الإطاحة بتعيينات المحاصصة انتفاضة فعلية أم للخروج من الأزمة
} علي بدر الدين
أخيراً فعلها رئيس الحكومة حسان دياب وأطاح بتعيينات نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف لاعتمادها على المحاصصة الطائفية والمذهبية والسياسية والزعائمية كنهج سارت عليه العهود والحكومات المتعاقبة منذ ٣٠ سنة.
حسناً فعل وقال في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي وفي حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون: «إنّ ما حصل يخالف قناعاتي ومنطلقاتي وتوجهاتي في هذه التعيينات التي لا تشبهنا جميعاً كحكومة تكنوقراط… وأرى ضرورة وضع آلية شفافة لها الطابع القانوني».
انها صرخة جريئة أطلقها الرئيس دياب في مكانها وزمانها الصحيحين لم يسبقه إليها أحد من رؤساء حكومات سبقوه، ولم يتجرّأ أحد من هؤلاء على الخروج عن نصّ المحاصصة متعدّدة العناوين، والهدف مصالح الطبقة السياسية التي من دون عقود حوّلتها إلى عرف تفاهمت على الالتزام به في السرّ والعلن، من فوق الطاولة أو تحتها لا فرق، على أن تكون الحصص «عادلة» وفق الأحجام والأوزان والنفوذ وان تشمل الوظائف من كلّ الفئات والدرجات والمال العام وكلّ مقدّرات الدولة والشعب والمؤسسات على أنواعها، وكذلك تبادل المنافع والسمسرات والصفقات، وبطبيعة الحال فإنّ رئيس الحكومة الذي هو من اختيار ونتاج الطبقة السياسية الحاكمة التي لم تتغيّر منذ اتفاق الطائف سهّل توزيع المغانم والحصص وانْ حصلت بعض الخلافات الشكلية والمصطنعة هي فقط لإلهاء الناس وإعادة تعبئة البيئات الحاضنة ولإعادة شدّ العصب الطائفي والمذهبي لا أكثر ولا أقلّ.
والتجارب في إدارة هذه الطبقة السياسية لشؤون البلاد والعباد أثبتت انه لا يمكن لأحد في المنظومة السياسية التحاصصية الفاسدة الخروج منها أو التخلي عن التزامه بها لأنّ شركاءه بالمرصاد له وبتشليحه كلّ الامتيازات الممنوحة لأنه ممنوع كشف المخبّأ والمستور حتى لا يسقط الجميع كلعبة الدومينو ولأنّ من كان بيته من زجاج لا يرشق بيوت الآخرين بحجر او تهمة او تخوين لأنّ الفضيحة بجلاجل ستطال الجميع وتهدم الهيكل على رؤوسهم وقد آن الأوان.
انّ خطوة رئيس الحكومة المفاجئة للبعض ورفضه لطريقة تركيب التعيينات ربما تكون قد أحدثت صدمة للطبّاخين، وحكماً هو كان على علم بما يحصل وقد انكشفت الأسماء والمواقع وحصة كلّ مسؤول من أمراء السياسة والقادة بمن فيهم من يمثل رئيس الحكومة نفسه، وبقي أمام المحظيّين الموعودين الذين حكماً لم يناموا الليلة الأخيرة التي تسبق انعقاد الجلسة لأنهم متشوّقون لولادة منصب جديد برواتب عالية جداً، غير أنّ حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل وبدلاً من تصاعد الدخان الأبيض كمؤشر إيجابي تصاعد الدخان الأسود الذي بدّد الأحلام وأضاع مؤقتاً على الأقلّ فرصة أمام الموعودين ولم يلغها، والأمثلة كثيرة ومعروفة.
