«هل يصمد الإنترنت أمام كورونا»
} إيمان شويخ
لطالما تذمّر البعض من المجافاة الاجتماعية التي خلفتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتجلى مظاهرها بوجود العائلة بأكملها جسدياً في البيت الواحد، وغياب عقول أفرادها وكلّ أحاسيسهم بشكل تامّ عن البيت وتمركزها في مكان آخر وهو العالم الافتراضي. لكن ما يصلح اجتماعياً قبل كورونا قد لا يصلح خلال فترة تفشي الوباء والذي يقضي بالتباعد الاجتماعي كوسيلة للبقاء على قيد الحياة والحفاظ على الصحة السليمة: يا لها من مفارقة غيّرتها مدة قصيرة لا تتجاوز بضعة أشهر تبدّلت معها النظرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وكلّ ما يتعلق بشبكة الإنترنت من مواقع اجتماعية محورها الفرد والمجتمع. فهل انتهى زمن العائلة التقليدية والمجتمع التقليدي وصارت العائلة الرقمية والمجتمع الرقمي هما عنوان هذه المرحلة وربما أبعد منها؟
أمام هذا الواقع الجديد من السلوكيات الرقمية القسرية، بدأ القلق والخوف ليس من مخاطر الاستعمال المفرط للانترنت بل على العكس هو الخوف من فقدان الشبكة الذي قد يلغي كلّ مفاعيل التعبئة العامة المفروضة في لبنان ودول العالم التي يتفشى فيها فيروس كورونا: فإذا انقطع الانترنت وتوقف كما توقفت الحياة الواقعية اليوم، وإذا استيقظ المواطن اللبناني على خبر مفاده أنّ فيروساً ما قد قضى على وسائل التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر، انستاغرام، واتساب… وغيرها)، أيّ انهيارات ستسجل في صفوف المواطنين في لبنان والعالم؟ وهل سيبقى المواطن في البيت؟ وكيف سيتصرف؟ مع من سيتحادث؟ وكيف سيعبرّ عن نفسه بصورة أو منشور ما؟ كيف سيشارك غيره قلقه من فيروس كورونا؟ وكيف سيمضي ساعاته الطويلة في التسلية لينسى أو يتناسى هذا الوباء الذي سرق الفرح في ليلة (ما فيها ضو قمر).
إضاءة سريعة على بعض الأرقام المتعلقة باستخدام شبكة الإنترنت اليوم مقارنة مع نفس الوقت من السنة الماضية تشرح توزيع استخدام البيانات وكيفيتها لنرى إلى أين يتجه العالم الافتراضي، وهل سيحلّ مكان العالم الواقعي في المستقبل الذي يعقب اختفاء فيروس كورونا:
بحسب أستاذ المعلوماتية في الجامعة اللبنانية الدكتور غسان مراد يصل عدد المستخدمين لشبكة الإنترنت في العالم اليوم إلى 4 مليارات و518 مليون مستخدماً، وهذا الرقم كان في السنة الماضية من الشهر نفسه قد سجّل 4 مليارات و536 مليون مستخدماً، أيّ أنّ عدد المستخدمين حالياً أقلّ منه من العام 2019، وفي ما يتعلق بعدد المواقع الإلكترونية يوجد حاليا حوالى مليار و760 مليون موقعاً، وكان العدد في 2019 مليار و750 مليون موقعاً، أيّ أنه لا يوجد فرقٌ كبير. وبالنسبة لعدد الرسائل الالكترونية التي يتمّ إرسالها اليوم فهو يبلغ حوالي 159 مليار رسالة بزيادة ما يقارب 10 مليار رسالة عن السنة الماضية من الشهر نفسه، وهذا دليل على ازدياد التعامل بالإيميل أو الرسائل الإلكترونية بسبب زيادة نسبة العمل عن بعد. أما محرك غوغل فيبلغ عدد مستخدميه في العالم حوالي 4 مليارات و350 مليوناً يبحثون عن كلمات تتعلق بالوضع الحالي. وبالرغم من اختلاف المواضيع المبحوث عنها إلا أنّ العدد لم يتغيّر عن السنة الماضية. وبالنسبة لعدد التغريدات أو المنشورات التي تنشر على موقع تويتر فهو يبلغ حوالي 471 مليار، وهو لم يزدد كثيراً عن السنة الماضية. عدد الفيديوات التي تتمّ مشاهدتها يصل إلى 4 مليار و415 مليوناً وهو زاد بنسبة 10 بالمئة عن السنة الماضية وهذا مرتبط بمشاهدة فيديوات تتعلق بوباء كورونا.
ويبلغ عدد مستخدمي موقع فايسبوك حوالي مليارين و463 مليون مستخدماً، بزيادة ما يقارب 250 مليون حساباً عما قبل انتشار كورونا. سكايب أيضاً سجل زيادة مايقارب 35% بحوالي 240 مليون مستخدماً، والسبب يتعلق بازدياد الاجتماعات والمقابلات التي تستخدم هذه الوسيلة.
