فقط في شرق المتوسط… (3)
} مصطفى بدوي
الأشجار شاحبة والأنساغ ناشفة والطرقات تسحبنا نحو ليل المعاني.
المقاهي: ملحقات أخرى للرقابة غيّروا الحصير بالكراسي والذباب بالويفي والمذبة بالمكيفات المستوردة فيما عمق المأساة واحد لم يبرح المكان.
الحانات: معسكرات للإبادة:عدس وعسس، جثث جوفاء، تماثيل تراقب المشهد الذي ينزّ بؤساً.. أشباه بشر.. فتيات انتهى بهن القارب السكران الى حيث يؤوب السكارى من سياط الجلد. كل العاهات هنا ملاذها الحانات!
المقبرة: يا للحقيقة العارية من التدبيج !
العطلة: كيف للعطالة الأبديّة أن تسمّي أياماً بعينها عطلاًً؟! أليسوا في نقاهة داخل مارستان واسع سعة الشرق، أسرّته بعضها ثابت وبعضها متحرّك!؟
***
فقط في شرق المتوسط:
الأيام متشابهة، الوجوه متشابهة، الطقوس متشابهة والمفردات متشابهة.. وكل حالة انفلات تجابه بالجلد والسحل والمقصلة المطابقة ثم المطابقة ثم المطابقة!
التشكيل: عيون مطفأة تفتش بالأبيض والاسود عن العتمة!
الموسيقى: عدم.. عدم.. عدم!
العزلة: برد موجع، تهمة معلقة حتى إشعار آخر!
الوثوقية: لباس موحّد يرتديه الجميع !
كرة القدم: أهم عملة في البورصة المسكوكة بامتياز.. انجيل يرتّل أناء الليل وأطراف النهار! والسدنة يقهقهون وهم يقرعون أنخاب القرابين!
الإعلام: طنين.. طنين.. وصديد!
الصحافي: موظف منغوليّ خارج لتوّه من مكتب الصرف…
***
فقط في شرق المتوسط:
الفرصة: قاعة محجوزة لـ(سين) ابن عم (جيم) و(دال) ابن أخت (هاء) وهاء صهر جيم القوية، أو هو على الأصح رسم عقاري يتم تداوله بين شركاء الفصيلة الدموية الواحدة باختصار. أما ما تبقى من مهام وهمية فتوزّع بحسب قدرات كل واحد على الفهلوة أو التزلّف أو التكتّل أو التلوّن أو غير ذلك من معايير الخنوع والغباء.
السياسة: هي فنّ القفز بالزانة دونما حاجة إلى موهبة رياضية ولا كفايات نوعية أو استعراضية.. إذ يكفي أن يستعرض المقبل عليها لائحة رقابه الانتخابية المضمونة يوم التصويت وخزانه الدعائي من الغوغائيين ليصبح من رجالات الصف الأول في المشهد السياسي السوريالي.
خبراء التحليل: أكثر السلاحف بذاءة وأشنع المخلوقات غطرسة ما يحلو لبعض المذيعين حتى لا أقول الإعلاميين أن ينعتهم بـ”خبراء التحليل الاستراتيجي”؟!
هم في الغالب مترجمو جرائد الضفة الأخرى بحرفيّة ركيكة بدءاً من لومند مروراً بالاندبنت وصولاً إلى التايمز ونيويوركها.. هم ديناصورات متفاوتة من حيث قدراتها في المماحكات والتضليل والتبرير والتزوير، لكن همهم المشترك يكمن في محاولة إقناع البسطاء ان ما يلوكونه من بنات افكارهم وملكيتهم الفكرية و”إبداعهم الخصب” فيما رهانهم موجّه من خلال بوليميك البلاطوهات الى ما قد يستتبعها من عقد صفقات سرية أو علنية مع سفارات أو جهات مانحة تطلب خدمة أجندة سياسية ما!
***
فقط في شرق المتوسط:
الحب: وحيد قرن أعمى وقرد مبتور تنخر ساقيه الغرغرينا !
الزواج: مشروع بورجوازي تافه دفتر تحملاته مملوء بالشعارات السخيفة يدفع فاتورتها رجل غبي وساذج بامتياز !
المرأة: حالة اكتئاب وعصاب نازح من صخب الحمام. الفرق الوحيد هو ان هناك صخباً اصطناعياً بين الجاكوزي وصخباً هادراً ينداح من حمام شعبي!
