كورونا في سورية.. بين غلاء الأسعار والإجراءات الحكومية الصارمة
} د. حسن مرهج
تطورات متسارعة هندسها فايروس كورونا عبر العالم، إذ لم تعد منطقة جغرافية في العالم بمعزل عن خطورة هذا الفايروس وسرعة انتشاره، ولا شك أنّ هناك جملة من العوامل التي تساعد على انتشاره بالتوازي أيضاً مع عوامل تحدّ من خطورته؛ هنا لسنا بصدد دراسة المتغيّرات البيولوجية او نظريات سياسية تُوجه ضدّ من اكتشف هذا الفايروس وطوّره ونقله، فاليوم هناك همٌّ عالمي جامع لمواجهته وتأطيره، في مقابل جهد عالمي لاكتشاف لقاح مضادّ.
القاصي والداني بات يُدرك أنّ سورية على حدود مشتركة مع ثلاثة بلدان لا تخفي وجود إصابات على أرضها، العراق ولبنان والأردن؛ وأنّ إيران، البلد الأوّل في المنطقة والثالث عالمياً من حيث أعداد الإصابات والوفيات، تجمعه علاقات سياحة دينية كثيفة مع مواقع مختلفة في سورية، من هنا يبدو أنّ سورية ورغم كلّ الإجراءات الوقائية والاستباقية، قد أعلنت عن عدد من الحالات القادمة من الخارج، واتخذت إجراءات لعزلها وتقديم الدعم الكافي لها وفق بروتوكولات طبية، وقد أكدت التصريحات الرسيمة أنه حتى الآن هناك إجراءات غاية في الدقة، لا سيما مع القادمين من الخارج، وهذا يُسجل للدولة السورية قدرتها وبعد سنوات الحرب والحصار، أن تقوم بإجراءات وقائية منعت حتى الآن تفشي الفايروس، رغم الحالات الكثيرة في دول الجوار.
لن نقارب فيروس كورونا وفق نظرة طبية أو سياسية أو حتى بيولوجية، بل سنغوص عميقاً في إجراءات الدولة السورية لمواجهة هذا الفيروس. لكن في هذا المقام لا بدّ من الإضاءة على الشعب السوري في ظلّ إجراءات حكومته ضدّ هذا الفايروس، فجائحة كورونا كانت مناسبة ذهبية للبعض لجهة رفع أسعار الكثير من المواد الغذائية التي تدخل في صلب حياة المواطن السوري.
الشعب السوري بمجمله لا تستهويه فكرة التخزين لمدة طويلة، وبالتالي لا وجود لاستجرار كميات كبيرة من المواد الغذائية والخضروات، خاصة أنّ الوضع المعيشي لغالبية السوريين يدخل ضمن خط الفقر، كما أنّ غالبية هؤلاء المواطنين يعملون بقوتهم اليومي، ومع الإجراءات الحكومية السورية لجهة فرض حظر التجوّل، ومنع التجمعات وتقيّد الحركة بين المحافظات السورية، عمّقت آلام الكثيرين من الشعب السوري، رغم إدراكهم أنّ كلّ هذه الإجراءات هي في صالحهم، ولمنع تفشي الوباء في سورية، فالدولة السورية التي عانت على مدى تسع سنوات من حرب بعناوين ومفردات كثيرة، تمكنت حتى اللحظة من الحدّ من ظهور هذا الوباء على أراضيها، وهنا يمكننا إيجاز بعض الأسباب التي حالت دون ذلك:
أولاً: نظراً لحالة الحرب على سورية، فإنّ الأراضي السورية لا تستقبل الكثير من الوفود الدولية والإقليمية إلا في الأطر الضيقة. وبالتالي هناك حركة محدودة للقادمين من الخارج.
ثانياً: هناك إعداد كبيرة من الشعب السوري خارج بلاده لظروف العمل، وهم يعودن بإجازة محدودة مع بداية فصل الصيف من غالبية الدول، وبالتالي أيضاً هناك حركة محدودة للسوريين في هذه الشهور التي صدف ظهور الوباء بها. في هذا الإطار قد يقول البعض إنّ غالبية السوريين بات مُهجراً داخلياً وخارجياً، وهذه فرضية تُجافي الواقع كثيراً، فغالبية الجغرافية السورية باتت تحت سيطرة الدولة السورية، وهناك أعداد هائلة عادت إلى سورية من لبنان والعراق والأردن خلال الشهور الماضية، كما أنّ التقارير الرسيمة تؤكد أنّ الكثير من السوريين الذين غادروا خلال سنوات الحرب، يعودون ضمن إطار إجازة العمل من الدول التي استقرّوا بها.
ثالثاً: غالبية الفعاليات السورية تُقام في فصل الصيف نظراً لمناخ سورية البارد في الشتاء، كما أنّ غالبية المعارض التي تُقام في سورية وتحمل طابعاً دولياً، تمّت جدولة مهامها وانطلاقها خلال فترة الصيف، وفق مصادر رسيمة سورية.
رابعاً: سورية شأنها شأن الكثير من الدول، اتخذت إجراءات وقرارات مانعة تفشي الفيروس، لا سيما القادمين الى سورية مع اتخاذ أقصى الإجراءات الطبية الوقائية، وبالتالي ساهم هذا الأمر في الحدّ من تفشي الفايروس، مع حجر الإصابات التي يُشك بها، ريثما تتضح الحالة الصحية للشخص المُصاب.
