مخاطر الحرب النفطية السعودية وانعكاساتها الإقليمية والدولية
} ربى يوسف شاهين
الواضح انّ الحروب السياسية لم ولن تتوقف بين القوى الفاعلة والمؤثرة إقليمياً ودولياً، خاصة تلك الدول المنتجة للنفط؛ هذا الذهب الأسود الذي من خلاله تقوم وتُفعّل جميع الاقتصادات، فهو المحرك الأساسي الذي يؤمّن التوازن الاقتصادي للبلدان المنتجة والمستهلكة على حدّ سواء، وبالتالي ما قد يُصيب أسواق النفط من اختلال سينعكس بالضرورة على جميع القطاعات الاقتصادية، فما بالكم مع حدوث حرب نفطية متعمّدة ولأغراض سياسية، تقدّم النفع البرتوكولي للمعاملات الشخصية لبعض الرؤساء.
هي حرب نفطية بدأت بين السعودية وروسيا الاتحادية، على خلفية رفض روسيا ما تقدّمت به المملكة العربية السعودية في رغبتها بخفض إضافي للإنتاج بـ1.5 مليون برميل يومياً بحجم خفض كلي 3.2 ملايين برميل يومياً، وهو ما رفضته روسيا التي أعلنت وقف اتفاق أوبك + الذي استمرّ ثلاث سنوات، والذي نص على خفض الإنتاج بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً، وينتهي في نهاية الشهر الحالي.
ما بين رافض ومؤيد لانهيار اتفاق أوبك +، قال الناطق باسم شركة «روس نفط» ميخائيل ليونتييف لصحيفة «إر بي كا» الروسية: «من وجهة نظر مصالح روسيا لم يكن هناك معنى لهذه الصفقة بالتنازل عن أسواقنا وإبعاد النفط العربي والروسي الرخيص عنها»، و»أضاف كنا نفسح الساحة للنفط الصخري الأميركي الغالي ونضمن جدوى إنتاجه».
وبالنسبة للولايات المتحدة لا شك أنّ الأزمات النفطية وانهيار سعر النفط سيؤثر بشكل مباشر على اقتصادها، حيث سيكون هناك نقص في عملات التداول مقابل الدولار، فالأسواق المالية سيصيبها انهيار خاصة مع انتشار فيروس كورونا وأثره على الطلب والأسعار.
حرب النفط القائمة بين السعودية وروسيا والتي ابتدأتها السعودية تعود إلى الأسباب التالية:
*تحاول المملكة السعودية إرضاء الولايات المتحدة عبر متابعة تقديم التنازلات لها، وهذه المرة لإحراجها والتغاضي عما فعلته السعودية في اليمن، وحماية محمد بن سلمان من بعض ملفات الداخل السعودي وتقديم الحماية الامنية والدولية له.
*التضييق على روسيا من خلال تخفيض سعر النفط وزيادة الإنتاج في محاولة لإرباك الاقتصاد الروسي، وثنيه عن متابعة مشاريعه الاقتصادية في الغاز عبر أوروبا وآسيا، خاصة أنّ روسيا قد شكلت لها خلال الحرب على سورية علاقات ممتازة وشراكات اقتصادية كالسيل التركي.
*المآزق الكبيرة التي وضعت السعودية في بوتقة الهزائم داخلياً وخارجياً، والتي أنتجتها سنوات الحرب على اليمن وسورية، والتي كبّدتها خسائر كبيرة بالإضافة الى المبالغ التي قدّمها الملك سلمان للرئيس ترامب، ليقدّم الأخير أسطول الحماية لمنطقة الخليج، والذي بدوره انعكس سلباً على الاحتياطي المالي للسعودية من القطع الأجنبي، ولا ننسى الخسائر التي لحقت بشركة «أرامكو» نتيجة الضربات التي استهدفتها من قبل المقاومة في اليمن.
*تحاول الولايات المتحدة مستخدمة السعودية في شنّ حرب نفطية على روسيا تكون انعكاساتها كبيرة على الدول التي تتعامل مع روسيا، وتلجأ بالتالي إلى السعودية فتضرب عصفورين بحجر واحد، فتلحق الضرر الاقتصادي بتركيا وقطر وكذلك بفنزويلا وإيران، وكلّ دولة لديها تبادل اقتصادي مع روسيا الاتحادية.
