التقرير الدوري لمراكز الأبحاث والدراسات الأميركية* النظام الرأسمالي الأميركي يعاني من أزمة بنيوية لن تنقذه وصفة ضخّ الأموال
انحسر اهتمام ونشاط مراكز الأبحاث الأميركية بالتساوق مع تراجع وتيرة الملفات الرئيسة في واشنطن، لتنحصر في مسألة انتشار فيروس كورونا.
العنوان الأبرز كان ولا يزال آليات التعامل الرسمي مع الطوارئ وما أسفر عنه من «توافق» قادة الحزبين في مجلسي الكونغرس لاعتماد مبلغ مالي قيمته ألفي مليار دولار (2 تريليون) لصندوق الطواريء يرمي إلى تحفيز العملية الاقتصادية وتقليص معدلات البطالة وخسارة الوظائف إلى أبعد قدر ممكن.
سيستعرض قسم «التحليل» سبل صرف تلك الأموال، التي تعدّ الأضخم في تاريخ الولايات المتحدة للتعامل مع كوارث طبيعية – بشرية، وماهية القوى والمصالح الاقتصادية المستفيدة من أموال تدخل في خانة زيادة منسوب العجز في ميزان المدفوعات العامة.
إيران
استعرضت مؤسسة هاريتاج القصف الصاروخي (الإيراني) على «قاعدة التاجي في وسط العراق.. التي تعرّضت لنحو 30 صاروخ انهمرت عليها في 11 آذار؛ وتكرّر القصف بعد بضعة أيام مما أسفر عن مقتل جنديين أميركيين وجرح آخر بريطاني». وأضافت أنّ البنتاغون تعرّضت لمساءلة قاسية من لجان الكونغرس لعدم توفيرها مظلة حماية دفاعية جوية «وموارد أخرى لحماية جنودنا؛ أسئلة تكرّرت منذ الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة عين الأسد». وأجابت المؤسّسة بدورها بأنّ النقص يعود إلى أنّ «نظم الدفاع الصاروخية الراهنة ليست مصمّمة للاستخدام في قواعد بعيدة؛ بل أنها لم تسجل أيّ تقدّم أبعد مما شهدناه في العراق منذ عام 2004 وإلى 2010».
حرب النفط
أعرب معهد واشنطن عن اعتقاده بأنّ الحرب النفطية الدائرة بين موسكو والرياض لا تزال تلقي بظلالها على البيت الأبيض «لاتخاذ خطوة ما لكن (الرئيس ترامب) لا يرغب تبني الخيارات التي عُرضت عليه» وفي الخلفية التحدي الذي يواجهه بعدم تقديم تنازلات واضحة لموسكو وفي الآن عينه الإبقاء على سعر منخفض للنفط مما سيخدم المستهلكين، وعلى الشق الآخر صعوبة سيطرته على قطاع النفط الصخري الذي أضحت كلفته مرتفعة مقارنة بأسعار «خام غرب تكساس الوسيط» الذي انحدر إلى مستوى 27 دولاراً للبرميل. وأضاف أنّ حرب النفط تمّت في التوقيت عبر الثنائي «محمد بن سلمان وجاريد كوشنر» ومما زاد الأمر تعقيداً «عدم ذكر الملك سلمان أيّ شيء» عن حرب النفط الدائرة في إطلالته المتلفزة الأخيرة، 19 آذار، وتأكيده على أنّ بلاده «تتخذ جميع الإجراءات للتعامل مع فيروس كورونا».
تحققت نبوءة الرئيس ترامب وحلت بلاده على المرتبة الأولى عالمياً في عدد الإصابات بفيروس كورونا، ويمضي بثبات معبّراً عن رعونته ونزقه بالتركيز على مسألتين: حال الاقتصاد وإعادة انتخابه، في علاقة تفاعلية تؤثر على مستقبله وخططه الراهنة، لا سيما أنّ إجراءات الوقاية الصحية المعتمدة والقاصرة راهناً انعكست بصورة فورية على الأداء الاقتصادي برمّته؛ فوضى الإجراءات تنطلق من حالة الشلل العام وليست استثناء.
