المدافعون عن أميركا و«إسرائيل» في زمن كورونا…!
د. محمد سيّد أحمد
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية وبسبب انتشار فيروس كورونا الذي استحوذ على اهتمام كلّ وسائل الإعلام التقليديّة المسموعة والمرئيّة والمقروءة. هذا بالطبع بخلاف وسائل الإعلام الجديدة وفي مقدّمتها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الجميع أنه الحدث الأهمّ الذي تتراجع أمامه كلّ الأحداث الأخرى، ولما لا وهو الفيروس الذي يهدّد البشرية جمعاء دون استثناء، ويهدّد جزءاً كبيراً من سكان الكوكب بالفناء إذا لم يتمكّن الإنسان من اكتشاف علاج سريع له، لذلك كنت ضيفاً دائماً لعدد من وسائل الإعلام التقليدية مسموعة ومرئية محلية وإقليمية ودولية هذا بخلاف مقالي الأسبوعي الذي ينشر في بعض الوسائل الإعلامية المقروءة ويتمّ تداوله على بعض المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي والذي تناول الحدث من زوايا عدة.
لكن بعيداً عن الجدل الذي دار سواء معي أو مع غيري حول الموقف من كورونا ومَن المتسبّب فيه؟ وما هي السيناريوات المتوقّعة؟ ومََن سيكون الأكثر تضرّراً الدول الغنية أم الدول الفقيرة؟ وهل فرص الوقاية من الوباء متساوية بين الأغنياء والفقراء أم أنها غير متكافئة من الأصل؟ وهل استطاعت الحكومات في الأنظمة السياسية المختلفة القيام بمسؤوليتها الاجتماعيّة تجاه مواطنيها؟ وهل قام القطاع الخاص ورجال الأعمال بمسؤوليتهم الاجتماعية في الأنظمة الرأسمالية سواء في دول المركز أو دول المحيطات؟ وهل ستتغيّر موازين القوى الدولية في ما بعد كورونا؟ وإلى أين تتجه وهل ستظلّ الولايات المتحدة الأميركيّة هى القطب الأوحد في العالم؟ أم أنّ دورها سيتراجع وتتقدّم الصين للهيمنة منفردة على العالم؟ أم أنّ العالم يتجه إلى فكرة التعددية القطبية بين أميركا والصين وروسيا؟ دون قدرة أي قطب على السيطرة والهيمنة المنفردة؟ بل سوف تتولد خرائط جديدة للصراع بين الأقطاب الثلاثة من أجل السيطرة والهيمنة على العالم؟
كما قلت وبعيداً عن كلّ هذه التساؤلات التي تمّت مناقشاتها بجدية شديدة عبر وسائل الإعلام المختلفة لاحظت أنّ كثيراً من ضيوف البرامج الحوارية يدافعون بشراسة عن أميركا و»إسرائيل» ويتهمون وسائل الإعلام أنها منحازة وتروّج الشائعات ضدهما، وهو ما جعلني أنفعل في أحد البرامج التي جمعتني مع ثلاثة ضيوف في الاستوديو، اثنان منهما ذوا ميول أميركية إلى جانب المذيع المتأمرك وضيف عبر سكايب من أميركا عضو في الحزب الجمهوري من أصل مصري، وضيف آخر من أميركا عبر الهاتف معارض للسياسات الأميركية، حيث أكدت على أنّ الإعلام العالمي صناعة أميركية بالأساس واللوبي الصهيوني هو المموّل الأوّل للميديا العالمية فكيف يكون الإعلام منحازاً ضدّ أميركا، وأن الولايات المتحدة التي يصفونها بأنها قمة الديمقراطية والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان ليست كذلك بل هي دولة مستغلة تنهب ثروات الشعوب، وتقوم بإثارة الفتن والصراعات والحروب، وهي الراعي الأول للإرهاب في العالم، وأنّ الأزمة العالمية الراهنة بفعل كورونا كشفت عن الوجه القبيح لأميركا، وأنّ العدو الصهيوني مغتصب للأرض العربية، وما زال يرتكب جرائم ضدّ الإنسانية من دون أن يُدان أو يُعاقب من قبل المجتمع الدولي ومنظماته التي تكيل بأكثر من مكيال.