تساؤلات كثيرة وتحليلات مختلفة أعقبت موقف الرئيس دياب الذي أصاب الجميع بصدمات إيجابية وسلبية وفق المصلحة والمنفعة الخاصة لا سيما أنّ حصته مصانة ومحفوظة وكيف تجرّأ على مواجهة طبقة سياسية متمرّسة ولديها فائض قوة ونفوذ ألم يخشى من محاصرته وإسقاطه وحكومته التي هي من نتاجهم. يبدو انّ رهاب الخوف سقط عنده ولا يمكن أن تقوم الدولة ومؤسّساتها وكلّ القطاعات الإنتاجية بدورها في ظلّ استمرار نهج الفساد والمحاصصة، ولا بدّ من الاستفاقة والتغيير والإصلاح ولو بعد حين وخطوة خطوة مع انّ البعض الذي لا يريد لهذه الحكومة ان تنجح ويتمنّى سقوطها اليوم قبل الغد فسّر رفض رئيس الحكومة لتعيينات المحاصصة على أنها فورة كبد مؤقتة الغاية منها إنقاذ حكومته من النيران الصديقة والحليفة لأنها لم تلبّ المطالبة بالحصص لبعض الأفرقاء الذين هدّدوا بالانسحاب منها اذا لم تراع مصالحهم.
يكفي انّ موقف رئيس الحكومة بتطيير التعيينات استحوذ على تصفيق الوزراء وفق معلومات تمّ تداولها بعد الجلسة، وانّ جرأة الرئيس دياب لاتخاذ مثل هذا القرار الصعب نزلت برداً وسلاماً على اللبنانيين وزوّدهم بجرعة تفاؤلية مطلوبة في ظلّ معاناتهم وخوفهم من فيروس كورونا الذي يهدّدهم في أرواحهم وصحتهم ومعيشتهم والخشية لديهم من الضغط الذي ستمارسه الطبقة السياسية على رئيس الحكومة في المستقبل لأنها لا تقبل وما اعتادت في كلّ سنوات حكمها وتحكمها ان يلوي ذراعها أحد او يحول دون ممارسة هواياتها في النهب والفساد والمحاصصة، وهل هو قادر على المواجهة السياسية والصمود مهما كانت الكلفة ومن أهمّها إسقاطه وحكومته خاصة أنه كاد أن يتورّط في محاصصة التعيينات المالية وله فيها من كان سيمثله أو مَن هو من اختياره، هذا صحيح ولم ينفه أحد ولكنه استدرك الخطأ الذي كاد أن يتورّط فيه ويفقد ثقة الناس به وقد صحّحه وتراجع عنه في اللحظة المناسبة، وكما يُقال فإنّ التراجع عن الخطأ فضيلة وهذه تحسب له لا عليه، هذا إذا ما أحسنّا النوايا التي تبقى معلقة بانتظار الآتي من التعيينات والإصلاحات القضايا والملفات والأزمات والمعالجات، فإما نصيب ويكون الرهان على هذه الحكومة ورئيسها أو نخيب ونترك الميدان للطبقة السياسية لتستكمل عملية الهدم والنهب والاستئثار وترك الوطن على قارعة الطريق ينتظر من يساعده ويشفق عليه ويرأف بشعبه المسكين.
لن نستبق ما قد يحصل بعد الخلاص من فيروس كورونا أو نصدر أحكاماً قبل أوانها وماذا يمكن ان تفعله الحكومة، وخاصة موقف رئيسها بشأن تعيينات المحاصصة لأنّ بعده ليس كما قبله، وقد أعاد بعض الأمل بأنّ الآتي سيكون أفضل، ولكن موافقة مجلس الوزراء على إعادة إحياء مشروع سدّ بسري وتكلفته التي تجاوزت الـ ٦٠٠ مليون دولار ومن ايّ جهة كانت ليس في مكانها ولا زمانها والبلد يعاني والشعب على حافة الفقر والجوع والمرض الذي يتربّص به وهذا المشروع ليس من الأولويات ومرفوض جملة وتفصيلاً ويمكن أن يرحّل او يؤجّل إلى زمن آخر. وهل كان تمريره استرضاء لفريق في وقت يجب أن تلغى فيه كلّ جوائز الترضية لأنها ستكون على حساب الشعب وتأخذ من رصيد الحكومة ومصداقيتها… هذا ليس وقته.