلبية حصص أجنحة آل سعود، وحاجات شعبها، ما ينعكس على الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويفرض على السعودية ومعها الإمارات إلغاء تدخلاتهما على مستوى الدعم لدى التنظيمات الارهابية في سورية والعراق واليمن وليبيا، ومناطق أخرى.
الحرب على اليمن إلى أين؟
لا شك في أنها على مشارف خواتيمها بنصر مؤزّر لأولئك الشجعان الصابرين المؤمنين بأن النصر صبر ساعة، يزيد فيها بواسل اليمن من حركتهم العسكرية لإنقاذ شبه جزيرة العرب من الطغيان الأميركي السعودي.