لماذا التمييز بين صغار المودعين؟
} أحمد بهجة*
يحتاج التعميمان اللذان أصدرهما مصرف لبنان الأسبوع الماضي إلى بعض النقاش، خاصة أنّ هناك الكثير من ردود الأفعال عليهما منها السلبي ومنها الإيجابي.
الأهمية الأولى للتعميمين أنهما يطاولان نحو ستين في المئة من عملاء المصارف الذين لديهم حسابات تقلّ عن خمسة ملاين ليرة أو ثلاثة آلاف دولار أميركي.
التعميم الأول يسمح لهؤلاء بسحب أرصدتهم وفق سعر صرف الدولار في السوق وليس وفق السعر الرسمي المحدّد من قبل مصرف لبنان (1515 ل.ل.). والتعميم الثاني مرتبط بالأول وهو المتعلق بإنشاء وحدة خاصة في مديريّة العمليّات النقديّة في المصرف المركزي، تتولّى التداول بالعملات الأجنبيّة النقديّة، وخصوصاً بالدولار الأميركي وفقاً لسعر السوق، عن طريق إنشاء منصّة إلكترونيّة يتمّ من خلالها تحديد أسعار التداول اليومية للعملات وتحديداً للدولار، وهو السعر الذي سيتمّ على أساسه التعامل مع المودعين الذين سيعمدون إلى سحب أرصدتهم وفق ما نصّ عليه التعميم الأول.
هناك ناحية إيجابية أكيدة في هذين التعميمين وهي أنّ صغار المودعين سوف لا يخسرون كثيراً من قيمة ودائعهم، إذ انّ من يملك في حسابه خمسة ملايين ليرة سوف يأخذهم أكثر من ثمانية ملايين، إذا كان سعر صرف الدولار 2600 ل. ل. كما تمّ تحديده مثلاً اليوم الاثنين. ومن يملك ثلاثة آلاف دولار في حسابه سوف يأخذهم أقلّ قليلاً من ثمانية ملايين ليرة وفق سعر الصرف المذكور.
هذه النقطة الإيجابية بالنسبة لمن تمّ اعتبارهم صغار المودعين يقابلها نقاط سلبية عديدة أخرى…
أوّلها أن لا دولار في المصارف من الآن وصاعداً، لأن حتى من لديه ثلاثة آلاف دولار فقط سوف لن يحصل عليها بالدولار بل بالليرة، فكيف سيكون الأمر بالنسبة لمن يملك حسابات بعشرات آلاف الدولارات أو بمئات الملايين؟
ثانيها وربما الأهمّ أنّ التعميم مخالف للقانون وللدستور لأنه يميّز بين المودعين ولا يعاملهم بالتساوي، حتى أنه يميّز بين صغار المودعين أنفسهم… ذلك أنه من الصحيح أنّ من يملك خمسة ملايين ليرة هو من صغار المودعين لكن من يملك ستة ملايين وعشرة ملايين هو أيضاً من صغار المودعين، وربما تشمل هذه الفئة أيضاً من يملك في حسابه أقلّ من 500 مليون ليرة أو 300 ألف دولار هي ربما قيمة تعويضه أو كلّ ما ادّخره طيلة حياته العملية، وهو يستند على هذا الرصيد في آخر أيام حياته، لذلك لا بدّ أن يتمّ أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار والمسارعة إلى تصحيح هذا التمييز.
وفي هذا السياق أقترح أن يتمّ تعديل التعميم ليشمل الحسابات التي تقلّ عن 500 مليون ليرة أو 300 ألف دولار، ويمكنهم كما الآخرين أن يستفيدوا من سعر الصرف الذي تحدّده يومياً المنصة الالكترونية لسحب أوّل خمسة ملايين ليرة أو ثلاثة آلاف دولار من كلّ حساب.
بذلك نكون قد رفعنا بعض الغبن اللاحق بهؤلاء، أما الغبن الذي يطال جميع المودعين فله بحث آخر… وربما خطاب آخر…
*خبير مالي واقتصادي