الكورونا وعقاب الطبيعة على العبث
– بعيداً عن النقاش حول ما إذا كان فيروس كورونا ثمرة لعبة مخابراتية أفلتت من أيدي صناعها أو كان تطوراً غير محسوب لسياق جيني في تركيبة فيروسات قديمة بطفرة تحدث بين حين وآخر، فقد شكل تفشي هذا الفيروس في زمن انكشاف العالم على بعضه بفعل وفضل ثورة الاتصالات والمعلومات قضية الإنسانية.
– تكشفت حقائق كثيرة كانت مخبأة فظهر العالم عارياً بلا قناع، قوة الدول وعظمتها فضحتها حقائق هشاشة نظامها الصحي، وكشفها ضعف قدراتها الاقتصادية على تحمل أيام من التوقف عن العمل، وتعرفنا على عجزها الثقافي بظهور الاستهتار والتفلت وانعدام حس المسؤولية، بصورة بدت معها نسبة التفشي تتناسب طرداً مع مكانة الدول في سلم التطور النظري الافتراضي الذي سقط بالضربة القاضية. فالدولة الأولى في العالم، ولو بعد حين هي الدولة الأولى في الضعف والهشاشة والعجز. وهذا لن يمر دون تبعات وتداعيات، ستنكشف بعد نهاية المحنة، وتحمل معها تصنيفاً جديداً للقوة ومعياراً جديداً للتطور.
– لا يمكن إغفال حقيقة أن هذا الفيروس وما سبقه من أمراض تنتقل بالعدوى وتشغل بال العالم، تأتي في سياق ضعف الطبيعة والجسم البشري، عن تحمل سرعة التحولات الجارية فيهما ومن حولهما، بفعل التقنيات والتطور الصناعي، ففي قرن واحد رزحت الأرض والبشر، تحت ثقل حضور الكهرباء وشبكاتها، والمفاعلات النووية وإشعاعاتها، والمصانع وانبعاثاتها، واستهلاك النفط المفرط ومعادلات السموم في غازاته، وتكنولوجيا القمار الصناعية والاتصالات وموجاتها الكهرومغناطيسية، وفيها جميعاً لم يكن الحساب الأول لقدرة تحمل الطبيعة وأجسام البشر بل للكلفة والمردود، وها هي الطبيعة تنتقم، والجسم البشري يعلن الإضراب.
– رد الاعتبار لقيمة الإنسان لا تعني الإضراب عن التكنولوجيا فهي حاجة حضارية لتقدم البشر، بل تعني ربط الاستخدام المفرط للتقنيات بضوابط الوقاية والحماية والتشدد في تطبيق معايير تخفيض السموم وتفادي الآثار الجانبية.
– رأس النظام العالميّ كان يتباهى بأنه ألغى اتفاقية المناخ التي تلزم المصانع بضوابط لتخفيض انبعاثاتها التسممية، لأنه يريد تحريك الاقتصاد، وها هو الجواب، فليتوقف كل الاقتصاد عن الحركة، فقد مُنحتم نعمة لم تعرفوا قيمتها ولم تقدروا أهميتها، ولم تتقنوا الحفاظ عليها، فاستحققتم العقاب.
ناصر قنديل