أولى

كلمة واجبة لسناء.. في يوم مجدها

بقلم النائب أسعد حردان _

التاسع من نيسان لا يصادف ذكرى، حتى لو كانت ذكرى بطولة. فهذا اليوم هو قدوةُ استشهادٍ وعنوانُ بطولة. ذلك أنّ عملية الشهيدة سناء محيدلي ضدّ المحتلّالإسرائيليعلى معبَر باترجزين لم تكن عملية عادية ولا خبراً هامشياً في وكالات الأنباء أو على الشاشات. فالعالم كله ما زال يسمع حتى الآن، حتى اللحظة، أصداء العملية البطولية الإستشهادية على الرغم من جائحةكوروناالوبائية الخطيرةوالحقيقة أنّ شعبنا بل شعوب العالم بأسره اهتزّ وجدانها وانْصَدَعَ فؤادها، إذْ إنّ فتاة ريّا في عُمر الورود قرّرَتْ أن تفتدي بلادها وتختصر حياتها بوقفة عزّ داوِية.

لم تتوقف حتى الآن تعبيراتُ رفقائها ومواطنيها عما أحدثَتْه العملية في نفوسهم، فهُنا مقالات وهناك خطَبٌ وهنالك قصائد. وبين هذه وتلك روحية مرتفعة وإجماع على التقدير والإجلال والإكبار، لأنّ عملاً ريادياً بهذا الحجم لا يمكن أن يعتريه الإغفال أو يلفّه النسيان. فشعبنا توّاق إلى الشرف المَصُون والكرامة الموفورة، وما استهواه يوماً منطقُ الضعف ولا جوُّ الخنوع، لأنه سليل يوسف العظمه وسلطان الأطرش وسعيد العاص وحسين البنّا وأنطون سعاده وصالح العلي وأدهم خنجر وسائر الأبطال والجنود المجهولين عسكريين ومدنيين، رجالاً ونساء، سابقين ولاحقين، لأنهم جميعاً آمنوا بإنسان الوعي، إنسان الصراع، واعتمدوا الإنسانَ الأقوى من التكنولوجيا، والحق الأقوى من الباطل، والإرادة الفولاذية التي لا تنكسر. بهذا المعنى القومي والإنساني الكبير نفهم مرتبة الشهداء السامية، كما نُدرك مغزى القول اللافت للزعيم أنطون سعاده: “التاريخ لا يعترف ببطولة الذين يتخلون عن قضية أمتهم وحريتها وارتقائها ليشهروا السلاح في سبيل قضية أخرى”.

نحن لم نحتكر المقاومة في يومٍ من الأيام، لا في لبنان ولا في الشام ولا في فلسطين أو في أيّ بقعة من سوريانا الحبيبة. فنحن نعتزّ بالغنى النضاليّ الذي يمثله شعبنا المكافح بجميع أحزابه وفصائله المخلصة للقضية. صحيح أننا، بالفكر والحركة، روّاد وحدةٍ وأبناء نهضة، وطليعيون في تعميم مفاهيم أساسية وتثبيتها، كمفاهيم السيادة والتضحية ووحدة الحياة والحرية والواجب والنظام والقوة والعزّة والإنتصار. لذلك صار كلٌّ منا مسكوناً بمنظومة قيمٍ جديدة وروح جديدةٍ هي روحُ الفِعل والتوثُّب، ومبادرةُ البذل والعطاء. إلا أننا نُوَقّر جميع الأوفياء من الأحياء والشهداء ونضعهم على رموش عيوننا، الكحلى بأجمل ألوان الوفاء والفداء.

في يوم عروس الجنوب نعتزّ ولا نحزن، لأنّ بلادنا ولاّدةُ بطولات وينبوع فداءات. إنّ شهداءنا شلال لم ينقطع لأنّ التزام يميننا لم يتوقف عن مناداتنا إلى الواجب. وعندنا، لا يتقدّم على الواجب أيّ غالٍ أو نفيس، فهل أَنْفَسُ من الكرامة وهل أثمَنُ من الأرض والعِرض؟ إنّ تمرُّسنا في مدرسة الحياة الجديدة يجعلنا نُجْمع على أن ليس لدينا ما هو معادل للكرامة فكيف بالأنفَس والأثمن؟ هذا هو، بتكثيف، المُفاعِل الروحي الذي تجلى في عملية الشهيدة سناء، وفي جميع عمليات المقاومة التي أجبرت العدوّ على الإنسحاب الذليل من جنوب لبنان فكان التحرير أبلغَ إنجازٍ كتبه الأبطال بقطرات الدم التي لا يخبو نورها، لأنّ باذِليها خالدون في ضمائرنا إلى الأبد.

*رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الإجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى