الانتماء… الوطن والمواطنة
رامزا محمد صادق*
الوطن هو بقعة الأرض التي يحيا عليها الإنسان تربطه بأهلها قوانين ومفاهيم وأنظمة وقواعد سلوك. فمجموعة القوانين والأنظمة تنظّم علاقات الناس بأوطانهم؛ بالتالي تلك العلاقات تضمن استقرار الوطن وتحدّد درجة انتماء أبنائه وصدق تعبيرهم عن ذلك.
أما بالنسبة إلى الانتماء، فهو حالة شعور الإنسان إلى الانضمام إلى مجموعة تربطه بها علاقة حياتية فلسفية وإيديولوجية. فيجد الفرد ضمن هذه المجموعة أو هذا التنظيم صورة تعبر فلسفته.
بالنسبة لمفهوم الانتماء للوطن هو تلك الحالة بالانضمام للوطن وتكوين علاقة قوية تربطنا به تؤدي إلى أعلى درجات الإخلاص. لذلك فإنّ إعداد المواطن الواعي لانتمائه يتطلّب شروطاً مختلفة ومتنوعة.
من هنا، إنّ تحويل الأجيال الناشئة إلى مواطنين منتمين كامل الانتماء لوطنهم يحتّم بذل جهود مشتركة من الأسرة والمدرسة والجامعة ووكالات التنشئة الاجتماعية والوطن والدولة. في بادئ الأمر على القيّمين على التربية أن يدركوا وأن يكونوا على وعي وعلى يقين كامل وفهم صحيح لطبيعة العلاقة بين الوطن والمواطن. إنّ تحقيق الهدف الرئيسي يكمن في معرفة العلاقة التكاملية التي تربط الوطن والمواطن.
بمعنى آخر على المواطن أن يخلص لوطنه والعمل على تنميته وازدهاره. فالدولة تقوم بتنفيذ متطلّبات مواطنيها من حقوق وخيرات وخدمات. لذلك من الضروري أن يقوم كل فرد بدوره تجاه وطنه وكل مؤسسة بواجباتها تجاه المجتمع، فبذلك تتغذّى العلاقة التكاملية ويتعزّز بالتالي الشعور بالانتماء الحقيقي.
اذن، انّ هذا الإدراك لدى الأسرة والتربويين والمؤسسات ووكالات التنشئة الاجتماعية من شأنه أن يسهّل عملية تربية الأجيال الناشئة تربية مبنية على أسس الإخلاص لإعداد مواطنين منغرسين في تربة الانتماء الوطني.
تعدّ الأسرة البيئة الأولى لتنشئة الطفل والمحيط الذي يتزوّد من خلاله أهمّ أسس التربية ويكتسب أنواع سلوك وتتكوّن شخصيته. تكمن مسؤولية الأسرة في إعداد الجيل الصاعد نفسياً وجسدياً واجتماعياً. يعمل الأهل على زرع حب الانتماء في نفوس أبنائهم ويتمّ ذلك بطرائق ووسائل عدة:
– الحديث المباشر حول مقوّمات الإخلاص للوطن.
– المشاركة مع الأبناء في رسوم تتضمّن أهمّ الإنجازات الوطنية.
– قراءة الكتب والقصص المحفّزة على حب الوطن.
– التعريف بالوطن من الناحية الجغرافية.
– تنسيق زيارات ميدانية للأماكن التاريخية والأثرية.
– التوعية على التاريخ المشرق للوطن.
تعدّ المؤسسة التربوية مسؤولة عن غرس حبّ الوطن في قلوب الطلبة وتنمية ذلك الحبّ والإنتماء. إنّ مهنة المعلم وما تحمله من مسؤوليات ومهارات وأنماط سلوك واتجاهات في التربية على الانتماء يجعلنا نؤكد أنه عامل مؤسس لمفهوم المواطنة الواعية.
يتمّ تعزيز هذا المفهوم من خلال الممارسات والتطبيقات التالية:
– تنمية روح الانتماء من خلال الجانب العملي في جميع المواد التعليمية.
– اعتماد طرائق التدريس الحديثة القائمة على المشاركة في تكوين المعرفة.
– تشجيع الأنشطة من خلال تنمية مشاعر الانتماء.
– إظهار حبّ الوطن والانتماء إليه ليقتدي الطلبة به.
– تشجيع الطلاب على الانخراط في منظمات تابعة للمجتمع الأهلي والمجتمع المدني.
ـ إعداد جيل معتز بوطنه وبمجتمعه ومؤسساته الاجتماعية ومستعدّ للتضحية في سبيل الدفاع عنه.
ونذكر أنه من المهمّ توعية الطلاب على نظافة الشوارع في وطنهم والأماكن والمناطق والمرافق العامة من خلال حثّهم على المشاركة في أعمال وحملات تطوعية هدفها حماية البيئة.
كما أنّ تعليم الطلبة على الالتزام بالقوانين والأنظمة السائدة والانضباط والقيم الأخلاقية يعتبر من أهمّ السبل التي تؤدي إلى إنشاء مواطن واعي الانتماء. أظهرت بعض الدراسات أنّ الطالب الذي يغشّ في الامتحانات دون أن يعاقب على ما ارتكبه تصبح لديه ميول ليخون بلاده في المستقبل.
على التربويين المختصين تعزيز أسلوب الحوار الواعي في حلّ المشكلات التي تقع بينهم، الأمر الذي سينعكس ايجاباً علي حياتهم المجتمعية كمواطنين مختلفين اجتماعياّ وبيئياّ لكنهم متشابهون وطنياّ.
أما من ناحية المنهج ودوره في تنمية روح الانتماء لدى الطلبة فهو يفتقر الى المقومات الأساسية. فهو يتطلّب إعادة صياغة وفق المتطلّبات التالية:
– تحديد أوجه السلبيات والإيجابيات في المقررات الدراسية التي تعزّز الانتماء الوطني.
– التواصل بين الطلاب من جهة والمعلمين من جهة ثانية ليتمكّن الجيل الناشئ من تصوّر المثل الأعلى الذي يتوقون اليه والذي يؤدي إلى تكوين مشاعر الانتماء الوطني.
– تعاون مؤسسات المجتمع المدنيّ مع المؤسسة التعليمية بهدف إحياء روح الانتماء.
لذا علينا إعداد مواطن يحترم ويتقبّل الآخر ايّ عليه احترام تقاليد وعادات وأعراف الآخرين من أبناء الوطن الواحد، ومشاركتهم أحزانهم وأفراحهم. وهنا يبرز دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تعزيز هذا المفهوم. ويصبّ ذلك في اطار تكوين مبدأ الوحدة الوطنية والمشاركة الفعّالة على جميع الأصعدة بين المواطنين. لذلك فإن التربية السليمة تساهم في نشر الثقافة الوطنية بين أبناء الجيل الجديد بغية تحصين هذا الجيل من اهتزاز شعورهم بالانتماء. تتعزّز تلك المساهمة في دور الجمعيات والكشاف والمؤسسات على دمج الأطفال والشباب لأي فئة نشأوا فيها من خلال مشاركتهم في نشاطات مختلفة تخدم الوطن.
خلاصة القول، حين تتكامل مسؤوليات الأسرة مع مسؤوليات المدرسة والمؤسسات الاجتماعية نستطيع بناء دولة متقدّمة وإعداد مواطنين تربطهم بوطنهم علاقة تقوم على الإنتاج والمصداقية والشفافية تؤدي تلقائياً إلى غرس جذور الانتماء للوطن والأرض.
*أخصائية تربوية وناظر التربية والشباب في منفذية صور
في الحزب السوري القومي الاجتماعي