ترامب وأبواب الخليج المغلقة إيرانياً.. سيناريوات مُتعدّدة
} د. حسن مرهج
تختزن ذاكرة الكثيرين المشهد الذي ضمّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وهما يرقصان بالسيف إبان زيارة ترامب للرياض في العام 2017. هذه الزيارة وما احتوته من ملفات سرية، بعضها ظهر للعلن، وبعضها الآخر بقي طيّ الكتمان في انتظار المناخ السياسي والعسكري المناسب، خاصة أنّ الملفات الإقليمية والدولية المتشابكة والتي تمتاز بتحديات جمّة، تفرض نفسها كعامل مؤثر تقتضي الإحاطة به، خوفاً من انجرار التطورات إلى ما لا تُحمد عُقباه.
وبصرف النظر عن الأموال التي نهبها ترامب من السعودية، وصفقات السلاح التي قُدّرت بمئات الملايين من الدولارات، إلا أنّ ترامب أيضاً ثبت الوهم لدى السعوديين، بأنهم وحدهم القادرون على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا الأمر لا بدّ من تطبيقه عبر استمرار حَلْب السعودية، وإظهار إيران على أنها بين ليلة وضُحاها ستجتاح السعودية. فالسعي الأميركي طالما تمحور على جزئيات استعداء إيران من قبل مُحيطها الإقليمي، وتشكيل محور ضدّها لا زال ترامب يسعى إلى أن تكون «إسرائيل» عرّابته.
وانطلاقاً من سياسة ترامب وقناعته حول الشراكة الاستراتيجية التي تتحدّث عنها السعودية، فـ ترامب يريد تشغيل مصانع السلاح الأميركية لهدفين الأول خلق فرص عمل للأميركيين وبذلك تنفيذ وعوده الانتخابية، والهدف الثاني بيع السلاح وتدمير المنطقة تحت عنوان مكافحة الإرهاب، والشراكة الأميركية السعودية في مكافحة التطرف، فضلاً عن شعار التصدي لإيران وأذرعها في المنطقة. وعليه بات واضحاً أنّ ترامب تاجر ويعرف تماماً كيفية مغازلة المشاعر السعودية وأحلامها الواهمة، من خلال حديثه عن مواجهة إيران ومكافحة الإرهاب والعلاقة الاستراتيجية مع السعودية كمحور للدول الإسلامية.
ترامب قبض ثمن ما سوّقه مسبقاً، من خلال العقود المذكورة التي تتضمّن إضافة إلى عقود التسليح عقوداً واستثمارات اقتصادية بمئات المليارات أيضاً. كما حافظ ترامب على الأسلوب الأميركي التقليدي بالتدخل في الأزمات الدولية بشكل مخرّب، من خلال المنحى العسكري والتأزيمي في المنطقة، طبعاً كلّ ذلك تحت مسمّيات مكافحة الإرهاب ودون أيّ مشاركة أميركية حقيقية قد تؤدّي إلى خسائر بشرية ليس الأميركيون بوارد تقبلها.
في سياق آخر، يبدو واضحاً أنّ إيران لا تُعير اهتماماً لكلّ الهلوسات الأميركية السعودية، فالاستراتيجية الإيرانية أبعد من هرطقات الاثنين، خاصة أنّ القدرة الإيرانية على هندسة المسارات السياسية والعسكرية في المنطقة، ذهبت بعيداً عن المسارات الأميركية والسعودية وضمناً الإسرائيلية، إلى درجة باتت من خلالها إيران طرفاً إقليمياً فاعلاً ومؤثراً في جُلّ السياسات الشرق أوسطية، ومن جانب آخر، فإنّ إيران تمكّنت من فرض قوتها إبان حرب المضائق الجزئية، وتمكّنت من إيصال الرسائل ذوات الأوجه المتعدّدة إلى جميع الأطراف، بأنّ طهران وقوّتها التكنولوجية والعسكرية، قادرة على إغلاق الخليج بحراً وجواً خلال ساعات، بكلّ ما تعنيه الكلمة من ألم وذلّ للأميركيين والسعوديين، حتى أنّ واشنطن تُدرك هذه الحقيقة بكلّ تجلياتها.