المبيعات المتعلقة بالأجهزة الذكية ارتفعت خلال فترة انتشار فيروس كورونا في العالم، حيث تمّ بيع 422 ألف حاسوب ومليوني و700 ألف جوال إضافة إلى 260 ألف لوحة ذكية.
نوعية البيانات تغيرت بطبيعة الحال يقول د. مراد طبقاً للأحداث المتعلقة بتسجيل إصابات بالفيروس ووفيات وحالات شفاء إضافة إلى كلّ ما يتعلق بمواضيع كيفية الوقاية والعلاج والأدوية وإجراءات التعبئة العامة وحال الطوارئ الصحية وغيرها من المواضيع الطبية ذات الصلة، كما احتلت مواضيع التغيّرات الاقتصادية حيّزاً هاماً في اهتمامات المستخدمين لا سيما رجال الأعمال والعاملين في القطاعات المالية، ولكن الاهتمام الأبرز يتمحور دائماً حول كلّ ما له علاقة بتطورات الفيروس، كتأثير المناخ على الفيروس وتطوير الفيروس لنفسه لمقاومة البشر وما إلى ذلك.
الأمر الآخر الذي ساهم في ازدياد استهلاك بيانات الإنترنت هو موضوع التعلم عن بعد الذي زادت نسبته بشكل صادم ومفاجئ في وقت لم تتهيّأ له الكثير من الدول حتى لو كانت تمتلك بنية تحتية قوية لشبكة الإنترنت، لأنّ ذلك يعني تهيئة الطلاب والمعلمين نفسياً، وهو أمر يحتاج للكثير من الوقت لكن هذا لا يمنع أن تتمّ الاستفادة من المحاولات المتواضعة اليوم للوصول إلى اعتماد التعليم عن بعد وفقاً لآليات تنسجم مع الزمان والمكان والظروف، وبالتالي لمواجهة أيّ أزمة قد تطرأ في المستقبل وتحتم اللجوء إلى هذا الشكل من التعليم وعدم خسارة الطلاب لأعوام دراسية من حياتهم، علماً أنّ أكثر من مليار طالب يتعلم اليوم عن بعد.
وأمام هذه الأرقام التي تظهر ضغطاً هائلاً على شبكة الإنترنت في لبنان والعالم، يُطرح السؤال حول التهديد بوقف خدمات الانترنت في حال طال أمد الفيروس وبقي لأشهر أو ربما لسنوات. يجيب مراد أنه ليس ثمة سبب لتوقف الانترنت عن العمل، لأنّ كمية الاستخدام نفسها تقريباً انتقلت من المدارس والجامعات وأماكن العمل إلى البيوت وبالتالي فالشبكة في أمان إلى حدّ ما.
وفي لبنان الذي يعاني أصلاً من سوء خدمة الإنترنت رغم الوعود الرنانة بتحسين الشبكة وزيادة السرعة، يقيّم المزاج الشعبي في زمن الكورونا الانترنت ما بين سيّئ وجيّد، وما بين الجيد جداً والممتاز لأصحاب المداخيل المرتفعة والقادرين على شراء خدمة انترنت فائقة الجودة. لا يختلف هذا البلد عن غيره من الدول التي تعاني تفشي الوباء في نوعية البيانات المستخدمة، مع ازدياد حسابات الفايسبوك ليبدو المنصة الأكثر شعبية اليوم، وهنا يجب أن لا نغفل كمية الأخبار المزيفة التي تنقل على هذه المنصة وتثير الرعب والقلق للمواطنين وربما تؤثر في سلوكياتهم بما يتعلق بالوقاية من فيروس كورونا بالرغم من التحذيرات الدائمة لوزارتي الصحة والإعلام حول ضرورة الحصول على المعلومات المتعلقة بالوباء من مصادر الوزارتين وتقرير مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي اليومي، لكن ذلك لا يثني كثيرين عن اختلاق الأخبار المزيّفة ونشرها وتداولها سعياً للحصول على شهرة زائفة تسقط في اللحظة عينها.
وعليه فإنّ أكثر ما يهدّئ من روع المواطن القلِق من اللحظة التي يعلم بها أنه أو أحد من عائلته مصابٌ بفيروس كورونا هو التسلية والبحث عن أيّ قشة يتعلق بها في العالم الافتراضي الذي يأخذه أحياناً كثيرة إلى «لالالاند» كان يؤخذ عليه التمسك بها سابقاً وصار يطلب منه البقاء بها حالياً وعدم مغادرة المنزل إلا عند الضرورة القصوى، فابقَ أيها المواطن في «لالالاندك» إلى أن يجد الفيروس «لالالانده» ويترك أرضنا كما دخل إليها.