هل اقتربت «الثورة» على المصارف؟ “ضوءٌ أخضر” للمودعين لإقامة الدعاوى..
محمد حميّة
تواصلُ المصارف ممارساتها «الميليشياوية» بحق المودعين لا سيما الصغار منهم، مُمعنين بسياسة تقنين السحوبات المصرفية الى حد الـ 100 دولار شهرياً. فيتعامل هذا القطاع على أنه «دويلة» ضمن الدولة. لا بل دولة مستقلة أقوى من الدولة المعروفة حتى أنه يهيمن على الحكومة القائمة عبر «لوبي» وزاري – مصرفي – مالي يضغط عليها من الداخل بتعطيل قرارات للجم سياسة أصحاب المصارف.
فالفريق الذي يحمي «كارتيل» المصارف لا يقتصر على الحكومة، بل هناك «لوبيات» له مزروعة في كل مفاصل الدولة أهمها البنك المركزي وحاكمه رياض سلامة. و»لوبي» سياسي مكوّن من شخصيات وأحزاب يتصدرها الرئيس سعد الحريري فضلاً عن الحماية الأميركية عبر «الفيتو» الذي تضعه واشنطن على أي قرار ضد الموظفين المحسوبين عليهم داخل مصرف لبنان والذين يؤمنون بدورهم مصالح أصحاب المصارف والشركات اللبنانية الكبرى ومصالح الولايات المتحدة في لبنان.
فهذا «التكتل» المصرفي الذي حقق أرباحاً خيالية بالتكافل والتضامن مع البنك المركزي عبر هندسات مالية جاءت على حساب الدولة والمودعين والمواطنين، عمد الى تشديد التقنين على أموال المودعين الى حد احتجاز قسريّ وبالتالي «سرقة» موصوفة لمليارات الدولارات، فاحتجاز الأموال مقدمة لسرقتها والأمر يحتاج الى تشريع هذا الاحتجاز والسرقة عبر ما عرف بـ»الكابيتال كونترول».
ولم يكتفِ «أهل المصارف» بإذلال المواطنين على شبابيكهم الداخلية والخارجية (الصراف الآلي) منذ 17 تشرين الماضي، حتى استغلوا انتشار وباء كورونا وقرار التعبئة العامة لإقفال مصارفهم متذرعين بحماية موظفيهم، فزادوا في تفاقم الأزمة وفي وجع المواطنين، علماً أنهم وبحسب مصادر مصرفية يستطيعون تقليل عدد الموظفين في مكاتب المصارف الى حد أدنى والاستمرار في خدمة الزبائن عبر «شبابيك» زجاجية عازلة بين الموظفين والزبائن تمنع أي احتكاك واختلاط بينهما، لكنهم آثروا التذرع بهذا الوباء للإقفال وتقنين شديد لسحب الأموال للحفاظ على احتياطاتهم وأموالهم على أمل تهريبها للخارج في أقرب فرصة تسنح لهم ذلك، علماً أن سياسة التقنين العشوائيّة مع المودعين بدأت منذ حوالي العامين وليس في 17 تشرين.
أما المثير للضحك والسخرية، فهو مبادرة المصارف للتبرّع بـ 6 ملايين دولار «ثمن شقة في العاصمة بيروت» وتظهير الأمر على أنها خدمة للبشرية كلقاح أو علاج لفيروس كورونا، وذلك لذرّ الرماد في العيون وخداع فاضح. فالهدف هو التعمية على ممارساتهم وثانياً محاولة لرشوة الحكومة لكي لا تلجأ مجدداً الى القضاء لمقاضاة المصارف للإفراج عن اموال اللبنانيين، إذ بدت الحكومة كالمتوسّل والمتسوّل لهبات المصارف الذي فضحت نفسها… فمن أين جاءت بملايين الدولارات الستة طالما أنها تتذرع بشح عملتها الخضراء لاحتجاز اموال الناس؟ ولماذا لم يُعطَ هذا المبلغ للمودعين مباشرة كحق لهم بدلا من التصدق على الدولة ومودعيها وفقرائها؟
فالمصارف رسبت في الامتحان الوطني خلال وباء كورونا، فأظهرت قسوة وشدة قلّ نظيرهما في دول العالم في التعامل مع الأوطان في محنها، وأكدت بأن أموالها ودولاراتها ومصالحها أهم من الدولة والوطن وكل اللبنانيين، حتى بلغت القسوة بها الى قهر الطلاب اللبنانيين في الخارج حيث أوقفت التحويلات اليهم من عائلاتهم بحجة شح الدولار وبوقف شحنه من الخارج علماً ان نقابة الشحن أكدت ان قطاع الشحن يعمل وهو من المستثنين من قرارات التعبئة العامة!
