ملاحظات على اقتراح تأميم المصارف: أصل المشكلة في عدم تطبيق القوانين…
خالد الداعوق _
لفتني في صحيفة “البناء” الغراء على الصفحة الأولى من عدد يوم الثلاثاء الفائت مقال قيّم للدكتور زياد حافظ تطرّق فيه إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في القطاع المصرفي اللبناني، واقترح بعض الأفكار في هذا السياق. وفي اليوم التالي قرأت في المكان نفسه من الصحيفة بياناً للوزير والنائب الأسبق الأستاذ زاهر الخطيب يعلن فيه أنه توافق مع وزراء سابقين وشخصيات على تبنّي ما طرحه الدكتور حافظ في مقاله.
قبل أن أسجل بعض الملاحظات التي أخالف فيها رأي الكاتب الدكتور زياد حافظ ورأي معالي الأستاذ زاهر الخطيب، مع الاحترام الكبير لهما كشخصيتين مرموقتين من بلادي ومشهود لهما بالعلم والأخلاق والنزاهة، أؤكد أنني أتفق تماماً مع التشخيص بأنّ هناك خللاً كبيراً في القطاع المصرفي، الرسمي والخاص، أيّ مصرف لبنان والمصارف الخاصة، وأنّ عملية الإصلاح يجب أن تكون في صدارة الاهتمامات الحكوميّة نظراً إلى أنّ الخلل المذكور أصاب شرائح واسعة جداً من اللبنانيين، وربما لم يستثن منهم أحداً.
أما ما اقترحَه الكاتب بعد عرضه لمحة موجزة غير مكتملة عما آلت إليه الأوضاع المالية والمصرفية، فهو التوجه التأميمي الذي أخالفه فيه كلياً، ليس من منطلق ايديولوجي بل من باب الواقعيّة، حيث تحدّث الكاتب نفسه عن العلة السياسية الكامنة خلف ما حصل في القطاع المصرفي، وقال بوضوح تامّ إنّ الفساد السياسي هو الذي تسبّب بما وصل إليه الوضع المصرفي اليوم، وشدّد على أنّ عملية الإصلاح تتطلّب أولاً “تنظيف الخرّاج قبل تطبيق المراهم والمضادات الحيوية لذلك القطاع”.
هنا بيت القصيد، الخطوة الإصلاحية الأولى هي البدء فوراً بتطبيق القانون، ومحاسبة المخطئين ومعاقبة المجرمين الذين ارتكبوا كلّ هذه الموبقات وأوصلوا بلدنا إلى ما وصلنا إليه. وطالما أننا متفقون أنّ العلة هي في السياسة والسياسيين، إضافة طبعاً إلى وضع اللوم على حاكمية مصرف لبنان وعلى المصارف، فإنّ أي نوع من أنواع التأميم يعني أننا نسلّم القطاع المصرفي للسياسيّين أنفسهم، فهل هذا هو المطلوب؟!
لم يتوسّع الدكتور زياد في الحديث عن الدين العام وكلفة خدمته المتراكمة منذ ثلاثين سنة حتى اليوم، كما لم يذكر أنّ الحكومات هي التي دفعت فوائد عالية جداً جداً في التسعينيات على سندات الخزينة وصلت إلى 45 في المئة في العام 1995، ما رتّب تزايداً كبيراً في أرقام الدين العام وتالياً في أرقام كلفته عاماً بعد عام.
وهنا نعود إلى النقطة نفسها، حيث إنّ السياسيين هم سبب العلة، وهم الذين أفسدوا المصرفيّين وشاركوهم في الفساد، وهم من ركّبوا على الخزينة العامة هذه الأعباء الهائلة التي تنوء اليوم بحملها، وهم الذين استفادوا مع من الأموال التي أتت من خلال الديون عبر تنفيذ مشاريع مختلفة إعمارية وإنمائية في التسعينيات بكِلف باهظة جداً، إضافة إلى أنّ التنفيذ كان سيّئاً كما تبيّن لاحقاً من المشاكل الكثيرة في البنية التحتية خاصة ما حصل من فيضانات وغيرها.
إنّ النظام الاقتصادي التوتاليتاري فشل فشلاً ذريعاً في كلّ أنحاء العالم، وفي العالم الاشتراكي السابق حيث كانت البنوك بإدارة الدولة فشلت هذه التجربة ولم ينمُ الاقتصاد والمالية العامة إلا عندما عادت الأمور إلى القطاع الخاص. ولكن نجاح ذلك في غير دولة في العالم إنما حصل بالترافق مع تطبيق صارم للقوانين، أما عندنا فلا قوانين ولا مَن يلتزمون بها، ولذلك لا يمكن نقل القطاع المصرفي من إدارة مصرفيّين فاسدين إلى إدارة سياسيّين فاسدين. لا نريد تكرار ما حصل مع «بنك إنترا» وغيره من البنوك التي تعثّرت في حينه وكيف تدخّلت السياسة فيها وكيف فشلت. وكذلك لا نغفل الصناديق وما أهدرته من أموال، ومثل الصناديق الكثير من الإدارات والمؤسسات العامة الخاضعة لتدخُّل السياسيين فيها كما يشاؤون.
نحن مع الدكتور حافظ بوجوب مقاصصة المصرفيّين الفاسدين والمخطئين، ولكن تجب مقاصصة السياسيّين الفاسدين أولاً. ما يمكن فعله هو كفّ يد المصرفيّين وإنشاء مجالس إدارة مختلطة من المودعين والمستثمرين تدير المصارف، طبعاً بعد تصفية المصارف التي كانت متعثّرة قبل الهندسات المالية الشهيرة، ودمجها بمصارف أخرى لا تعاني من أوضاع غير سليمة. كما يمكن إقامة شراكات مع مصارف أجنبية… هذا إذا بقي شيء للمشاركة به بعد هذه الأزمة الوبائية…
*أمين عام منبر الوحدة الوطنية.