من الأقوى؟
يرى محللون أنّ السعودية يمكن ان تتحمّل أسعار النفط الأقلّ بفضل احتياطاتها الأجنبية الضخمة، لكنها تحتاج لزيادة الاقتراض إلى جانب خفض الإنفاق، فحرب الأسعار التي أطلقتها الرياض وبحسب مجلة «فوريس» الأميركية، «أنّ السعودية لن تكون قادرة على تحمّل أسعار النفط المنخفضة لأنّ عليها التزامات تجاه «اوبك» وتقوم الآن بتنفيذ مشاريع واسعة النطاق لتعزيز الاقتصاد».
في ذات الإطار، لا يبدو أنّ سعر النفط الحالي يفيد الرياض التي تحتاج بحسب الخبراء لسعر 80 دولاراً للبرميل لضبط ميزانية 2020، التي يبلغ العجز المقدّر فيها 187 مليار ريال (50 مليار دولار).
وقالت «كابيتال إيكونوميكس» إنّ «السعودية تحتاج لسعر 85 دولاراً لبرميل النفط لضبط ميزانية الحكومة، لكن 50 دولاراً فقط لضبط ميزان المعاملات الجارية.. سيسجل الاثنان عجزاً في ظلّ الميزانية الحالية لكن عجز الميزانية سيكون أكبر بكثير عند 15 في المئة من الناتج الإجمالي».
وتداركاً للوضع، بدأت الرياض الاستعداد لمرحلة من التقشف، وهو ما أكدته مصادر مطلعة لوكالة «رويترز»، وقد كشفت عن أنّ الحكومة السعودية طلبت من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بما لا يقل عن 20 في المئة.
ضمن ذلك، يبدو أنّ الرياض مُصمّمة على معاداة موسكو نفطياً، غير مدركة أنّ روسيا الاتحادية لها خبرة في الحروب على جميع أشكالها، وهي كدولة عظمى قادرة على الربح في هذه الحرب، فقد أكدت موسكو أنها مستعدة لمواجهة الأمر خاصة انّ ميزانيتها قائمة على أساس سعر40 دولاراً للبرميل، وقد قال المتحدث باسم الكرملين «ديمتري بيسكوف»: «إنّ بلاده تتعامل مع الوضع على انّ التقلب في السوق الناجم عن انهيار أسعار النفط سيستمر مؤكداً أنّ الاقتصاد الروسي لديه احتياطات كافية وهو قوي بما يسمح لمواجهة عدم الاستقرار المؤقت في السوق».
هذا الأمر أكده أيضاً ألكسندر بورنو مدير الأبحاث في شركة الدراسات NXTanalytic حين قال إنّ «روسيا على الأرجح يمكنها أن تتحمّل لفترة أطول من السعودية انخفاض أسعار النفط». ويوضح بورنو أنّ السبب بذلك يعود إلى الاستراتيجية المالية التي اتبعتها موسكو خلال الأعوام الماضية، حيث عملت على زيادة حصة الذهب في احتياطياتها على حساب الدولار حيث يبلغ احتياطي روسيا من الذهب والعملات الأجنبية نحو 570 مليار دولار».
في النتيجة، هي حرب مُتعمّدة تقودها السعودية، واستمراراً لنهج ترامب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا، فأضرار حرب النفط وصلت للأسواق والأسهم العالمية، والتي لا بدّ إنْ طالت مدّتها ان تؤثر على أسواق الائتمان والمصارف الاستثمارية، والتي ستنعكس بالتالي على الشركات الصغيرة، وعطفاً على الفرد والمجتمع.
مقامرة خطيرة تلعبها بعض الأطراف الدائرة في فلك السياسات الأميركية، والمضحك المبكي أنّ صاحبة الذهب الأسود تقوم بالتقليل من قيمته الأساسية والمضافة، رغم أنها تُدرك جيداً انّ الحرب التي أُقيمت في الشرق الأوسط، ما هي إلا لتحقيق السطوة على ثروات المشرق العربي من قبل واشنطن والكيان «الإسرائيلي».