الإذاعيّة السوريّة منار مراد لـ«البناء»: الدور الرائد في المجال المهنيّ يبدأ بتحسين المنهج وتغيير النمطيّة… والمبادرات النسائيّة رديفاً قوياً وذراعاً مؤثّرة من المفاصل الاجتماعيّة والعلميّة والثقافيّة والإنسانيّة
} حاورتها: فاطمة ملحم
أصابت حيناً وأخفقت حيناً في مشوارها المهني الحياتي والشخصي، عاشت تجارب تعلّمت منها واستخلصت العبر بحنكة، عملت في مجال الإذاعي ومجالات إعلامية أخرى وحققت نجاحاً باهراً على طريقها، اجتهدت في ما تبرع ولم ترحم نفسها من التعلّم والتلقين. الإذاعية السورية منار مراد، مسلكٌ طويل في المجال الإذاعي وشخصية تستحق الإصغاء.
روحها تعرف قيمة الحرف على مسار زمن متحرّك لا يرحم ولا يعود القهقرى إلى الوراء. كل ثانية فرصة للفعل والقول والمواجهة والتوعية والتشارك لنكون في زمن استهداف وجودنا ليحيلنا عدماً إذا استسلمنا أو نصير أمة حية إذا انتصرنا.
مَن هي منار مراد؟ وماذا عن بدايتك؟
ـ مُعدّة ومذيعة في إذاعة دمشق منذ ستة عشر عاماً، ومدرّبة إذاعيّة، عملت في مجالات إعلاميّة مختلفة. وحاولتُ أن أجتهد، أصبتُ مرات، وأخفقتُ مرات أخرى، لكنني دوماً أتمسّك بحالة التعلّم وتطوير الذات طالما عجلة الحياة مستمرّة. البدايات كانت مصادفة محضة، عندما تقدّمت لاختبار صوتي في إذاعة دمشق من دون أي توقّع مني بأن يأخذ الموضوع منحىً جدياً، ليفاجئني القدر بقبولي بين كوادر الإذاعة، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أطبّق شعاري الأحبّ إلى قلبي.
كيف واجهت عوائق العمل الإعلامي؟
–عندما سجلتُ في التعليم المفتوح قسم الإعلام، كنت على رأس عملي كفنيّة مخبريّة، أداوم صباحاً ومساء في المخبر، لذا كان ذهابي للجامعة وحضور المحاضرات نادراً، إلا عند تقديم الامتحانات، لذا لم أعايش من الجامعة سوى مناهجها التي حينها كانت مناهج مصريّة المنشأ، شعرتُ خلال درستي لها أنها عبارة عن حشو أكثر منها معلومات تفيد في ميدان العمل الإعلاميّ الحقيقيّ. وهذا ما تيقّنت منه فعلاً عندما دخلتُ للإذاعة وكنتُ وقتها في السنة الجامعية الثالثة، كان شعوري متزايداً بالهوّة بين المادة الأكاديمية، والواقع العملي، وكنتُ أتساءل دوماً عن سبب ابتعاد المنهج النظري عن واقع العمل وسرّ إصرار القائمين على وضع المناهج، على تشتيت سنوات الطالب في معلومات لا تعينه في مرحلة ما بعد الجامعة. وهذا الشعور للأسف تزايد بعد سنوات طويلة من التخرّج، والعودة للتعامل مع طلاب الإعلام كمدربّة إذاعيّة، فكان ضعف ما يمتلكونه من أدوات عمليّة مفجعاً بالنسبة لي، مما زادني إصراراً على التواصل معهم وتصحيح الكثير من الأفكار والمعلومات المغلوطة عن طبيعة العمل الإعلاميّ لديهم.
