هل «كورونا» سياسي؟
} فاديا مطر
بعدما جالت الجائحة الفيروسية «كورونا» دولاً كثيرة اشتهر بعضها في التقدّم العلمي والطبي، وعلى اعتبار تلك الدول من البلدان ذات الأبحاث الطبية المتقدمة فقد وقعت ضحية الإنتشار الكثيف لذلك الفيروس، إلا أنّ بعض أكثر الدول تقدّماً في مجال الأبحاث الطبية والعلمية كانت من في ترتيبها العالمي المركز الأول لسيطرة ذلك الفيروس القاتل والممتدّ، في مقابل عملها لتجنيده في خدمة مصالحها الجيوسياسية أكثر من تجنيد مقدراتها لدرء خطر انتشار المرض رغم دعوة كبراء قياداتها السياسية والأمنية لتكثيف الجهود في محاصرة ذلك الفيروس، فالولايات المتحدة الأميركية التي أضحت أول دولة يجتاحها كورونا بسرعة تزايد الإصابات والوفيات تعتمد في سياستها الدولية مقامرة استخدامه في محاصرة الدول المناوئة لها وتصعيد حبل العقوبات على إيران وفنزويلا وكوبا وغيرها من دول الحصار الأميركي وصولاً لتجنيد تلك الجائحة في صراعها العسكري في سورية والعراق ومحاصرة إيران في شكل جديد من الصراع الذي أعلن عنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في ٢٩ آذار الفائت بأنّ الولايات المتحدة الأميركية انتقلت من حربها التخريبية والإرهابية والإقتصادية والاغتيالات إلى الإرهاب الطبّي تجاه الإيرانيين، وهو كلام يدلّ على عمق مدى الأزمة التي تعانيها ولايات بلغت في عددها ١٧ ولاية بالإضافة إلى إقليمين في داخل أميركا تعاني من تفشي الفيروس ونقص الإمدادات الطبية والبشرية التي تحدّثت عنها وكالة «رويترز» في ٢٩ آذار الفائت.
هذا… ولم يقف عملاء واشنطن في المنطقة بموقف المتفرّج على الحرب في اليمن، بل كانوا من المشاركين في زيادة الضغط والحصار والإستهدافات للمناطق اليمنية في ظلّ الوضع الإنساني الحالي والذي يفوق كلّ وضع، فسماحة السيد حسن نصرالله تحدّث في ٢٨ آذار الفائت عن الحرب التي ما زالت تديرها السعودية بالتعاون مع واشنطن في اليمن، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى ما يحدث في مسألة تفشي المرض وخروجه خارج الحدود والأقاليم، وهو ما لا يشغل بال السعودية وواشنطن في تطوير شكل الحرب على اليمن، حيث تعمل واشنطن على سياسة عسكرية جديدة في العراق تتضمّن تغيّرات في تمركز قياداتها العسكرية في الداخل العراقي بعد تسليم قاعدة القيارة وقاعدة K1 في كركوك إلى القوات العراقية بعد فضح مخطط يهدف إلى إستهداف قوات المقاومة العراقية من قبل مصادر أميركية مقرّبة، فالتناحر الأميركي مع المرض القاتل لم يُقنع بعد إدارة ترامب بتخفيف الضغوط والعقوبات عن الدول التي تعاني وضعا إنسانيا وطبيا يتزايد بل تحاول زيادة الضغط في حروبها العسكرية في سورية عبر تزويد المجموعات الإرهابية المسلحة في مخيم الركبان بالسلاح عن طريق غطاء المساعدات الإنسانية بالطرق الأممية بحسب ما ذكره مركز التنسيق الروسي السوري المشترك في ٢٨ آذار الماضي لتكون حملة مكافحة كورونا هي الجندي المتقدّم لواشنطن في الوقت الراهن برغم كلّ الظروف، فهل تدعم واشنطن في تعاملها هذا فرضية «المؤامرة» التي بدأت تلوح بوادرها في الأفق الدولي؟ وهل ستكون تابعتها الأوروبية على ذات الخطى بعد كورونا الذي يبتعد عن تشاركية الإتحاد في المَصاب؟
فهي تلك الوضعية التي تكلم السيد نصرالله عنها في حديثه الآخير بأنّ ما يحصل اليوم أكبر بكثير مما يحصل في حرب عالمية وتداعياته قد تضعنا أمام وضع عالمي جديد، فهو حديث لم تنفك تلوح أقلامه العريضة في الأفق الدولي بعد تجاهل كبرى الدول العالمية مسألة تفشي أخطر مرض معاصر لتكون سياستها هي تجنيده في قلب المشهد الإنساني لخدمة مخططاتها الجيوسياسية التي تدير عبرها أبشع حروب البشرية التي يمكن أن تكون في عمق الوضع الحالي مبيداً بشرياً يصل إلى نقطة لا تعود على واشنطن وتابعيها بمزيد من الهدوء في العراق واليمن وغيرها من مناطق النزاع العسكري، لا بل يمكن لما يتحضّر من خطر داخلي إميركي أن يكون فتيل نزاع سياسي جمهوري – ديمقراطي بعد تفشي عجز إدارة ترامب عن إدارة الأزمة الطبية في ولاياتها وإستبدالها في التحضير لعمل عسكري في العراق قد يمتدّ إلى القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في منطقة غرب آسيا والخليج وتفشي العسكرة بحجم يَكبر فيروس كورونا بكثير، فما تحمله السياسة الأميركية قبيل الإنتخابات القادمة يحمل في طياته الكثير من الإستفهامات التي تأخذ شكلا آخر من أشكال المسوؤلية في تفشي الوباء وما يتحضّر في المختبرات البيولوجية الأميركية المنتشرة في الدول المجاورة لروسيا والصين وغيرها ممن لم يُعرف مكانه حتى الآن، وهو بدوره سيكون فرزا عالميا جديدا في حال ثبت السبب وبطُل العجب في ما يشهده العالم من تنوّع أشكال الحروب الإميركية في مناطق كثيرة، خصوصاً بعد تنامي الحرب البيولوجية التي تستعملها كلّ من واشنطن وتل أبيب في صراعاتها الإقليمية والتقارير التي تزوّد العالم بمعلومات عن مدى حرب واشنطن الكيمائية التي لم تتردّد في إستعمالها منذ الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي وقصف هيروشيما وناكازاكي التي ما تزال تشهد أنّ حرب البيولوجيا من ضمن ما تسعى إليه واشنطن في كلّ حرب سياسية وعسكرية، فما يحصل ستشرحه مرحلة ما بعد كورونا السياسي.