«كورونا ـ كوفيد 19» وضع العالم كله في مستوى واحد أمام مجهر الالتزام والمسؤولية الإنسانية لبنان يواصل التعبئة وفق هيكلية الصين… وفرنسا تعاني من نقص في مواد التخدير والكمامات
عبير حمدان
يتابع العالم كفاحه في وجه فيروس كورونا المستجدّ وتتضارب الدراسات بين من يعتمد التهويل ومن يستند إلى الدراسات العلمية وفق الحسابات الرياضية المتصلة بتطور الفيروس الذي هو فرد من عائلة كورونا الجديدة ـ القديمة. في لبنان ورغم الواقع المتسم بالحذر إلا أنّ الإجراءات المعتمدة من قبل الحكومة ووزارة الصحة تبشر بالخير مع استمرار التعبئة التي قد تصل إلى أواخر شهر أيار.
بحسب التقارير المتداولة يبدو أنّ أوروبا تعاني كما أميركا تصاعداً في عدد الإصابات، ولعلّ هذا الوباء دفع الكثيرين إلى إعادة حساباتهم في ما يتصل بالانبهار بالغرب وقدراته حيث أنّ عدواً غير مرئي بالعين المجردة وضع العالم كله في نفس المستوى.
فماذا يقول العلم والطب بعد أكثر من شهرين على اجتياح الفيروس للعالم، «البناء» سألت أهل الاختصاص حول مراحل تطوّر الفيروس وتصاعد الإصابات ووقت الذروة وحجم الفروقات بين بلد وآخر.
ـ د. محمد حمية: سنشهد حالات شفاء أكثر من حالات الإصابات ولاحقاً جميع الدول ستتبع هيكلية الصين
ـ الدكتور أنطوان الاشقر: المضاد الوحيد لفيروس كورونا المستجد هو المناعة الذاتية
ـ د. ندى شمس الدين: بعد انتهاء التعبئة يجب أن تكون العودة إلى الحياة الطبيعية مدروسة
د. حمية: هيكلية الصين
أشار نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) الدكتور محمد حمية إلى أنه رغم عودة المغتربين التي أثرت على الدراسة البيانية لواقع مراحل انتشار فيروس كورونا المستجدّ في لبنان لجهة التصاعد والثبات في الأرقام، إلا أنّ الهيكلية المعتمدة تبعث على الاطمئنان مقارنة بباقي الدول مثل فرنسا وأميركا، وفي اتصال مع «البناء» قال: «كنت قد قلت في وقت سابق إنّ عودة المغتربين ستؤثر على أرقام الدراسة، حيث أنه ومن خلال آخر نظرية علمية أكدت أننا سنصل الى 650 حالة في منتصف نيسان بناء على الخط البياني الأسود والأمل كان ان نبتعد على الرقم 950 ضمن خط الوقاية باللون الأخضر. ولكن كما تعلمين أنه في بداية دراستي كنت قد اشترطت على ضرورة معرفة الأعداد الطارئة جراء عودة المغتربين، والظاهر في الأمور انّ المغتربين لوحدهم تخطوا الـ30 حالة مما أثر على الدراسة بشكل تلقائي وموضوعي وبدأت الأرقام تخرج عن الخط الأسود، ولكن رغم ذلك أدعو الجميع الى الاطمئنان حيث أننا نحترم الأنظمة الوقائية وحتى لو ارتفعت هذه الأرقام سنعود الى 950 حتى لو تمدّد وقت التعبئة هذه النظرية الأولى، اما النظرية الثانية نحن كنا قد قلنا أننا باقون إلى شهر أيار، وبالتالي لدينا سقف كامل لناحية الأرقام وسيكون هناك حالات شفاء أكثر من حالات الإصابات».
أضاف: «علينا ان ننظر من خلال الدراسة إلى ما حصل في أميركا في الخط البياني الأسود مقابل الصين في الخط الأحمر، وفي إيران الرسم البياني الأخضر وفرنسا الخط البرتقالي، بالنسبة الى لبنان هناك الخط الأزرق السماوي، وحين نقرأ هذا الرسم البياني سنرى أنّ لبنان والصين وإيران ضمن نفس الهيكلية والعامل التصاعدي، رغم انّ إيران كانت في البداية تشهد ارتفاعاً سريعاً في الأرقام، ولكن في النهاية اتبعت هيكلية الصين وكذلك لبنان».
وتابع: «في دراستي السابقة كنت قد قلت إنّ فرنسا في منتصف نيسان ستصل إلى ثمانين ألف حالة ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ فرنسا اليوم بدأت تستقرّ على 81 ألف حالة حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وهناك ثبات في هذا الرقم وقد يصل إلى 84 الف حالة كحدّ أقصى، مما يؤكد انّ الدراسات ما زالت ثابتة والأرقام في لبنان لن تتخطى المستوى المحدّد في الدراسة. وما يؤكد أيضاً وفي حال عدم دخول إيّ عامل خارجي نحن حتى منتصف أو أواخر أيار الأرقام ستكون ضمن سقف هذه الدراسة.
نحن على مقربة من الانتهاء من التصاعد، إذا نظرنا الى الصين بعد مضي 40 يوما بدأ الخط البياني بالثبات لجهة الأرقام، وفي إيران عند حدود 50 يوماً بدأت الحالات تثبت، وأنا كنت قد قلت إنّ لبنان بعد مضي 54 يوما ستبدأ الأرقام بالثبات ولو زادت الأعداد جراء عودة المغتربين لكننا نسير على خطى الصين وايران».
وفي مقارنة مع أميركا وفرنسا، قال حمية: «المشهد مختلف كلياً في أميركا وفرنسا، فبدل أن تبدأ الإصابات بالتصاعد لتعود وتثبت حصل أمر مغاير، حيث أنّ هناك إصابات لم يتمّ الإعلان عنها في بداية الأمر، فرنسا أعلنت في 15 شباط عن أول حالة كورونا وفي الحقيقة وبناء على الدراسة التي أجريتها كانت هناك ثلاث حالات في 25 كانون الثاني لم يُعلن عنها، وهذا أمر صادم، وبقيت على مدى 25 يوماً من ثلاثة إلى اثني عشر حالة مستهترة بالواقع إلى ان حصل التصاعد السريع، وبالتالي ستدفع ثمن تضييع الفرصة من حالة الصفر إلى وقت الإعلان الأول مما سيجعل أيام التعبئة عندها أطول وقد تبلغ الثمانين يوماً، وهذا ما حصل في أميركا مما سيجعل الأرقام جداً عالية، ومن هنا لا بدّ أن يذهب الجميع إلى هيكلية الصين كي يصل الى الثبات المطلوب الذي حققته بعد مضيّ 50 يوماً».
وختم حمية: «في الرسم البياني الثالث وضعتُ نقطة الالتقاء لجميع الدول من نقطة واحدة والأمر المهمّ أننا نجد نقطة تحوّل بالنسبة للصين وإيران ولبنان بحيث يكون التصاعد سريعاً ولكن يتحوّل بشكل مطمئن هبوطاً، اما لناحية أميركا وفرنسا فإنّ الوقت الضائع ثمنه وقت تعبئة مضاعف.
أدعو الجميع أن لا يسأل متى ستتناقص الأعداد، لأنّ الأعداد رهن سيطرة حالات الشفاء على حالات الاصابات كما يحصل في الصين».
د. الأشقر: الانتشار سيخفّ لوحده
من ناحيته شدّد الدكتور أنطوان الأشقر المختصّ بالأمراض الصدرية والسرطانية على ضرورة الالتزام بالحجر المنزلي، لافتاً إلى أنّ جالات الشفاء تتكاثر، وقال: «في ملخص عام أكرّر ما صرحت به في أول لقاء مع «البناء» أنّ الوباء الذي بدأ في الصين التي اعتمدت نظام حجر عسكري أعطى ثماره لناحية السيطرة على انتشاره، ولكن العلاقات التجارية بين ايران والصين جعله يمتدّ الى إيران ولاحقاً الى إيطاليا والى كلّ العالم، ولم تسلم السفن السياحية أيضاً منه.
وتطور الوضع في فرنسا منذ نهاية شهر شباط وفي أول لقاء تلفزيوني لي في 24 شباط كان هناك 12 إصابة وبعد 10 أيام وصل العدد الى ما فوق 2000 إصابة، وبدأ الانتشار بشكل سريع واضطررنا ان نُستنفر في عملنا بشكل هائل، النظام الصحي في فرنسا خاضع لتقسيمات إدارية تابعة لوزارة الصحة التي تعطي الترخيص بعدد المعدات والأسِرّة وكلّ المستلزمات الطبية، انا في الخط الأمامي لمكافحة هذا الوباء، وقمنا بإنشاء خلايا عمل او أزمة تحت إشراف الوكالة المحلية للصحة التي تدير الأمور بإسم وزارة الصحة الفرنسية.»
وأضاف: «في ظرف أسبوع جميع مستشفيات فرنسا قلبت طريقة عملها رأساً على عقب وتمّ إغلاق جميع غرف العمليات وأرسلنا المرضى القادرين على العودة الى بيوتهم وأنشأنا أقساماً مخصّصة لاستقبال المصابين بالفيروس في غرف معزولة وأصبح عمل الأطباء متواصلاً بوتيرة متصاعدة وكذلك الممرضين والممرضات. بمعنى انّ جميع اقسام المستشفى ممثلين بخلية الأزمة.
