اعتبرت صحيفة «إيكونوميست» الأميركية أنّ عام 2020 الذي بدا واعداً للمملكة العربية السعودية قد انحرف كثيراً مع انهيار أسعار النفط وانتشار جائحة كورونا المستجد واعتقالات الأمراء وغيرها من الأزمات التي جعلت هذه السنة «سنة ضائعة في السعودية» بسبب ولي عهدها «محمد بن سلمان».
وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير لها «بدأ العام بداية جيدة للسعودية، وبعد توسع بطيء، بدأ القطاع غير النفطي بالنمو، وكان المسؤولون راغبين بجذب الاستثمارات الجديدة».
وأضافت «وبدا وكأن الحرب في اليمن تخفت، وتحرك العالم بعيداً عن جريمة قتل جمال خاشقجي، وتقطيعه في تركيا عام 2018، وبدأت المملكة بالتحضير لاستقبال قمة العشرين في تشرين الثاني المقبل».
ونوّهت الصحيفة إلى أن الأمور في الفترة الأخيرة لم تسر حسب الخطة، فقد بدأ «بن سلمان» في سجن أمراء وموظفي خدمة مدنية بارزين، وبدأت حرب أسعار النفط، بالتزامن مع تفشي جائحة (كوفيد-19).
فالبداية كانت مع سجن «بن سلمان»، الحاكم الفعلي للمملكة، عددًا من الأمراء البارزين وموظفي الخدمة المدنية في آذار، ثم بدأت حرب أسعار نفط مع روسيا، والتي خفّضت سعر برميل النفط إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2003.
ولم يغضب ذلك روسيا وحدها، بل غضبت الإمارات والولايات المتحدة.
وجاء أيضاً (كوفيد-19)، ليجمّد الاقتصاد السعودي، ويتركه يخوض ببحيرة من النفط الذي لا يريد أحد شراءه.
فبعيداً عن كونه مرحلة من الحملة الدبلوماسية الهجومية واجتذاب المستثمرين، فقد يترك عام 2020، المملكة في حفرة اقتصادية ودبلوماسية عميقة، حسب «إيكونوميست».
اعتقال الأمراء
أما عن تفاصيل اعتقال الأمراء، ففي وقت كان خبر اعتقال الأمير «أحمد بن عبدالعزيز»، موضوع الساعة، اعتقلت الشرطة ولي العهد وزير الداخلية السابق «محمد بن نايف»، وعدداً من موظفي الخدمة المدنية.
تزامن ذلك مع اتهام سعوديين مقربين من الديوان الملكي للمعتقلين بالتآمر على ولي العهد، رغم عدم وجود ما يشي بالمؤامرة، خاصة أن بعض «المتآمرين» أُفرِج عنهم.
وتنتهك الإجراءات الصارمة التي اتخذها «بن سلمان» ضد شقيق والده الأصغر «أحمد» وابن عمه «بن نايف» وأمراء آخرين، بمن فيهم «سعود بن نايف» وابنه «عبدالعزيز»، كل مبدأ اتبعه «آل سعود» لمساعدتهم على الحكم والنجاة من الاضطرابات الإقليمية لما يقرب من قرن.
ونظر آخرون للاعتقال على أنه تحذير آخر من «بن سلمان» الذي لا يتسامح مع المعارضة، وفق التقرير.
ولا يتسامح «بن سلمان» مع أي معارضة ولا يتردد في اعتقال أي سعودي، عادي أو من العائلة المالكة، لدفع أجندته للاستيلاء على السلطة.
الحرب النفطية
وعلى صعيد الحرب النفطية مع روسيا، ظهرت شخصية ولي العهد «المتهورة»، أكثر في المفاوضات مع روسيا حول تخفيض مستويات إنتاج النفط، عندما فشل تحالف «أوبك+»، بالتوصل إلى اتفاق، فضلاً عن تجاوز الأمير – على ما قيل – أخيه وزير النفط، وأمر شركة «أرامكو» بزيادة الإنتاج، في ظل قلق «بن سلمان» على مستقبل النفط في عالم يحاول فطم نفسه عن عادة استهلاكه.
ولو استمرّت الأسعار على مستوياتها المتدنية، فقد تضطر السعودية لتعويض نقص بالميزانية قيمته مليارا دولار في الأسبوع.
وخفضت النفقات بنسبة 50 مليار ريال (13.3 مليارات دولار) لتقليل النفقات، وقت أزمة فيروس «كورونا». وصدرت كذلك أوامر للوزارات بالتخطيط لتقليل النفقات، ولكن بشكل أعمق، وقالت شركات تعهدات البناء إن العقود الجديدة توقفت.
وفي العلن، مضى حلفاء السعودية في مجلس التعاون معها، إذ تعهدت شركة النفط الوطنية في الإمارات بزيادة الإنتاج بـ3-4 ملايين برميل في اليوم، لكن المسؤولين الخليجيين عبّروا في أحاديث خاصة عن غضبهم من القرار، لِما سيفتحه من ثغرات في ميزانياتهم.
وحاولت الإمارات، دون نجاح، جمع السعوديين والروس، ولم تنجح الولايات المتحدة أيضاً.
وبعد أقل من سنة على تصريحات الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»، الغاضبة من ارتفاع أسعار النفط، يريد الآن من «الكارتل» رفع الأسعار حتى لا تنهار صناعة النفط الصخري.
كذلك فإنّ مشاريع «رؤية 2030»، المقترنة بصورة التحديث والتطوير التي بشر بها «بن سلمان» وباتت بمثابة هوية شخصية له، وتتوخى أساساً تقليل الاعتماد على النفط في تسيير الاقتصاد السعودي، ستتعرض لأشكال شتى من العرقلة أو التعطيل أو التجميد أو حتى الإلغاء جراء العجوزات الناجمة عن انحدار سعر البرميل.
تداعيات «كورونا»
وعن تداعيات «كورونا» على المملكة، تحركت السعودية بسرعة أكثر من الدول الأخرى لاحتواء الفيروس، وبمنتصف آذار الماضي سجلت 100 إصابة بالفيروس، وقررت وقف الرحلات الدولية، مع تعليق زيارات العمرة إلى مكة، وحجر صحي لآلاف من العائدين في فنادق راقية على حساب الدولة.
لكن التداعيات الاقتصادية ستكون خطيرة؛ لأن جهود التحول من الاقتصاد النفطي تعتمد على الاستهلاك الخاص. فيما أدت الأزمة إلى توقف أكثر من 426 ألف عامل سعودي في قطاع التجزئة عن العمل.
وبدأت المملكة في أيلول الماضي، إصدار تأشيرات سياحية على أمل جذب مئات الآلاف من السياح هذا العام، وهناك قلة ستأتي، وربما توقف الاستثمار.
وأجبر الفيروس السعودية على إلغاء أهم موسم في التقويم السنوي؛ موسم الحج، الذي يبدأ نهاية تموز المقبل.
وأصدرت مؤسسة تدعمها الحكومة قائمة بالسنوات التي تعطّل فيها الحج، بسبب الحرب وهجمات العصابات والأمراض، وتكلفة تعطيل الحج ستكون باهظة، لأن مكة تعد المساهم الأكبر في الناتج القومي العام بعد النفط.
قمة استثنائية
استضافت المملكة نهاية الشهر الماضي، قمة استثنائية شكلاً ومضموناً، ترأسها الملك السعودي «سلمان بن عبدالعزيز»، لبحث جائحة فيروس «كورونا» وتداعياتها.
وشارك في القمة عبر تقنية الفيديو كونفراس، رؤساء وقادة الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والأرجنتين وأستراليا وتركيا والبرازيل والصين وإندونيسيا وفرنسا وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والهند وبريطانيا وإيطاليا واليابان وكندا والمكسيك وروسيا والسعودية ومفوضية الاتحاد الأوروبي.
وخلت القمة التي استضافتها السعودية للمرة الأولى عربياً، من المظاهر التقليدية لسابقاتها، كاللقاءات الثنائية والهمسات الجانبية وتبادل الابتسامات والمصافحات بين القادة، حتى العشاء الفاخر الذي يكون زاخراً بالأطباق التقليدية للدولة المضيفة، وفوق كل ذلك الصورة الجماعية لأعضاء المجموعة.
واستغرق الاجتماع الافتراضي لقادة الدول العشرين حوالي 90 دقيقة فقط، بدلاً من أن يستغرق يوماً كاملاً كالمعتاد.
لكن بالنسبة للمملكة بشكل عام، وولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» بوجه خاص، لم يكن خروج القمة بهذا الشكل هو ما كانت المملكة تأمله عندما تم الإعلان عن استضافتها للقمة في وقت سابق العام الماضي.
ووفق «إيكونوميست»، ربما شاب خروج الأمير من العزلة خلافات أخرى خاصة إن عاد الفيروس هادراً من جديد في الخريف حسبما يتوقع علماء الأوبئة، وعندها لن تعقد القمة في قصر مذهب، بل عبر الكاميرا (زووم).