العرب في زمن الكورونا غافلون داخل الكهف
} د. وفيق إبراهيم
تكشف جائحة الكورونا مدى ابتعاد العرب عن هذا العصر والتصاقهم بفكر توكّليّ يتبين بعد المعاينة الدقيقة ان علاقته بالدين الفعلي سطحية لا يريد منها، الا فرض الانصياع على الناس لصالح ما يسميه زوراً «ولي الأمر» الى ان يتبين ان هذا «الولي» هو السلطات الحاكمة الفاسدة في الملكيّات والجمهوريّات.
وهذا واضح من خلال تطور الجائحة المميتة، ففيما تتسارع المختبرات الطبية في العالم لإنتاج علاجات ولقاحات مضادة له على مستوى الانتشار والاصابة، لا تتحرك عشرات المختبرات في الدول العربية لفعل أي شيء سوى اطلاق إرشادات إعلامية مقتبسة عن الاعلام الدولي علماً ان كلفة انشاء هذه المختبرات ترقى الى مليارات الدولارات ذهب معظمها الى جيوب الفاسدين وهي غير صالحة حتى لأداء مهام طبية، لأن ظروف تشكيلها استجابت فقط لحاجات الانظمة. إلى التوظيف وانتحال صفات الدول المؤيدة للعلم على مستوى تشكلات والا كيف يصدق المتابعون ان واحداً وعشرين بلداً عربياً ينتشرون في الشرق الاوسط وشمال افريقيا منفصلون عن هذا العصر على مستوى الحضارة والرقي والعلم، لكنهم يشكلون جزءاً منه في الانتساب الزمني الى القرن الحادي والعشرين انما بعقليات من القرون الوسطى وسلطات تعتقد أن البلاد ملك صرف لها بالأرض والنفط والسياسة والناس.
هناك أدلة إضافية تعلن ايضاً بصوت جهوري انه حتى الاقنعة الواقية والبسة الكف ومواد التعقيم كلها مستوردة ولا يوجد بلد عربي منتج لها، بما فيها كحول التطهير وسائل التعقيم.
اما الفضيحة التي تصفع هذا الزمن العربي وتكشف عن عوراته هو تأسيس الدول العربية منظمات مشتركة للتعاون فيما بينها الاولى هي جامعة الدول العربية التي تشكلت منذ خمس وسبعين سنة لأغراض التنسيق بين البلدان العربية وتوحيد جهودها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
هذه الجامعة التي استولى عليها الاميركيون بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 حوّلوها الى ادارة تخضع للنفوذين السعودي والقطري بتعليمات اميركية.
هذه الجامعة لم تبذل أدنى جهد لمجابهة الكورونا فاكتشفت بسياسات التجاهل ودفن الرؤوس الفارغة في الرمال، فيما قامت هذه الجامعة نفسها بطرد سورية من عضويتها فيها، وهي من البلدان التاريخية المؤسسة لهذه الجامعة، لأنها كانت تقاتل إرهاباً دولياً اراد تدمير سورية بدعم سعودي – قطري تركي اميركي وتشكل من القاعدة الوهابية السعودية وحواملها وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين ومنظمات التركمان والايغور وحراس الدين.
فلماذا لا تدعو جامعة الدول العربية الى اجتماع عاجل لوزراء الصحة العرب والمختبرات المعنية بالأوبئة للاشتراك في مجابهة هذه الجائحة الخطيرة التي يقول الخبراء انها على وشك الانتشار في العالم العربي.
ولماذا يبرع أطباء عرب في دول غربية يعملون فيها في مختبرات لمكافحة الكورونا وترفضهم دولهم العربية وتترك مواهبهم لخدمة الخارج؛ وهذا ليس عيباً بأي حال.
هناك ايضاً مجلس التعاون الخليجي وليد سبعينيات القرن الماضي، متشكلاً تحت ضغط الخوف من العراق البعثي في تلك المرحلة وايران الجمهورية الإسلامية في مراحل لاحقة.
لكن المفاجأة أن هذا المجلس وبعد خمسة عقود على تأسيسه بين دول يجمعها نسب قبلي واحد ومدى جغرافي متقارب وإمكانات نفطية هائلة، هذا المجلس عجز عن الاتفاق على قرار واحد ينسف بين أي نوع من الجهود المعروفة كان يجتمع لإصدار بيان ضد العراق او ايران، لكنه لم يلتئم أبداً للاتفاق على مشروع واحد لإنتاج موحد او مشاريع علمية وصحية واقتصادية حتى انه لم يتفق على عملة موحدة، او تقارب بين الجيوش وأجهزة الاستخبارات واي حدود دنيا من التنسيق.
الآن ايضاً في زمن الكورونا لم يتبين لمجلس التعاون الخليجي اي ضرورة للقاء لربما يعتقد ان رعاته الدوليين في الولايات المتحدة الاميركية يعملون بكدّ واصلين الليل بالنهار لاكتشاف اللقاءاحات المناسبة.
وعندما ينتجونها تسارع الدول الخليجية لشرائها بأثمان عالية كما يجري دائماً.
هذه هي العقلية الريعية التي تحكم انظمة عربية تعرف ان انتقال دولها الى نظام إنتاجي يتطلب نشراً علمياً فعلياً يؤدي الى نشر الوعي، وهذا ما تخشاه هذه الانظمة لانها تدرك انه المنطلق الى إسقاط بنى سياسية وتأييد انظمة ديموقراطية على حساب انهيار الفكر القرون أوسطي.
هذا هو الكهف المتخلف الذي تضع فيه انظمة العرب شعوبها وتسجنها بعيداً من التنور والتطور والحداثة. فأين يمكن ايجاد بلد في العالم يرفع انتاجه النفطي بمعدل 40 في المئة دافعاً البلدان الأخرى الى منافسته برفع الإنتاج ما ادى الى انهيار أسعار البرميل من 45 دولاراً الى 23 فقط؟
هذا ما فعلته السعودية منذ اشهر عدة وتبين انه لخدمة مساعي الرئيس الاميركي ترامب في التجديد له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فأراد تقديم مشتقات نفطية رخيصة السعر للطبقات الشعبية الاميركية فتنتخبه كما انه أراد مضايقة الروس بإجبارهم على خفض أسعار نفطهم.
لكن الكورونا فاجأت كل الأطراف واصبح من مصلحة ترامب ان يعاود رفع اسعار البترول في محاولة لكسب شركات النفط الصخري الاميركي التي تؤثر في القرار السياسي العام الاميركي، وهناك محاولات لإرجاء الانتخابات الاميركية على اساس ابقاء ترامب رئيساً لمرحلة جديدة ومن دون انتخابات. فعادت السعودية لخدمته بالموافقة على خفض الانتاج.
بذلك تخسر السعودية في شهرين فقط نحو خمسة مليارات دولار تكفي لتأسيس عشرات المختبرات الصحية للتعامل مع كل انواع الأوبئة وذلك في اطار من التنسيق بين الامكانات الطبية العربية.
بما يدل على ان الانظمة السياسية هي التي تضع العرب في سبات أهل الكهف، وتسجنهم، لكنهم لن يمكثوا طويلاً في هذا الوضع ويتهيأوا لتفجير الكهف على اصحابه من الأنظمة وحماتها الأميركيين.