البيت الأبيض يسعى جاهداً لتجاهل تناقضات مواقفه وتخبّط قراراته في التعامل مع الفيروس منذ اليوم الأول، لا سيما تصريح الرئيس ترامب بعد 48 ساعة من اكتشاف أول إصابة بالفيروس في ولاية واشنطن متفاخراً «نسيطر على الوضع بشكل كامل. (الإصابة) هي لشخص بمفرده أتى من الصين. الأوضاع ستكون على ما يرام».
وزير العمل الأسبق، روبرت رايش، في سياق انتقاده لتخلف الردّ الرسمي على انتشار الوباء أكد أنّ العقلية المتحكمة في القرار السياسي تدلّ على أنّ «الولايات المتحدة أفاقت لتجد نفسها في مواجهة حقيقة بانتفاء القدرة العامة تقريباً على مكافحة الوباء.. كما أنّ انعدام توفر نظام رعاية صحية شاملة أدّى للجوء العامة إلى نظام الرعاية الخاص الذي يعمل وفق آلية الربح لا أكثر».
في خضمّ الفوضى السائدة والناجمة عن تخبّط وعدم دراية ونكران للحقائق العلمية التي تفسّر جائحة كورونا، توصل جناحي السلطة السياسية، قيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى اتفاق يقضي بتخصيص ميزانية عاجلة للطوارئ تنفق وفق آليات وضوابط متفق عليها تعادل نصف الميزانية السنوية العامة للدولة التي تبلغ قيمتها 4,829 تريليون لعام 2021، بضمنها عجز 1 تريليون دولار تقريباً.
أطلق الفريقان على اتفاقهما بصرف ألفي مليار (2 تريليون) دولار عنواناً محبّباً في الاقتصاد الرأسمالي، تحفيز المستهلك على الطلب، بضخّ جزء يسير من المبلغ المرصود في جيوب «المستهلكين»، لمرة واحدة لا تتعدّى بضعة أسابيع.
وعليه، تعهّدت الدولة بزيادة حجم المعروض من الأموال التي لم تأتِ نتيجة عملية طبيعية من إنتاج بضائع وخدمات لا سيما الأغذية والتي سترتفع أسعارها نحو 25% دفعة واحدة. ولذا يحذر الخبراء الاقتصاديون من حالة الركود الاقتصادي المقبلة في ظلّ مناخ عدم اليقين مما تخبّئه الأيام المقبلة.
حصة الأسد في الاتفاق ذهبت لكبريات الشركات والمؤسسات التي ستتلقى دعماً مباشراً قيمته (500) مليار دولار؛ 367 مليار على شكل قروض يتمّ الإعفاء منه للشركات المتوسطة التي لا يتعدّى حجم موظفيها 500 عنصر؛ 250 مليار تصرف للذين فقدوا وظائفهم؛ 100 مليار للمستشفيات ونظم الرعاية الصحية؛ 150 مليار تصرف للولايات المختلفة تعزيزاً لجهودها في مكافحة الفيروس؛ 290 مليار لدعم الأسر التي فقدت دخلها.
كما فوّض الرئيس ترامب وزيري الأمن الداخلي والدفاع لاستدعاء جنود الاحتياط في الجيش والبحرية وسلاح الجو وقوات خفر السواحل للخدمة قد تمتد لسنتين، بأعداد «لا تتجاوز مليون فرد في أي وقت» كجزء من الإعداد لنشر القوات المسلحة بإمرة الرئيس حصراً.
برنامج (حزمة) الطوارئ تضمّن موافقة قادة الحزبين لنصوص تحدّد بعض الآليات التي من شأنها تعزيز الشفافية والمساءلة في الصرف والجهات المستفيدة، قبل توقيع الرئيس ترامب عليه في ساعة متأخرة من يوم الجمعة، 27 آذار.
من أبرز آليات البرنامج كانت إنشاء منصب «مفتش عام» وفريق عمل يعاونه ملحق بوزير الخزانة للإشراف عل عملية الصرف وتقديم تقارير دورية للكونغرس. الرئيس ترامب استثنى من تفعيل القانون البند الخاص بإنشاء المنصب (المادة 4018 من القسم A).
وقال في تغريدة نشرها «.. أنا لا أفهم، وإدارتي لن تتعامل مع (المفتش العام) أو تقديم تقارير للكونغرس دون إشراف رئاسي».
كما تضمّن اتفاق الحزبين استثناء أيّ من مصالح الرئيس ترامب وعائلته التجارية من تلقي دعم مالي، وينطبق الأمر أيضاً على أعضاء الكونغرس ومسؤولين آخرين.