وفي الوقت الذي وصف فيه أحد الضيوف الصين بأنها دولة أنانية وانتهازية، لأنها رفضت التخلي عن سلاحها النووي، فكان ردّي قبل أن تقول ذلك عن الصين طالب أميركا بالتخلّي أولاً عن سلاحها النووي وكذلك «إسرائيل»، ففي الوقت الذي أجبرت دولنا العربية على التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية كان العدو الصهيوني يمتلك ترسانة نووية ضخمة ويرفض التنازل عنها ويهدّد أمن المنطقة بأكملها.
ولسوء الحظ ونظراً لإجراءات حظر التجوال بعد السابعة مساءً في مصر، اضطررنا أن نسجل اللقاء نهاراً على أن يُذاع ليلاً، وخلال اللقاء وبعد مواجهة الضيوف المدافعين عن أميركا و»إسرائيل» بالحقيقة قام الجميع باتهامي بكراهيتي لأميركا و»إسرائيل» وهي تهمة أعتز وأفخر بها حتماً لأنها مبنية على مواقف ثابتة من إجرام أميركا و»إسرائيل» في حق شعوبنا العربية، وعندما انتقل الحديث لعضو الحزب الجمهوري قرّر الانسحاب من البرنامج وقال للمذيع لم أتفق مع صاحب القناة على الظهور للحديث في مثل هذه الموضوعات والقضايا. حديثي المتفق عليه هو عن كورونا فقط، ولذلك أنا منسحب من البرنامج وأدعوك على نفقة شركتي لزيارة أميركا لترى بعينك عظمتها، هنا سارع المذيع ليؤكد حبه واحترامه لأميركا وشعبها الصديق وأنه زارها ويعلم عظمتها، وطالب الضيف بتوسّل أن يبقى وأن يكون ضيفه في الاستوديو عند زيارته لمصر، وقام أحد ضيوف الاستوديو بتأكيد عظمة أميركا وبالقفز على كلّ النتائج المحتملة بعد كورونا ستظلّ لسنوات طويلة بعدها القوى العظمى الوحيدة المسيطرة على الساحة الدولية.
وانتهى اللقاء وانتظرت بثه في المساء وكما توقعت قام أصحاب القناة بحذف بعض العبارات التي صدرت منّي خوفاً من أميركا و»إسرائيل» أو إرضاءً لهما، خاصة حديثي عن سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام في العالم، وامتلاك العدو الصهيوني السلاح النووي واغتصابه للأرض العربية، وهو ما يؤكد ما ذهبت إليه بأنّ المدافعين عن أميركا و»إسرائيل» في زمن كورونا يكنّون عداء حقيقياً لمجتمعاتهم ولا يرون ما تفعله أميركا و»إسرائيل» من عدوان فاجر ما زال مستمراً على كثير من مجتمعاتنا العربية في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
ومما شمله الحذف أيضاً حديثي عن رجال الأعمال الذين لم يقوموا بمسؤوليتهم الاجتماعية خلال الأزمة ولم يساعدوا الدولة على القيام بمسؤوليتها الاجتماعية على الوجه الأكمل، حيث هاج وماج الضيوف والمذيع الذي أكد أنّ هذا الكلام خارج عن موضوع الحلقة، ومن المعروف أنّ غالبية رجال الأعمال المصريين يعملون في خدمة النظام الرأسمالي العالمي لذلك لا عجب من تصريحاتهم وسلوكياتهم وهروبهم من مسؤوليتهم الاجتماعية، وتجنيدهم كتائبهم الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن مواقفهم المخزية تجاه الوطن، لذلك نطالب كلّ الوطنيين والشرفاء في مصر والأمة العربية بالتصدي للمدافعين عن أميركا و»إسرائيل» ورجال الأعمال، ولينتبهوا جيداً لكلّ ما تبثه الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي يمتلكونها ويزيّفون وعي الجماهير حول العالم من خلالها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.