أما حول طرق تحسين هذا الواقع، فالجواب ببساطة، بتغيير ذهنيّة واضعي المناهج، والخروج من أساليب المناهج النظريّة المحشوّّة بمعلومات بات أيّ شخص قادراً على الحصول عليها من مصادر تكنولوجيّة بكبسة زر، إضافة لضرورة توسيع رقعة العمليّ، وإدخال الطلاب في أجواء سوق العمل بدءاً من السنة الجامعيّة الأولى، بحيث يعي الطالب ماهية إمكانيّاته، وبالتالي ليستطيع تحديد مكانه الأفضل في مجال الإعلام منذ البداية.
كيف ترين إلى واقع الدراسات والأبحاث في مجال التخصّص؟
للأسف الدراسات والأبحاث في مجالنا كمجتمع عربي تعتبر ضئيلة وبعيدة في مضمونها عن التطوّر الإعلاميّ في العالم، وما زالت تتحدّث في كثير منها بلسان المناهج الإعلامية القديمة. لذا أنصح الطلاب أن يبحثوا عن المراجع الأجنبيّة، وأن يتابعوا كافة التطوّرات على الساحة الإعلامية بعين المتعلم وليس المتلقي.
هل ترين أن الإذاعة ما زالت أداة إعلامية صالحة لمواكبة عصر الإنترنت والهاتف الخلوي؟
الإذاعة حتى اليوم وفي أكثر دول العالم تطوراً، ما زالت حاضرة بقوّة وذات تأثير، ففي الدول المتطوّرة، لم تعُد الإذاعة بالشكل الذي نتعامل معه اليوم في مجتمعاتنا، والذي يُعدّ شكلاً بدائياً. بل تطوّر تجهيزاتها وطرق التعامل معها، وأساليب الأداء الإذاعيّ الذي تحرّر من كثير من القيود، ليصبح الراديو من أهم المنصّات التي يتابعها المواطن في تلك الدول. أما في مجتمعاتنا، اتجاه الإذاعات نحو الترفيه والتسطيح أكثر من دخولها في تفاصيل مواجع الناس إلا اللهم برامج قليلة جداً تحاول الخروج عن هذا النطاق، جعل الناس تتّجه لمنصات أخرى كالفيسبوك، للوصول للمعلومات التي يحتاجون تلقفها فعلاً. الإذاعة في بلدنا بحاجة لنفضة حقيقية، ومنهجية مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم وإلا بكل أسف ستصبح على دكة المستبعَدين في الملعب الإعلاميّ.
يحتاج إعلامُنا لأساليب تفكير جديدة ومساحات حرية أكبر وحصانة تجعله فعلاً سلطة رابعة لها كلمتها وتأثيرها في المجتمع، ستكون كفيلة بإحداث نقلة نوعيّة في مساره، وتحقق له مصداقية وحضوراً أكبر بين المواطنين.
كيف ترين واقع الحركة النسويّة في سورية والتحديات التي تواجهها؟ وماذا عن دور المرأة السورية في مواجهة حرب كونية على سورية؟
ربما من أكثر الفئات نشاطاً خلال فترة الحرب. كانت فئة النساء، إذ رفضت المرأة السورية على اختلاف بيئة نشأتها وثقافتها، أن تقف مكتوفة الأيدي في خضمّ كل ما يقع من ظلم على الوطن.
لذا تشكّلت جمعيات ومبادرات نسائية كثيرة شكلت رديفاً قوياً وذراعاً مؤثرة في الكثير من المفاصل الاجتماعية والعلمية والثقافية والإنسانية، ولعبت النساء أينما كن دوراً إيجابياً رافداً في المجتمع، ولدينا من الأمثلة ما لا يُعدّ ولا يُحصى، تلك الأمثلة التي لا تشكل أمثلة نقتدي بها محلياً وحسب، بل أعتقد أن أكثر البلاد تطوراً لم تشهد حراكاً نسوياً وصبراً نسوياً وتأثيراً نسوياً كما شهدنا في سورية. الأمر الذي يعتبر مدعاة للفخر وإثباتاً للتطور الفكريّ والاجتماعيّ الذي تلعب المرأة السورية فيه دوراً أساسياً ومحورياً.