العراق بين فكّي الكمّاشة الأميركيّة
د. وفيق إبراهيم
هذا ما يعمل عليه الأميركيون في العراق لكنه ليس قدراً محكماً اذا تمكنت قواه السياسية من الاتفاق على الحد الادنى السياسي العراقي المتعلق بتشكيل حكومة تضع حداً للفراغ السياسي المصنوع أميركياً فتستطيع وضع برنامج يقوم على مجابهة كورونا وتأمين موازنة اقتصادية ومعالجة السيادة العراقية الغائبة بين شدقي محتلين أميركيين وأكراد في كردستان يمارسون سياسات معادية للدولة المركزية ومرتبطة بالأميركيين ووسط يستفيد منه الاستعمار الأميركي عبر النفوذين السعودي والتركي ومنظمات الإرهاب، كما لا يمكن نسيان القوى الشيعية في الجنوب وبغداد المتخاصمة بشكل لا تتفق فيه على أي شيء لانها منجذبة الى مصالحها في التعيينات وإنفاق المال العام بطريقة ملتبسة.
لكن تفتتهم وصراعاتهم البينية تجعلهم ضعفاء غير قادرين على متابعة مشروعهم الأساسي الوطني.
إلا أن هناك من يتنبأ من الآن بأن مصير الكاظمي لن يختلف عن سابقيه الذين فشلوا في تشكيل حكومات، فهل هذا أمر بريء؟
بما يؤكد أن القوة الأميركية هي صاحبة المصلحة في إضعاف السلطة المركزية وعرقلة إنتاجها لقوى تنفيذية هي الوحيدة القادرة على تأمين النصابين الوطني والداخلي، فهل من الطبيعي إبقاء العراق من دون موازنة وحكومة وبلا قرار تنفيذي ولا إمكانية للتفاوض؟
لماذا يواصل الأميركيون هذا النمط التدميري في العراق؟
توجد أسباب كثيرة، لكنها قابلة للاختزال بعنوانين كبيرين: العلاقة الاستراتيجية التي يريد العراق تأسيسها مع الصين من خلال طريق الحرير والاحتلال الأميركي لأرض السواد، بعلاقاته المتشعبة بالدور الإيراني والحدود السورية والنفط وكردستان.
هذه هي الاعتبارات التي املت على الأميركيين تصنيع الفراغ بوسيلتين: تعطيل تشكيل حكومة او تشكيلها وفق المصلحة الأميركية.
بأي حال، اكتشف الأميركيون انهم بحاجة لآلية جديدة تستوعب الاعتراض العراقي على احتلالهم لبلادهم، فاخترعوا حكاية الحوار الاستراتيجي حول الدور الأميركي في العراق بمفاوضات مع الدولة وافق عليها رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي.
لكن المفاجأة ليست هنا، بل في برنامج هذا الحوار حسب الرغبة الأميركية، فلا يجب أن يبدأ قبل الانتهاء من الحرب الأميركية مع العراقيين لإنهاء التنظيمات الارهابية من ارض الرافدين.
والطريف هنا ان الرئيس الأميركي ترامب سبق وأعلن اكثر من مرة ان بلاده هي التي هزمت الارهابيين في العراق وسورية، فأي إرهاب هو الذي يتكلم عن ضرورة إزالته في المرحلة الحالية؟
أما النقطة الثانية للحوار بالنسبة للأميركيين فهي علاقاتهم الاستراتيجية مع العراق.
فيبدو ان الأميركيين يدفعون بقوة نحو إرجاء هذا الحوار المفترض الى اطول امدٍ ممكن، لذلك فلن يحددوا موعده قبل تشكيل حكومة يبدو أنها ليست في الأفق القريب.
اما في حالة تشكيلها فإن هذا “الحوار الاستراتيجي” يتضمن بنوداً بحاجة لمدة زمنية طويلة حتى يجري التوصل لحلول لها، خصوصاً مع التصدّع الكبير في الجسم السياسي والوطني العراقي.
يكفي هنا التعمق في “اللغم” السياسي الذي أطلقه حاكم كردستان البرازاني الذي سحب فيه تأييده للزرفي وإصراره على مرشح جديد يحظى بإجماع البيت الشيعي، وهنا يكفي فصل واحد يخرج عن هذا الإجماع “الهمايوني” حتى لا يوافق الأكراد عليه، اليس هذا فخاً بتدبير أميركي؟ لذلك يجب البحث عن حقيقة ما يريده الأميركيون في بلاد الرافدين؟
يصرّون على حكومة لا يترأسها قيادي من تنظيم عراقي موالٍ لإيران، ويصرّون على شخصية شيعية قريبة منهم.
أما النقطة الثانية التي لا تقل أهمية بالنسبة اليهم فهي الاشراف الرسمي العراقي على الحدود السورية بإشراف أميركي، وذلك لمنع أي تنسيق فعلي مع دمشق.
كذلك فإن الجيش العراقي هو الذي يجب ان يتولى الامن على حدود بلاده مع إيران والسعودية بشكل يبعد عنها أي وجود لقوى الحشد الشعبي.
ثالثاً إلغاء الاتفاقية الاستراتيجية مع الصين بشكل نهائي، ورفض أي عروض اقتصادية صينية، وكذلك فإن النفط العراقي يجب ان يبقى تحت رعاية الشركات الأميركية على ان تبقى حصة كردستان بأيدي إداراتها البرازانية.
لجهة النقطة الاخيرة فهي ضرورة المحافظة على استقلالية كردستان ضمن عراق شديد الفدرالية ولن يقول الأميركيون لمفاوضيهم عن رغبتهم بالسيطرة على أكراد ايران وسورية وتركيا لاستمرار دورهم في الشرق الاوسط. وحرصاً من الأميركيين على تطبيق هذه البنود فإنهم يريدون قواعد استراتيجية لقواهم الجوية والصاروخية والبرية، تستطيع أن تساهم على حد زعمهم بالدفاع عن العراق.
ماذا تعني هذه الشروط؟ تبدو أسوأ ما فرضه الأميركيون على ألمانيا واليابان المهزومين في الحرب العالمية الثانية.
فهل يقبل العراق؟ بالطبع لا، وقد تكون الأيام المقبلة موعداً لحوار استراتيجي بين القوى الوطنية العراقية، بنقطة وحيدة وهي العمل على وضع برنامج لترحيل القوات الأميركية من العراق ومرة واحدة.