الشاعر: بهلوان يحفظ عن ظهر غباء درس الضرائر الشعرية وبضعة أبيات عرجاء ويحمل قفة مملوءة بالقوافي ويتسكّع في الأسواق والمدن والمنصات!
الناقد: سمسار كلامي يهرف بما لا يعرف ويهرطق بيقينية علمتها اياه أيام دراسته الجامعية الشمطاء !
التكريم: حالة هيجان جماعي غير مبرر إطلاقاً تراود المعتوهين من الكتبة.. فكلّ من سوّلت له عقده الأمّارة بالهذر نشر غسيله النتن في شكل اضمومة سخيفة يكرمه المراؤون والمنجمون بالوهم!
***
تعريفات مقتضبة
النجاح: كركدن موشى بتاج من ورق يتقافز على قرنه طوم وجيري وهما يتراشقان الفرح!
الجدّية: حالة اكتئاب حادة يتفاخر بسخافتها التافهون وهم يعرفون تماماً أنهم بهلوانات مثيرة للغثيان.
الشعراء السفلة: مجرد باعة خردة مندّاة بالرطوبة يتدافعون كلما أبرقت منصة عرجاء أغلبهم شرع يرطن نظماً في عقده الثالث بعد أن غلق على نفسه الأبواب ليتهجّى روايات عبير على أبعد تقدير.
الحرب: رعد يزمجر دوماً على مقربة من ملعب الصغار فيما دولاب الكبار محشو بالعملة الصعبة التي تحصدها شركات الأسلحة والأدوية والأضاليل.
الثقافة: غسيل دماغ تتعرّض له كلما صدقت الاستعارات التي بها نموت!
بائع السجائر بالتقسيط: رجل أعمال نبيل يقوم بترقيع ثقب الأوزون بالتقسيط أيضاً!
الحياة: سرنمة نعيها تماماً ونقبل على التهام أوهامها بشراهة جبان.. لا نصحو منها إلا على صوت عزرائيل وهو يقبض أرواحنا المغفلة!
الحب: مقبرة مؤجلة مزدانة بالحنان والحفيف والهسيس والقبل.
الحلم: نيزك ساهر في سرير النائمين وهو أكبر شريك منسي لمن يعتقد أن حبيبته لا عشيق لها تعاشره كل ليلة وبتواطؤ كل الجهات!
العين: أذكى بحيرة انتبهت لعذوبة الأنثى فنطت إلى جسد الإنسان..
الليل: بحر عملاق يغمر الأرض كلما رأى أخته الشمس قد هدّها الأعياء.
الأنوثة: طراوة مسروقة من لزوجة الوجود وعذوبة الهواء.
الذكاء: غباء حاد يركب سيارة رباعية الدفع.
القصيدة: شجرة أسطورية جذعها في المجاز وفرعها في سدرة التأويل.
***
احتمالات
محتمل جداً أن تغسل المعنى وتنشره على حبل غسيل تحت أشعة شمس سوداء ليتلوى من فرط العدم!
محتمل جداً أن تطلق ساقيك للحنين لتروّض عبثاً شرايين الندم على الانسحاب من وليمة الذكريات..
محتمل جداً أن تحلم بعشيقة نرويجية لا تفقه ما تقوله الجارات البدينات عن الرقية والتمائم والتخاريف وتكتفي بالتأمل في زرقة السماء وصدرها منتجع ثلج تتراقص عليه الفراشات وتنشق من عينيها إناث البجع!
محتمل جداً أن تجهش بالألم وأنت تغوص في طفولتك البعيدة حيث العفاريت تسكن السواقي غبّ الغسق والهروب من قيلولة الصيف نحو الواحة الفيحاء من اجل الغطس والشيطنة !
محتمل جداً أن تلعن المنصات وانت تبحث عن دهشة العصف والزوبعة فيما الصديد ينزّ من نصوص ناشفة.. فتهرول نحو عزلتك الفارهة لتسبل عينيك على الشعر وهو يناغيك من النافذة!
محتمل جداً أن تحلّق بك الأغنيات على ضفاف (الفولكا) ليعشوشب العطر في (الفودكا) فيتراءى لك ماياكوفسكي وهو يرشقك ببسمته الدافئة!
محتمل جداً أن تستفيق على قارورة الغاز وهي فارغة فتشرب قهوة باردة وأنت تجول بعينيك في لعنتك الطارئة !
*أستاذ جامعي مغربي.