باقــات 1
} مصطفى بدوي*
مَن يقنع المناضل الطبقيّ أن ماركس كان مجرد حلم بافاريّ تداوله الأشقياء مثلنا وصدّقوا وهمهم ذات قيلولة جرداء؟
مَن يقنع الشعراء أن الاستعارة محض سرنمة زائفة توارث لوثتها التعساء ذات روتين لغويّ لينشروا دمهم على أرجوحتها الماكرة..؟
مَن يقنع القمر أنه منجل ذهبي فيما الصاغة حريصون على أن لا يستريح الذهب على مقربة من عناقيد النجوم خوفاً عليه من لصوص الليل المفترضين!؟
مَن يقنع الفقراء أن (هند رستم) ليست مجرد فكرة بورجوازية طارئة نزحت من سينما لا وجود لها إلا في نوسطالجيا عزاء جماعيّة تناهبها خيالنا المكسور فصدّقنا أنها رغيفنا المسائيّ الأليف؟!
مَن يقنع الفيلسوف أن فلول النمل كانت سبّاقة لهندسة الجدل الهيغليّ فيما أوجاع الفقراء وهي تلقي بكلكلها على ملاءة الليل أشد فتكاً من درس الانطولوجيا الكئيب وهرطقة سبينوزا !
مَن يقنع اليأس يوماً أن العاشق المفتون بالغياب لا سبيل إلى إقناعه بأن حبيبته (التي أفاق منذ عام فلم يجدها) غرقت في مرايا العدم وعليه أن يتوقف عن مسلسله التركيّ في الندم !
مَن يقنع السياسي اللئيم أن البهلوان التاريخي العظيم أقل مهارة في القفز بالزانة من فهلوة سيّده الزعيم؟!
من يقنع الخطيب أن فذلكته التافهة لا تصلح إلا خرقة لتكميم طوفان السابلة وأن «الأمة» مجرد غمة او موضة زائلة !
مَن يقنع المؤرخ أن (والت ديزني) لم يكن أصدق من مرويات شتى وبطولات زائفة وأن ما تعلمناه على طاولات الدرس لا يجدي فقيراً ذا مسغبة ولا يُرضي حكيماً ذا تجربة..؟؟!
مَن يقنع المجنون أن جده المجنون في بني عامر كان له وجود حقيقي وأن ديك الجن لم يكن مجرد تعويذة صنعتها خيالات المترفين من مؤرخي الأدب العقيم مرضاة لليالي الأنس في الشام أو البصرة أو غرناطة!
***
خارج الأكواريوم:
خارج الليل
ابتني لي حاضراً عاطلاً عن الحب
ومشنقة للسؤال!
خارج الشعر
لا نرد لي لتزجية الروح
لا ورد لي لأشم فيه نبض المروج!
خارج الخطو
أمحو الخطى بطبشور وجنتها
و..الرماد!
خارج النهر
ألعن النهر.. مرتين !
خارج الصحو
تبكي العذارى فتاها الشهيّ!
خارج البيت
أشنق ضفتي متحرراً من كل الوصايا والجهات!
خارج الصمت
ألغي المسافة من غصّتي
وأنداح بين الغيوم..
***
حنين:
عندما أُشعل السيجارة المليون
أنفث تنهيدة على ذكرها في مهبّ الغياب!
***
كانون الثاني/ أفق صديق:
بعيداً عن الحرب../
قريباً من الحب
ترتجّ الطفولة في مخدع الريح
لغة تشرئب بأنفاسها نحو البدايات.
غيبوبة يشعل أضلاعها الحب
وحرية مفتوحة على جرح الغجر..
ما الطريق التي أسلمت خطو العنب
الى ليل فخاخهم و..المقصلة؟
ما الأبجدية
تلك التي تناهبها الغبار؟
وحده شجن يقشر ظله وفق مشيئة الوقت..
لا الزوايا تطالعه
لا المروج النازفات
ولا الجهات..
أفق سيد
هذا الصمت في الأبراج.
أفق صديق
باب هذا الجسر الذي يُفضي
إلى جسر الألى رحلوا
منذ ويتمان حتى آخر شاعر مجهول قضى بجلطة في غرفة مهملة!!
***
أفق غريق
كتهاطل البوح في ترنيمة السريان!
***
الأبراج:
هذا العالم
كان ركيكاً للغاية
محتشداً بفلول الأنعام وما فاءت به تلك البيد من الديجور (..)
هذا ما طالعه الطالع في أبراجه؛ حتى صحت:
يا غبش التكوين: تكامل في الريح كما الريح..
شكلني على صيغة هذا النهر كيما أتعنكب أو أتفتت في جلد العزلة..
والعزلة نارنج الكلمات..
لغتي ضمّخها القيظ.. فما العبق العاطل عن همهمة الفجر؟؟
ما أسمال الخطوة لما يلفحها الدمع وتغريها مدن المجهول؟؟
هذا العالم قرصانه دقوا مسمار التيه بإزميل مرموز فيما يُروى من سرد مهزوز.
***
ماذا لو..؟؛
ماذا لو فكرت في الشعر وكتبت قصيدة هايكو على ذبذبات الهزج الصافي ومضيت أشيد لي قافية عصماء في رثاء بينازير بوتو؟
ماذا لو فكرت في القفز شهيداً بالزانة من سطح مخيّلتي وأدوزن جهة القفز على إيقاع حزام ينسف أفكاري ويوزّعها بالتقسيط على الصبية في العيد..؟
ماذا لو فكرت في تنويم النمل وقهقهة الموتى ومسامرة القرصان؟
ماذا لو فكرت في عشق سعاد حسني والموت سدى في «أحضان منكسرة» لـ (بيدرو المودوفار)؟
ماذا لو فكرت في النوم ملياً على كتف الراين والتحليق على مقربة قصوى من بحيرة شايكوفسكي كل مساء مثقوب..؟
ماذا لو فكرت – إذا فكرت – أن أمحو كل سماواتي المهزومة بمداد محموم وأرمي خاصرة الاستشراق الأعمى» بحجارة من حمإ مسنون
واصلي لك أيتها الفاكهة /النور؟!
***
كوابيس:
على ارتفاع منخفض من الألم كان أزيز الذكريات يعضّني..
يقصف الليل بالندم المنضّد..
يمطر الهذيان بكابوس أفكاري فيُرديه ضحية..
ليت للطوفان وقتاً للتسكع في وهاد الشرود..
والشرود حقيبتي،
النص المرتق ما زال يمحو أسماله بدم البياض
والحرائق محمومة بالرحيل..
*ناقد وشاعر مغربي.