الضغط الهائل كان على شرقي فرنسا ومنطقة باريس الكبرى كمنطقتين فيهما انتشار غير مسبوق للفيروس، وانا لم أرَ في حياتي هذا العدد الهائل من المرضى المصابين بداء واحد والمشهد يذكرني بمرحلة مرض السيدا في الثمانينات. هذه المرحلة التصاعدية للوباء استمرت ثلاثة أسابيع، واليوم بدأنا نرتاح قليلاً حيث بدأ العدد يقلّ نسبياً.»
وتابع: «مريض الكوفيد 19 هو حالة بحدّ ذاتها حتى ما بعد الاستشفاء، الآن بدأنا بإخراج متعافين من العناية الفائقة ولكنهم بحاجة الى عناية ومتابعة لإعادة التأهيل والتمرين.
بدأ الحجر المنزلي في 17 آذار وفي بلد الحريات من الصعب عن الناس تحمّل الأمر وكثر لم يتقبّلوا الفكرة، الشرطة سطّرت مخالفات في حق كلّ شخص يخرج من منزله، ذلك لانّ هذا الفيروس ينتقل بشكل سريع بين الناس.
المريض الموجود في العناية الفائقة معزول بالكامل، في فرنسا بدأنا نعاني من نقص في أدوية التخدير، ولم يعد هناك كمامات كافية، وبعض المصانع المحلية هنا بدأت بتصنيع الكمامات، الحجر المنزلي سيستمرّ أكثر من شهرين في فرنسا وفعلياً بدأ المجلس الدستوري في دراسة واقع الحدّ من الحرية الفردية وقانونيته. وألغيت الامتحانات الرسمية فيها بمعنى أنّ المدارس لن تفتح ابوابها في فرنسا قبل أيلول، والعطل الصيفية تمّ الغاؤها، الخلاصة انّ الحجر المنزلي سيستمرّ حتى بداية الصيف كي يتمّ احتواء الفيروس وعدم انتقال العدوى.»
وحول كيفية انتهاء الحجر المنزلي، قال: الصين بقيت كما كوريا شهرين ونصف الشهر، اما كيف سينتهي الحجر فذلك يجب أن يكون تدريجياً، ولا أخفيك امراً أنّ الأمر خطير جداً حيث بدأ نقل مصابين من حاملة الطائرات «شارل ديغول» الى المستشفيات.
كلّ ما يُقال وينشر عبر بعض الإعلام ووسائل التواصل انّ هناك دواء يشفي المرضى غير صحيح، انتشار «كوفيد 19» لوحده كما ظهر لوحده، والمضادّ الوحيد له هو مقدار مناعة الانسان. وبالتالي حتى لو كانت الإصابات قليلة في منطقتنا أدعو جميع المواطنين هناك الى الالتزام بالحجر المنزلي والتعبئة بانتظار كيفية مسار تطوّر الفيروس. من موقعي اشدّد على ضرورة التخلي عن العادات المتصلة بالاحتفاء بالأعياد في بلادنا لناحية التقارب الاجتماعي والأولوية في هذا الوقت العصيب للصحة، لذلك أقول للجميع يمكنكم ان تحتفلوا في بيوتكم وأرسلوا معايدتكم عبر وسائل التواصل».
وختم: «حالات الشفاء تتكاثر وهذا أمر جيد وأعطيك مثالاً على ذلك لمريض قال لي لحظة دخوله المستشفى إنه يريد الخروج على قدميه وبالفعل هذا ما حصل بعد 11 يوماً وهنا يكمن دور المناعة الذاتية للإنسان.
80% في باريس من الشباب الذين دخلوا الى المستشفيات لديهم بدانة مما يضعف مناعتهم، لذلك يجب التنبّه الى هذا الأمر لناحية لياقة الجسم وممارسة الرياضة ونمط الغذاء الصحي.
اما للمدخنين اؤكد انّ الدخان يسبّب مضاعفات أكثر في حال تعرّضوا للإصابة ذلك لأنّ التدخين يخفف المناعة».