وعليه، فإنّ صرف حصة الأسد في برنامج الطوارئ، 500 مليار دولار، سيشرف عليها وزير الخزانة ستيفن منوشن حصراً دون ضوابط أو شروط معينة. مرة أخرى «أموال الشعب» الضرائبية تموّل الشركات الكبرى دون قيود، أسوة بما فعله سلفه الرئيس أوباما عام 2009 مع كارتيلات المال في وول ستريت.
عضو مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا، كايتي بورتر، انتقدت صيغة الاتفاق وهزالة القيود المفروضة بتجاهلها حماية حقوق الموظفين والعمال الذين يتقدمون بأعداد كبيرة غير مسبوقة لتلقي معونات توفر لهم جزءاً يسيراً من مداخيلهم السابقة. وقالت «ما لم يتضمنه (الاتفاق) عند توفير الأموال التي ستصرف كقروض للشركات اشتراطها الصرف باستمرار موظفيها على رأس أعمالهم – وهي النقطة المركزية في هذا البند بالذات».
وحذرت النائبة بورتر من سوء الاستخدام والمحاباة في عمليات الصرف بقولها إنّ الأموال المرصودة ستكون في عهدة وزير الخزانة الذي لا يخضع للمساءلة حين يقرّر الصرف «.. باستطاعته تقديم 100 مليار دولار لشركة أو مؤسّسة معينة» دون مراجعة أحد أو تقديم سجل مفصل بذلك. كذلك باستطاعته، حسبما أوضحت بورتر، استثناء بعض المؤسسات التي هي بحاجة ماسّة للأموال لدفع رواتب موظفيها.
الأستاذ الجامعي ووزير العمل الأسبق، روبرت رايش، انتقد أقرانه في الحزب الديمقراطي بشدة لرضوخهم لشروط الرئيس ترامب لا سيما أنّ الاتفاق المعقود بين الطرفين «يستثني كبريات الشركات من أيّ قيود ويوفر استثناءات لصغارها» للتوافق مع شرط المحافظة على الموظفين وعدم إلقائهم في سوق البحث عن العمل مرة أخرى.
من بين المؤسسات الكبرى المستفيدة من «المساعدة» الحكومية شركات الأدوية التي تتلقى سنوياً إعفاءات ضريبية بمليارات الدولارات. الخبراء الاقتصاديون يتوقعون ارتفاع كلفة التغطية الصحية للأفراد والعائلات بنسبة 40% العام المقبل، تذهب لمراكمة معدلات أرباحها السنوية. (يومية نيويورك تايمز 28 آذار الجاري).
يشار إلى أنّ حجم الأرباح الصافية لعام 2019 لتلك الشركات بلغت نحو 38 مليار دولار، دون احتساب ما حققته من إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى.
عدد لا بأس به من المسؤولين السابقين في حقل الرعاية الصحية والكفاءات العلمية المختلفة يعربون باستمرار عن خيبة أملهم في سوء إدارة الأزمة من قبل الحكومة الأميركية بكافة مستوياتها؛ لا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار أنّ وزير الصحة الحالي، أليكس آزار (عازار)، تسلم مهام منصبه بعدما استقال من منصبه كرئيس لإحدى كبريات شركات الأدوية Eli Lilly.
رئيس مكتب موظفي نائب الرئيس السابق جو بايدن، رون كلين، توجه بانتقادات لاذعة للحكومة الأميركية قائلاً «طريقة تعامل الولايات المتحدة (مع الفيروس) ستدرس لعدة أجيال مقبلة كنموذج لفشل كارثي.. ما جرى في واشنطن (الرسمية) ما هو سوى فشل ذريع بمعدلات غير مسبوقة».
مع ارتفاع وتيرة الانتقادات في المجتمع الأميركي للثغرات البنيوية تذهب بعض النخب السياسية والفكرية إلى مراجعة دروس التاريخ في «نهوض وسقوط الامبراطوريات». آليات تعامل الدول لمكافحة الأوبئة والحيلولة دون تفشيها تشكل اختباراً حقيقياً لفعالية ونجاعة النظم السياسية والاجتماعية على السواء.
*نشرة دورية تصدر عن وحدة «رصد النخب الفكرية» في مركز الدراسات الأميركية والعربية