نعمة الحياة…
شيء من الحلاوة نتذوقّه منها وكأننا نختلس قِطع السكّر اختلاساً، بينما الكثير الكثير من علقمها نجبر على ابتلاعه مستسلمين له استسلام المحارب الأعزل..
هذه الحياة رسائلها باردة، باردة، لكنك دائماً ستجد نفسك تبحث عن حُضن أوسع من حضنها البارد.
كثيراً ما تُشغلك متاعب هذه الحياة وبالأخص في ظلّ الروتين الذي فرض على سكان الكوكب الأرضيّ ككل، تشغلك على أن تحتفظ بابتسامة دافئة تنشر عبيرها لعبق الذكريات الحلوة تلك الأيام التي ما بخلت بكل ما أوتيت من كريات دم حمراء وبيضاء تنفقها وهي تحلب غيمة الأحلام البريئة الصادقة وتعتصر من روحها النقية لإشباع حاجاتك وإرضائك.. لكن أنت لا تفكر بجمالها وتستذكره إلا الآن وفي هذه الأيام وأنت تقبع داخل جدران بيتك الذي لا تبرحه إلا للضرورة.
كنت دائم التمرّد مع كلّ صباح جديد وأنت ذاهب إلى عملك أو جامعتك مزهوّاً بتألق حضورك وأنّ مقامك بين النجوم وليس على هذه الأرض المسطّحة، ورغم كلّ هذا السخط كانت الحياة تقف معك وتسابق ظلّها لتفتح لك أبواب العطاء قبل أن تزيل إصبعك الشقيّ وأنت ترن جرس بيتك بعد عودتك متعباً ساخطاً ناقماً على يوم آخر تدّعي أنه سيسقط في سلة الروتين..
تُرى الآن ألم تتغيّر نظرتك للحياة التي كنت ناقماً عليها أشدّ نقماً؟؟
أذكر في أيام الدوام وبينما أمّي كعادتها توقظني بعد أن يأس المنبه من إيقاظي، قلت لها وأنا نصف نائمة، متى سنرتاح من هذه الحياة التعيسة يا أمي، كلّ يوم الروتين نفسه تعب ودوام؟ قالت بهدوء: «إنّ ما تعيشينه هو الجنة بعينها ولن تشعري بذلك إلاّ إذا قدر الله وفقدتها.»…
الآن نتذكر هذا الكلام وندرك أننا كنّا نعيش حياة الجنة، فحياة معطلة العمل أشبه بموت سريريّ بطيء إلى حين موعد تنفيذ حكم القدر وإلغاء وجودنا من الحياة..
العيش الرغيد بمثابة عناقيد الصبر التي تحلّي برتقالة حياتنا المرّة، متى سيزال ستار الليل الذي يخفي مفاتن الروح !!
بعدما ذقنا عزلة النفس الباردة في منازل بدت كالأكواخ لا أحد يقدر على زيارة الآخر ليس خوفاً من وحوش الغابة بل خوفاً من البشر أنفسهم لندرك كم كانت الحياة ساحرة آسرة..
الفرق بين التجربة والكلمة إحساس، بين أن تقول مرحباً وبين أن تضمّ الآخر شوقاً ولهفة!!
لأنها غالية، فهي تستحق كلّ غالٍ..
ولأنها جميلة، فهي تستحق كلّ جميل..
القفص الصدري في ظلّه ينبض جمر الأمل واللهفة الذي سُرق منه الإحساس بغياب الحياة!! بكلّ لغات الورد سنحتفي بك عندما تعودين إلينا… يا حياتنا الرغيدة…
صباح برجس العلي