فإلى متى ستبقى المصارف تتمادى في ابتكار اساليب الكذب والتسويف والمماطلة؟ فأصحاب المصارف لم يتوانوا عن تهريب مليارات الدولار الى حساباتهم في الخارج وقاموا بحيلة التفافية على الدولة بمسألة إعادة جدولة الدين العام بعملية بيع وهمية للسندات لأجانب لرفع حجم حاملي السندات الأجانب الى الثلثين لإسقاط قرار اعادة الهيكلة.
والسؤال الذي يطرحه الخبراء الاقتصاديون: لماذا عمد مصرف لبنان الى خفض الفوائد على الودائع فيما ابقى على نسبة الفوائد على سندات المصارف في مصرف لبنان مرتفعة؟ هذا الامر امتداد لهندسات سلامة المالية لمصلحة المصارف.
ووفق معلومات «البناء» فإن الحريري مارس ضغوطاً هائلة من «حجره الصحي والسياسي» في باريس نيابة عن المصارف ومصرف لبنان بموضوع تعيينات الحاكمية للإبقاء على نائب الحاكم محمد بعاصيري وصولاً الى التهديد باستقالة نواب كتلة المستقبل من المجلس النيابي.
لم تنتهِ «جرائم» المصارف بحق الدولة والمودعين والمواطنين لكن السؤال الى متى سيبقى هذا الوضع قائماً؟ وهل اقتربت «الثورة» على المصارف وأي نوع من الثورة أهي سياسية حكومية قضائية أم شعبية؟
لا تتوقع مصادر مطلعة أي تصعيد شعبي في الأسبوعين المقبلين لوجود مفاوضات شاقة وحاسمة بين حزب الله عبر قنوات رسمية وبين المصارف، متوقعة أن يظهر التحرك الشعبي خلال فترة أسبوعين الى شهر في حال وصلت المفاوضات الى طريق مسدود، ولفتت معلومات «البناء» الى أن «المصارف تعارض بشدة اي حلول على حسابها وتعبر في مجالسها مع المسؤولين الرسميين انها في مأزق كبير وليست مستعدة لتقديم تنازلات من حساباتها»، ما يرجّح سيناريو «الثورة» الشعبية، بحسب المصادر عندما تنحصر الظروف الصحية.
اما الخطة التي يحضّر لها حزب الله فهي ثلاثة محاور: الضغط على القضاء لاتخاذ إجراءات قانونية بحق المصارف، منح المودعين الضوء الأخضر لمقاضاة المصارف عبر رفع مئات الدعاوى على المصارف لتحصيل أموالهم، وهذا الأمر سيدفع النيابات العامة المالية للتحرك وتقع المواجهة الكبرى بين القضاء والمصارف. علماً أن عدداً من المودعين ربحوا دعاويهم واستعادوا أموالهم.
المحور الثالث فهو ضوء أخضر للتحرك الشعبي ضد المصارف، لكن بعد توافر الظروف المناسبة، فالحزب بحسب مصادر مطلعة لن يخاطر بخرق قرار التعبئة العامة وما تحمله من مخاطر صحية، وهذا الخيار سيلجأ اليه الحزب كخيار وحيد إذا عجز القضاء او تقاعس لحسابات سياسية من الضغط على المصارف وبالتالي سيصبح الحزب بحل من أمره. وتذكر المصادر بخطابات السيد حسن نصرالله التي تُخفي حرباً نفسية وإعلامية ضد المصارف وسياسة العصا والجزرة لاستثارة ضمائرها وحسها الوطني والاخلاقي.
وتكشف المصادر أن «قنوات سياسية» رسمية تولت تفسير رسائل السيد نصرالله الأخيرة للمصارف وأبعادها العملية كما أخذتها المصارف على محمل الجد ويدور نقاش واسع بين جمعية المصارف وسلامة للخروج من المأزق. اذ إن كلاً منهما يحمل الآخر مسؤولية اختفاء الاموال التي تصل الى 50 مليار دولار، فالمصارف تقايض ديونها على الدولة بأموال المودعين وتحمل سلامة والدولة مسؤولية استدانته عشرات المليارات منها، وهو أي سلامة، يحمل الطبقة السياسية المسؤولية.
وتضيف مصادر «البناء» انه اذا لم تسارع المصارف الى اتخاذ إجراءات لإعادة اموال الناس وتسهيلات مصرفية، فإن السيد نصرالله قد يبادر في خطابه المقبل الى فضح كيفية جني المصارف أموالها والهندسات المالية ولعبة الفوائد والدولار وتهريب الأموال للخارج وبيع السندات.
ويوضح خبراء اقتصاديون وماليون أن 87 في المئة من صغار المودعين يملكون 13 في المئة من حجم الودائع في المصارف، و13 في المئة من كبار المودعين يملكون 87 في المئة من حجم الودائع. وما يقوم به مصرف لبنان والمصارف لإنقاذ 13 % على حساب الـ87% صغار المودعين؛ فيما المطلوب هو العكس.