المصارف فالج لا تعالج
ناصر قنديل
– بمعزل عن كثير من النقاط التي تحتاج نقاشاً في الخطة الاقتصادية للحكومة اللبنانية، فإن سؤالين رئيسيين يواجهان السيناريوات التي تقترحها: الأول، ماذا عن فرص الحصول على مساهمات مالية خارجية بحجم يلبي الحد الأدنى الذي تستثمر عليه الخطة للسيطرة على الوضع المالي، خصوصاً مع موجة التراجع المالي والاقتصادي التي تجتاح العالم وأولوية رصد الأموال لمواجهة تداعيات الركود الاقتصادي والانهيارات المالية، إضافة لمواجهة جائحة كورونا؟ والثاني، ماذا عن إمكانية التجاوب والتفاعل الإيجابي من القطاع المصرفي مع الخطة المالية والاقتصادية، التي تستند في مقاربتها لسيناريو الفرضية الثانية الى الإمكانات الذاتية اللبنانية في حال عدم الحصول على مساهمات دولية يرتكز عليها السيناريو الأول، وفي قلب الاعتماد على الذات رهان على تجاوب المصارف؟
– القضية أولاً وأخيراً هي أن تدرك الحكومة ما إذا كان التعاون ممكناً مع القطاع المصرفي، وما إذا كانت المصارف تتعامل مع الأزمة بصفتها أزمة وجود وطني تستدعي تضحيات من كل الأطراف المعنية بالأزمة المالية، والمصارف في مقدمتها، أو ما إذا كانت المصارف تعترف بنصيبها من المسؤولية عن الانهيار المالي، والمصير المظلم الذي ينتظر ودائع اللبنانيين، أو ما إذا كانت المصارف من موقع إدراك مصالحها تعي بأن النهوض إما أن يكون لكل الاقتصاد والمالية العامة، أو سيسقط الجميع وتضيع الثروات اللبنانية ومن ضمنها المصارف، أو ما إذا كانت المصارف تتقبّل أنها تختلف عن كل شركات القطاع الخاص التي تتصرّف برساميل أصحابها فقط، بينما هي شركات مختلطة عملياً، فرأسمال المصرف هو عملياً 5% من الأموال التي يتصرّف بها، وهي أموال اللبنانيين الذين تتحمّل الدولة مسؤولية حمايتهم، بمعزل عن حجة المصارف بأنها وضعت ودائعها في عهدة مؤسسة عامة هي مصرف لبنان وقام بمنحها كديون للدولة، أو أنها استثمرتها في سندات الدين العام للدولة، والمصارف كشركات خاصة تمكّنت من نيل أموال المودعين بموجب الامتياز العام الذي منح لها دون سائر مَن يملكون أموالاً، وبالتالي فإن التعامل مع المصارف لا يستقيم بأحادية اعتبارها مجرد قطاع خاص؟
– المصارف اللبنانية خارج كل هذه الفرضيات، فهي تكابر وتعاند، والأصح أنها تشتغل على تخريب كل خطة حكومية للنهوض ومعالجة الأزمة المالية، ورهانها إيصال الحكومة إلى الفشل لرد الاعتبار لبرنامج صندوق النقد الدولي، الذي قد يرفض التعاون مع الخطة الحكوميّة، لأنه يسمع من المصارف تطمينات وتحريضاً، تدعوه للرفض لإيصال الحكومة إلى الاستسلام، والتسليم بالشروط، وفيما تعتمد الخطة الحكومية على ثلاثة موارد لتمويل مرحلة النهوض والسيطرة على الأزمة المالية، هي مساهمات مصرف لبنان، ومساهمات المصارف، وموارد الضرائب الجديدة على اللبنانيين، تريد المصارف وربما مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي معها الاستناد إلى مورد واحد هو المزيد من الضرائب. فصفيحة البنزين مقترحة بخمسين الف ليرة وليس بخمسة وعشرين فقط كما في الخطة الحكومية، والضريبة على القيمة المضافة مطلوبة بـ 20% على كل السلع وليس بـ 15% على سلع لا تمس الفقراء وفقاً لخطة الحكومة.
– مشكلة الحكومة مع التمويل اللازم كما بدون هذا التمويل، تبدأ من المصارف ومصرف لبنان، والجواب هو حصراً بخطة تفرض بقوة القانون تجعل رساميل المصارف 50 مليار دولار بدلاً من 20 عبر تحويل نسبة من ودائع كبار المودعين إلى أسهم في رأسمالها الجديد، وجعل الودائع 100 مليار دولار بدلاً من 160 مليار بعد حسم نسبة الودائع التي صارت أسهماً، وحسم نسبة أخرى من الودائع تمّ إستبدالها بموجودات عقارية متضخمة لدى المصارف ينالها المودعون كملكيات عقارية، وعندها سيكون متاحاً للدولة فرض استبدال 50 مليار دولار من ديونها للمصارف بأسهم في شركات تمنح امتياز استثمار مرافق إنتاجية للدولة، ويكفي القول إن قيمة أسهم شركات تملك هذه الامتيازات الاستثمارية دون المساس بملكية الأصول في قطاعات الاتصالات والأملاك البحرية والمطار ومرفأي بيروت وطرابلس وشركتي الميدل إيست والكازينو، تعادل أكثر من 100 مليار دولار يمكن منح 30% منها مقابل ديون تتم إعادة تقويمها محسوبة دفترياً اليوم بـ 50 مليار دولار، إضافة لشطب ما يعادل 15 مليار دولار محسوبة دفترياً بين الدولة ومصرف لبنان. وهذا يعني ديوناً بـ 50 مليار وودائع بـ 100 مليار وإنتاج محلي بـ 50 مليار. وهنا يمكن مخاطبة مصادر التمويل.
– هذا نوع من التأميم، صحيح، لكنه النوع الذي يشبه ما فعلته أميركا وفرنسا وبريطانيا في أزمة عام 2008، وإلا فالباقي مع المصارف فالج لا تعالج.