د. شمس الدين: العودة إلى الحياة الطبيعية مدروسة
من جهتها اعتبرت الدكتورة ندى شمس الدين المختصة بالأمراض الجرثومية والمعدية، أننا امام تحدّ جديد بعد عودة المغتربين وظهور حالات عدة في بشري، وقالت: «بعد شهر على التعبئة يمكن القول إننا في لبنان كنا قد بدأنا نحصد نتائج إيجابية لناحية تناقص الأعداد بشكل ملحوظ إلى أن دخل عنصران مهمان رفعوا الأعداد وهما عودة المغتربين ووضع منطقة بشري، ولكن هذا لا يعتبر إعادة انتشار إنما يمكن اعتباره تحدياً جديداً للخطط الموجودة، وفي حال تمّ تطبيق اللازم بشكل دقيق على العائدين من بلاد الاغتراب او أيّ إصابات محتملة ممكن ان تظهر خلال الأيام الـ 14 المقبلة يمكن أن نصل إلى العدّ التنازلي في الأرقام وبالتالي نكون حافظنا على استمرارية التحسّن في لبنان.
في دول أخرى شهدنا ارتفاعا سريعا في الارقام ومن ثم ركودا وبعدها انحسارا، منظمة الصحة العالمية تحذر دوماً من العودة الى تراكم أرقام جديدة في حال توقفت سياسة الضبط التي تتبعها الدول لمنع هذا الانتشار أيّ إذا تمّت العودة الى ممارسة الحياة بدون ضوابط حيث ممكن ان تتراكم أرقام الإصابات بشكل جديد وسريع».
وحول طبيعة الفيروس المستجدّ وما أحاط به من تقارير ومعلومات متضاربة، قالت:»في ما يتصل بطبيعة الفيروس فهناك اخبار متضاربة، ولكن منذ بداية انتشار هذا الوباء في الصين نهاية العام المنصرم تمّ تشخيصه بأنه من نوع كورونا وانها تنتقل بالرذاذ والتلامس وحتى الآن لم تغيّر منظمة الصحة العالمية هذا التصنيف الفيروسي للكورونا فهو تصنيف عالمي، اما بالنسبة للأسطح فإنّ أيّ فيروس ينتقل بالرذاذ يمكن أن يتراكم على الأسطح المجاورة للمريض ويلوّثها وبالتالي الاحتكاك بهذه الأسطح ينقل الفيروس الى اليدين ثم الى الجهاز التنفسي هذا على الصعيد النظري، أما عملياً وبالنسبة لفيروس كورونا المستجدّ فقد اثبتت كلّ الحالات السريرية انه ينتقل بالاحتكاك المباشر من شخص الى آخر وعبر الإفرازات التنفسية مباشرة وانّ موضوع تلامس الأسطح لم يشكل طريقة أساسية لانتقال العدوى بشكل مباشر».
وتابعت: «في ما يتصل ببقاء الفيروس على الأسطح فإنّ كلّ المعلومات التي تمّ تناقلها كانت تعتمد على طبيعة فيروسات كورونا السابقة سواء «الميرس كوف» في السعودية أو «السارس كوف» في الصين وليس على الكوفيد 19، الآن الدراسات حول هذا الفيروس المستجدّ وخاصة التي تمّ إجراؤها أخيراً في ألمانيا ولا زالت قيد البحث تشير إلى انّ هذا الفيروس لا يعيش على الأسطح لأكثر من نصف ساعة وفي أكثر الأحيان لا تعيش على الأسطح حسب نوعها ولكن هذه الدراسات لم تصدر نهائياً بعد ونحن بانتظار صدورها، مع التأكيد أنّ العدوى تنتقل عبر الاحتكاك المباشر بين شخص وآخر وبناء على ذلك يجب تطبيق الحجر على كلّ الأشخاص الذين هم على تماس مع حالة مفردة ويجب عزل هذه الحالة، إذا العزل والحجر هما الشيئان المعتمدان عالمياً لاحتواء الفيروس والسيطرة على انتشاره».
وأضافت: «ليس هناك من معلومات تفيد بأنّ هذا الفيروس قد ينتهي مع ارتفاع درجات الحرارة ولكن قد يتراجع، والكلام عن هذه النقطة هو مجرد افتراض لكن المتوقع، وبناء على طبيعة فيروسات كورونا السابقة يمكن القول إنه قد لا ينتهي أثناء فصل الصيف.
لا يمكن الجزم أنّ الفيروس معدل بيولوجياً ذلك أنه حتى الآن لم يصدر أيّ تقرير رسمي من الجهات الصحية والعلمية وفي مقدّمها منظمة الصحة العالمية حول هذه الفرضية، لذا يبقى الأمر مجرد احتمال وارد دون أيّ تأكيد».
وختمت: «بعد انتهاء فترة العزل يمكن للشخص المصاب ان يعود الى الحياة الطبيعية بعد إجراء فحصين PCR وتكون النتيجة السلبية للفحصين معاً، ولكن هذا لا يعني أنّ البلد يجب أن تعود الى الحياة دفعة واحدة إنما ضمن إجراءات تدريجية وتكون مصنّفة على عدة خطوات مدروسة».