في جانب آخر لا بدّ من الإضاءة عليه، يُعاني المواطن السوري من إجراءات الحصار الاقتصادي ضدّه، ومع استمرار الحرب عليه بات يُعاني أيضاً من ضائقة اقتصادية خانقة، وهذا الأمر لا ينفي مسؤولية الحكومة السورية عن التقصير في بعض تفاصيل هذا الواقع، على الرغم من توجيهات الرئيس السوري بشار الأسد المتعلقة بتحسين معيشة المواطن، والعمل على تقديم خدمات جيدة بل وممتازة في أغلب المجالات، إلا انّ البيروقراطية والفساد هما من أكثر العوامل التي عمّقت أزمات المواطن السوري، حتى بات هذا المواطن بين سندان الحروب عليه وتداعياتها الاقتصادية، ومطرقة الإجراءات الحكومية التي لم تُعدّل حياة الشعب السوري. في هذا الإطار ومنعاً لتصيّد البعض في الماء العكر، نقول إنّ الحكومة السورية ورغم فقدان الكثير من مقوّمات الاقتصاد، إلا الكثير من الخدمات لا تزال تُقدّم على أكمل وجه، ولا زال الدعم الحكومي يُقدّم لقطاعات عديدة، وإلا ما تفسير صمود هذا الشعب رغم سنوات الحرب عليه.
في المقابل، لا يمكننا أن نُحمل الحكومة السورية كلّ أزمات الشعب السوري، فهي تعمل كما ذكرنا، وفق الإمكانيات المتاحة ومساعدة أصدقائها من الروس والايرانيين في ظلّ حصار اقتصدي دولي خانق، لكن لا بدّ من قول الحقيقة، أنّ الشعب السوري ورغم مروره بكوارث اقتصادية وسياسية وعسكرية، إلا أنه لا زال صامداً إلى جانب قيادته السياسية والعسكرية، ولكن هذا الأمر يجب أن يتمّ تعزيزه بمقومات الصمود، والعناية الفائقة بأوضاع الشعب السوري، وتقديم المزيد من الدعم الغذائي والمادي له.
أزمات كثيرة تعصف بالشعب السوري جراء الحرب من جهة، والآن بسبب كورونا، فغلاء الأسعار في سورية قارب مستويات قياسية رغم توفر الكثير من المواد الغذائية محلياً، ويتمّ تصنيعها أيضاً محلياً، ولا حاجة لاستيرادها فهي إنتاج محلي، فما السبب لارتفاع اسعارها؟
السوريون يُطلقون مصطلح دواعش الداخل في توصيف هؤلاء الفاسدين الذين يستغلون الأزمات، في ظلّ انشغال حكومي كامل لمواجهة كورونا، لكن أيضاً على الحكومة السورية أن توسّع مروحة مساعدتها للشعب، والضرب بيدٍ من حديد على ممارسات تُجار الأزمة السورية، الذين يستغلون كلّ مناسبة لزيادة أرباحهم على حساب المواطن الفقير الذي أنهكته الحرب، خاصة أنّ الرئيس الأسد لديه توجيهات واضحة في هذا الأمر، فلماذا التقصير هو سؤال غالبية المواطنين السوريين؟
الإجراءات الحكومية السورية لمواجهة هذا المرض كانت ناجعة في الحدّ من انتشاره، ووزارة الصحة السورية إتخذت إجراءات صارمة لمواجهة هذا الفيروس، ومثله باقي وزارات الدولة، لكن لا بدّ من العناية بالشعب السوري الصامد، الذي صمد في وجه الإرهاب وقدّم الغالي والنفيس في سبيل بقاء سورية واحدة موحدة، ولا يُمكن السماح لبعض التجار السوريين أن يقوموا باستغلال الوقائع المستجدة، حيال رفع أسعار غالبية المواد الغذائية والخضروات، ولا بدّ من وضع النقاط على الحروف والقول صراحة، إنّ هناك تقصيراً حكومياً واضحاً في مواجهة غلاء الأسعار، حتى بات لسان حال المواطن السوري يقول، إنه خلال سنوات الحرب والإرهاب في سورية، لم تصل تطوّرات الأوضاع إلى هذا الحدّ من غلاء وتفشي الفساد الذي بات بنظر المواطن السوري، أخطر وأفتك من فيروس كورونا.
في ذات السياق، فإنّ الحكومة السورية اتخذت اجراءات هامة في ظلّ منع التجوّل بين المحافظات، وإجراءات الحظر، وخصّصت وسائل نقل للعسكريين وأفراد الجيش السوري، لإيصالهم إلى نقاط تمركزهم والاستمرار في محاربة الإرهاب، وعليه، يمكن القول بأنّ الشعب السوري بكلّ فئاته، يُدرك حجم التحدي القادم، ولا بدّ من التعاون لمواجهة هذا الوباء، وما بين الإجراءات الحكومية الصارمة، وبين حال المواطن السوري لجهة غلاء الأسعار، وتدني مستوى المعيشة بشكل عام، وإجراءات الحظر، يجب الاهتمام أكثر بغالبية السوريين، خاصة أنّ معظمهم فقد بيته ومكان عمله ووظيفته جراء الإرهاب، وبات يعمل بشكل يومي لتأمين قوت يومه، ودفع مستحقاته الشهرية، واليوم توقفت الأعمال في سورية جراء إجراءات مواجهة كورونا، وبات المواطن السوري بين نارين، تأمين قوت يومه من جهة، والخوف من تفشي فيروس كورونا من جهة أخرى. ولا بدّ من اليد الحكومية التي تواجه الإرهاب وتداعياته، أن تقوم أيضاً بمدّ يد العون للمواطن السوري.