سوق النفط ما بين دعوات سعوديّة وخوف أميركيّ
لم يتخلّ الذهب الأسود عن مكانته في صناعة الأزمات والحروب بين الدول، على الرغم من أن ڤيروس كورونا المستجدّ احتل الأولوية الأولى للكثير من دول العالم، حيث بات الفيروس يشكل نحو 90% من اهتمامات جميع قطاعات هذه الدول.
إلا أن أزمة أسعار النفط بين السعودية وروسيا والتي اشتعلت بعد انقضاء صفقة «أوبك+» وعدم تمديدها بسبب خلافات بين البلدين المذكورين، وطغت هذه الأزمة على الأزمة الصحية بعد أن هبطت بأسعار النفط إلى أدنى مستوياته، بفعل قلة الطلب على الذهب الأسود متأثراً بڤيروس كورونا.
في هذا الصّدد، دعت المملكة العربية السعودية، أمس، إلى «عقد اجتماع عاجل لدول (أوبك +) للتوصل لاتفاق يعيد التوازن إلى سوق النفط».
وبحسب وكالة (واس)، «أشارت السعودية إلى ما بذلته خلال الفترة الماضية من جهود للتوصل إلى اتفاق في مجموعة (أوبك +) لإعادة التوازن في سوق النفط، حيث قامت بحشد التأييد لذلك من 22 دولة من دول (أوبك +) إلا أنه تعذر الوصول إلى اتفاق لعدم الحصول على إجماع».
وتدعو المملكة إلى عقد اجتماع عاجل لدول «أوبك+» ومجموعة من الدول الأخرى، بهدف السعي للوصول إلى اتفاق عادل يعيد التوازن المنشود للأسواق البترولية.
وبحسب الوكالة السعودية، تأتي هذه الدعوة في إطار سعي المملكة الدائم في دعم الاقتصاد العالمي في هذا الظرف الاستثنائي وتقديراً لطلب رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب.
كما تلقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لبحث أوضاع سوق الطاقة في العالم.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، فشلت منظمة «أوبك» في التوصل لاتفاق مع عدد من المنتجين المستقلين، على رأسهم روسيا، حول اتفاق جديد لكبح الإمدادات وضبط الأسعار.
وتسبب ذلك في انهيار أسعار النفط بشكل حاد، حيث نزلت 45 % منذ بداية الشهر الحالي مع تزايد المخاوف من عودة فائض المعروض العالمي وتراجع الطلب.
وكان ترامب قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 31 آذار، واتفقا على أن «أسعار النفط الحالية في سوق النفط ليست في مصلحة البلدين».
وأعقبها تصريحات للرئيس الأميركي قال فيها إن «روسيا والمملكة العربية السعودية ستحلان خلافاتهما بشأن قضية أسعار النفط في الأيام القليلة المقبلة».
وفيما ذهب البعض إلى أن «ما يجري بين موسكو والرياض إنما هو تنسيق من شأنه دفع قطاع النفط في كلا البلدين إلى الافضل، وذلك من خلال تنشيط سوق النفط الصخري»، حسب رؤية رئيس الوزراء القطري الأسبق، حمد بن جاسم آل ثاني.
فيما رأى فيها الأميركي زعزعة لسوق الطاقة العالمي، وتهديد لمصالحه العليا في العالم.
وفي البداية اعتبر ترامب الأزمة خدمة لحملته الانتخابية، لكنه سارع مؤخراً ليعلن عن استعداده للتدخل من أجل إيجاد حل للأزمة يمكن من خلالها إعادة رفع أسعار النفط.
هذا الكرم الأميركي ليس بسبب خوف ترامب على السوق العالمية. أو حزناً على الحليف السعودي. وإنما خوفاً من انهيار شركات النفط الأميركية. وإزالة التهديد لسوق النفط الأميركي. فوفقاً لترامب، لا يريد خسارة شركاته النفطية «العظيمة»، أما شركات أخرى فمن غير المحتمل أن يفكر بها أصلاً.
كما أعلن ترامب عن خيار آخر لم يكشف تفاصيله، لكنه شدد على أنه «لا يريد اللجوء إليه ولا يرغب في دفعه إليه». فماذا يمكن أن يكون هذا الخيار؟!
فيما يبدو أن استعداد ترامب هذا يهدف إلى محاولة تلميع جديدة لصورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي بدأت تتصدّع لدى حلفائه الجمهوريين حتى في البيت الابيض.
هذه البرودة في العلاقة بين الحلفاء تبدو جلية من خلال دعوة بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بإعادة النظر في العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض. بل ذهب بعض الأعضاء إلى أكثر من ذلك بتقديم طلب سحب جميع القوات الأميركية ومنظومات الباتريوت ومنظومات الدفاع الجوي من السعودية في حال لم تقم الرياض بأي خطوة لرفع أسعار النفط.
إنما اتهام بعض الاعضاء الجمهوريون للرياض بالتآمر على بعض الاستثمارات الأميركية طويلة المدى، فهذا ما يهدد بشكل جدي العلاقات السعودية الأميركية.
فيما لا تزال الأزمة بين البلدين في أوجها وبين من يعتبر أن الأزمة تنسيق واتفاق يمكن أن يذهب بسوق النفط العالمي إلى مجالات أوسع، وبين مَن يراها حرب أسعار استعرت وباتت تهدد سوق الطاقة العالمي، ولا بوادر لحلول في الأفق. حتى وإن لجأ ترامب الى خياره السري.. ربما.