التقويم السوريّ يوم تجديد الطبيعة العهد بضمان مقوّمات الحياة
يوسف المسمار*
إن يوم أول نيسان هو بداية العام الجديد، بحسب التقويم السوري الذي نظّمه السوريون القدماء منذ أكثر من 8500 سنة وكان آخر تحديث له منذ 6764 عاماً، وقد سبقته تعديلات عديدة وهو قائم على أساسات ثابتة هي: دورة القمر حول الأرض ويمكن تسميتها بالتقويم القمريّ بحسب دورة القمر، ودورة الأرض حول الشمس ويمكن تسميتها بالتقويم الشمسي بحسب دورة الشمس، ودوران وحركات القمر والأرض والشمس المتناغم المنسجم عبر الأزمنة السحيقة ويمكن تسميته بالاكتشاف السوري العظيم الذي بنى السوريون القدماء الحضاريون التقويم الأساسي السوري الذي تبدأ السنة وفقه في الأول من شهر نيسان وتنتهي في آخر يوم من شهر آذار فتكون بداية السنة السورية مع ولادة الحياة في الطبيعة وعودة الحياة الى نبات الأرض وتفتح الأزهار مُبشّرةً بثمار الحياة وغذاء الإنسان الذي هو عصب الحياة والنمو في دورة تنفسية للأرض والقمر والشمس تشبه تنفس الإنسان الذي يبقيه حيّاً فلا يتركه فريسة لشهيق دون زفير ولا لزفير من غير شهيق بل لعيشٍ لا ينفصل عن الموت ولموتٍ لا تتخلى عنه الحياة كان مصدر الشعاع الذي استخلصه أبناء الحضارة السورية من فوهة الغمر والضباب وسحب الظلام وجعل من سورية مدخلاً لتاريخ الحضارة الإنسانية قال عنه العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده:
“إن الشعاع الأول للشرائع التي يسير عليها البشر ظهر في سوريا، وأخذ يمتد من هناك الى العالم حيث أخذه المفكرون مثالاً نسجوا عليه وأضافوا اليه ما قضت الحال به، ولا يزال ذلك الى عصرنا هذا”.
فأطلق هذ الشعاع الهادي ثورة ثقافية حضارية أسست لصرح عظيم من الحياة المدنية قال عنها كلامأً للتاريخ لا تمحوه الأزمنة مدى الحياة على الأرض في كتابه «نشوء الأمم»:
«ومتى ألقينا نظرة على هذا الصّرح الفخم من الحياة المدنيّة، الّتي تحرز بعد كلّ فترة نصراً جديداً للإنسان على أسرار الطّبيعة، المزيّن بكلّ فن جميل من رسم ونحت ونقش وبناء ودهن وموسيقى الخ، المبطّن بالأخلاق وكلّ ما تعني من شخصيّة الفرد وشخصيّات الأقوام ــ متى نظرنا إلى هذا البناء العقليّ الساميّ الّذي يمثّل لنا المدنيّة الحديثة، أدركنا قيمة الثوّرة السّوريّة، ومعناها الكبير».
لقد استمرّ التقويمان القمري والشمسي ساريان وفاعلان في تفاعل موحد هو التقويم السوري الى أن كانت نكباتنا الكبرى التي حلت مع الغزوات الهمجية على بلادنا وبدأت تظهر التقويمات الأخرى التي اتفقت جميعها تقريباً على إلغاء تقويمنا الموحد الذي كان أساسأ لنظام ترتيب الثواني والدقائق والساعات والليل والنهار والأسابيع والشهور والسنوات والعقود والقرون والأجيال والعصور. واتفقت جميع الغزوات والاجتياحات والعداوات على شعبنا وبلادنا لتعطيل ذاكرته ومحو مآثره من الذاكرة والقضاء على كل ما يمت إلى الذاكرة السورية بصلة.
وهكذا ظهر التقويم العبري منذ 5775 عاماً والتقويم اليولياني أو الجولياني الرومي الذي اعتمده الإمبراطور الروماني جوليانو الذي يعتبر بداية التاريخ بناء روما. وبعده التقويم الغريغوري البابوي الذي اعتمده بابا روما غريغوريوس الثالث وهو ما يسمّى اليوم الميلادي، والتقويم الهجري نسبة الى هجرة النبي محمد من مكة الى المدينة، كما أن هناك تقويمات أخرى لا حاجة لنا الآن بذكرها.
أما هذا اليوم الذي هو أول نيسان، فإنه يمثل بالنسبة للسوريين القدماء قدوم فصل الربيع وبداية إطلالة الخير وتفتح الزهور. فالسنة عند قدامى السوريين كانت تبدأ بليلة الاعتدال الطقسي وهي بداية الربيع الذي تبعث فيه الحياة في الأرض وتبشّر بالخيرات والجمال والانتعاش. وتنتهي السنة السورية بتجدد الانتعاش في الأول من نيسان وبتجدد كل دورة طبيعية حياتية للشمس والأرض والقمر.
ومما يجدر ذكره أن طول الشهر بحسب التقويم السوري القمري كان يقدّر بحوالي 29 يوماً و 12 ساعة و44 دقيقة و3 ثواني يتوسطه اكتمال القمر مرة واحدة شهرياً.
يمكن التمعّن وتحليل أسطورة أو قصة عشتروت وأدونيس أو عشتار وهي ملاك الخصب التي ظهرت من السماء لتردّ أدونيس الى الحياة من جديد وقد نجحت في ذلك.
ولا بدّ هنا من لفت الانتباه الى أن القصة التي يسمونها أو اعتاد الناس على تسميتها “كذبة نيسان” يعود مصدرها الى أنه بعد إلغاء التقويم السوري واعتماد التقويم الجولياني وفرضه بالإكراه على الناس، ومن ثم الغريغوري بقي بعض الناس يعتمدون التقويم السوري القديم فاتُهموا بالأغبياء أو الحمقى أو الكذبة، وسرت منذ ذلك التاريخ قصة “كذبة نيسان”، وما زال الناس حتى يومنا هذا لا يعرفون مصدر هذه القصة. وكان مطلق هذه الإشاعة بابا روما غريغوريوس الثالث.
إن يوم الأول من نيسان هو الشعاع المُبشّر بكرم الطبيعة والخير الذي تضمنه الطبيعة لاستمرار تقديم مقومات الحياة للبشر دون تمييز او تفضيل او تمنين لتستمر الحياة صحيحة سليمة من كل وباء وويل مصدره مَن يعيث في الأرض بين الناس فساداً وشراً وظلماً وعدواناً ودمارا.
فإلى بنات وأبناء الحياة في اول نيسان يوم تجديد الطبيعة عهدها بضمان مقوّمات الحياة لأبناء الحياة بدون ثمن وشروط أجمل التحيات وأفضل الأمنيات وكل يومٍ والأمم الحيّة بخير لتبقى الإنسانية بخير.
وكل عام ودورة نموّ وتطور وارتقاء البشرية بزوبعة حركة الوجود الذاتية الفاعلة بنظامها البديع، ودورانها العاقل الفاعل لتحرير الإنسانية من شهيق فوهة العدم لتبقى وتزداد قوةً ومناعةً تصون ما أحرزه العالم الإنساني حتى الآن من مآثر ثقافية حضارية تنعش الأحياء وتُبشّر بفجرٍ جديد.
لكم محبتي وتحيتي،
تحيا سوريا،
وكل عام وأمتنا بخير لتكون أجيالها بخير.
*البرازيل – كوريتيبا