وبالتالي فإنّ إيران لديها طرق عدة لتعطيل شحن السفن التجارية من مضيق هرمز والخليج الفارسي، فالبحرية الإيرانية لديها مئات السفن والقوارب الرادارية المسلحة بالصواريخ والطوربيدات، وقادرة على نقل ناقلات من مضيق هرمز، وقامت إيران مؤخراً بنشر غواصتين جديدتين ومتطوّرتين وإطلاق صواريخ كروز، ولديها عدد من الغواصات الصغيرة التي تعمل بالديزل والتي يمكن أن تعمل في المياه الضحلة حول مضيق هرمز، ويمكن إطلاق صواريخ مضادة للسفن فعّالة لإيران من منصات ثابتة ومتحرّكة تقع على الخطوط الساحلية والجزرية.
من هنا، يُمكننا فهم التقرير الذي نشرته صحيفة «تاغس شبيغل» الألمانية يومها، حين قالت إنّ سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخاصة زيارته الى السعودية مؤخراً أدّت إلى تسريع التوترات وانتشار الفوضى في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك تسريع الخلافات بين إيران والسعودية.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته الصحيفة الألمانية، فإنّ آخر زيارة للرئيس الأميركي إلى السعودية ورقصه بالسيف هي سبب الأزمة في الشرق الأوسط التي نعيشها اليوم، أيّ أنّ هذا هو الذي سبّب المزيد من الانقسام، فمنذ وقت الزيارة التي قام بها ترامب إلى السعودية، يبدو أنه لم تكن هناك التوترات التي تحدث اليوم في المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي، وهذا ينطبق بشكل خاص على الصراعات طويلة الأمد بين السعودية وإيران، وبطبيعة الحال، هذه الصراعات هي قديمة، ولكن هناك دلائل على وجود توتر كبير في هذا النزاع سببته زيارة ترامب الأخيرة.
وذكرت الصحيفة الألمانية أنّ الحرب الباردة قد ازدادت في الآونة الأخيرة بغية السيطرة على المنطقة، في العديد من الجبهات، بما في ذلك في سورية واليمن والعراق والخليج الفارسي، فإنّ الخلافات بين طهران والرياض سوف تزداد وبشكل كبير والسعودية على وجه الخصوص، نادراً ما تكون شفافة في تعاملها مع إيران حيث تقوم الرياض، وبدعم من ترامب، بتقييم سياساتهم تجاه إيران بشكل كبير، وبشكل خاص إنّ رئيس الولايات المتحدة يغتنم كلّ فرصة للتحدث عن إيران بشدة، حيث حذر ترامب من مطالب إيران التوسعية واتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتمويل الإرهاب وأنها تتسبّب بتفاقم الفوضى في المنطقة، بحسب زعمه، لذلك لا عجب أنّ السعودية تجد في ترامب ميثاقاً شخصياً لاتخاذ موقف أكثر حدة ضدّ إيران.
في المحصلة، يمكننا القول بأنّ قرار الكونغرس الأميركي لجهة تقييد قرارات الرئيس الأميركي بشأن شنّ أيّ عمليات عسكرية ضدّ إيران، لا يحمل أيّ أهمية، خاصة انّ ترامب يُجيد اللعب على القوانين واستثمارها في نهب الأموال من أدواته في المنطقة، والحقيقة المطلقة التي لا يمكن إنكارها هي أنّ أبواب الخليج مُغلقة إيرانياً بالمعنى السياسي والعسكري، وليست مُغلقة في إطار ما يتمّ التسويق له أميركياً، فـ إيران ومنذ سقوط حكم الشاه، لم تكن يوماً مُعتدية على جيرانها الاقليميين، بل على العكس، ساهمت إيران في نزع فتيل التوتر في الكثير النزاعات الإقليمية، وساهمت كثيراً في إرساء الأمن والاستقرار في أجواء المنطقة، على الرغم من المحاولات الأميركية والسعودية لاستفزاز إيران بملفات عدة، والترويج دائماً لنظرية «إيران فوبيا»، لكن في المقابل إيران مُستمرة في سياستها الإقليمية، وفي التصدي للمؤامرات الأميركية ضدها، من كورونا إلى النفط، إيران ستُحقق الانتصار تلو الآخر…