بين سياسة الحرص على شعبها ومناعة القطيع تركيا تستكمل حربها في ليبيا…
} د. هدى رزق
تركز الحكومة التركية في الوقت الحاضر على عالم ما بعد جائحة كورونا والدور الذي ستلعبه تركيا في البيئة الجديدة، التي ستسفر عن هذا الوباء، وأوضح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أنه لن يبقى شيء على حاله في العالم في حقبة ما بعد الفيروس التاجي، متنبّئاً بعالم يسود فيه الإنتاج والتوزيع العادل للثروة. وقال إنّ هذه ستكون نهاية حقبة تمّ خلالها صنع الثروات من خلال الأدوات المالية المتلاعبة أو أسعار الفائدة أو البورصات. وشدّد على التركيز بمواصلة الإنتاج والاستمرار في التصنيع وشجع على عدم ترك أرض من دون زراعة وشجع الأتراك على العمل للحصول على مكان في العالم الجديد..
كلّ ذلك يمكن فهمه في إطار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية والتي لم تدعُ كافة الأتراك للبقاء في المنزل اذ تفتقر الحكومة إلى القوة المالية للتعويض الجزئي عن تكلفة فقدان الوظائف للشباب لإبقائهم في المنزل. ومع ذلك تحمّلهم مسؤولية الخروج وتشجّعهم على البقاء في المنزل.
حزب العدالة والتنمية لا يستطيع تحمّل تعميق سخط الناخبين الذي ساد بسبب الأزمة الاقتصادية والركود وتدني سعر العملة عام 2018. احتجاز المحتاجين إلى منازلهم سيكون يمثابة زيادة الدعم لحزبي المعارضة الجديدين اللذين شكلهما المنشقون عن حزب العدالة والتنمية مما سيؤدّي الى سعي الناخبين إلى حكومة بديلة، فالحكومة الحالية عالقة بين الحاجة التي لا غنى عنها لإبقاء عجلات الاقتصاد تدور والهدف المتمثل في معالجة الوباء بكفاءة من خلال تدابير جزئية أو تدريجية. استجابة الحكومة للوباء بدأت تتشكل تحت ضغط المخاوف الاقتصادية والسياسية، فقد اتبعت أنقرة سياسة صارمة قابلة للتعديل جزئياً بدلاً من فرض تدابير شاملة ونهائية وصارمة في الوقت المناسب.
إلا انها تعمل على التسييس في هذه المرحلة والدخول في تنافس مع المعارضة إذ منعت الحكومة المبادرة التي قام بها عمداء حزب الشعب الجمهوري في كلّ من اسطنبول وأزمير وأنقرة لجمع التبرّعات للمحتاجين، قامت حكومة أردوغان بإحباط أيّ روابط يمكن أن تعززها المعارضة الرئيسية مع القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية. علاوة على ذلك، قامت بحملة تبرّع وطنية من أجل احتكار جمع الأموال، وهي تحوّل التضامن الاجتماعي ضدّ الوباء إلى عالم آخر من التمييز السياسي والاستقطاب، وبالتالي تثير عوائق جديدة أمام التضامن. لا تتخلى الحكومة التركية عن استكمال سياسيتها الخارجية وتدخلها في سورية وليبيا.
وبالرغم من جهود وقف إطلاق النار وحظر الأسلحة تجدّد القتال في ليبيا، إذ يتكئ القتال على دعم الطائرات بدون طيار، إذ تبدو المعركة وكأنها سعي من أجل إثبات التفوّق الجوي الذي يبشر بمزيد من التصعيد على الرغم من تفشي فيروس كورونا. فيما يبدو انّ هناك احتمال ان ترسل تركيا مزيداً من المساعدات العسكرية الى حلفائها.
لا يبدو انّ انتشار الفيروس شكل مانعاً للمشير خليفة حفتر الذي استمرّ في إشعال القتال في ليبيا منذ الأسبوع الثاني من آذار/ مارس، حيث شنّ هجوماً على طرابلس، معززاً بإمدادات أسلحة جديدة من الإمارات العربية المتحدة الإمارات والسعودية ومصر، وشدّد حصاره للعاصمة من الجنوب ولمصراتة من الجنوب الشرقي.
حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، المدعومة من تركيا ردّت بهجوم مضادّ تحت اسم عملية «عاصفة السلام» حيث استخدمت تكتيك زيادة الطائرات بدون طيار المسلحة التي تستهدف مراكز القيادة البارزة وأسلحته إلى جانب المدفعية والصواريخ.
تبادل الطرفان الاتهامات على الرغم من الهدنة الإنسانية، واتهمت حكومة الوفاق قوات حفتر بالهجوم وقتل مدنيين، وكذلك ثلاث ضباط. أما قائد العمليات في حكومة الوفاق فهو الجويلي الذي تدرّب في تركيا في 25 آذار والذي شنّ هجوما ناجحا على قاعدة الوطية الجوية التي يسيطر عليها حفتر ومحور ويشكا شرقي مصراتة، بدعم من الهجوم الجوي، إذ استهدفت الطائرات بدون طيار التركية مركز قيادة، وقد مُني حفتر بخسائر كبيرة في الأرواح لا سيما من القيادات العسكرية بعد التشويش على اجهزته الالكترونية، وكانت تركيا قد نقلت أجهزة تشويش الرادار الى حكومة الوفاق.
تنشر تركيا أنظمة الدفاع الجوي متوسطة المدى في طرابلس حيث تبدو المعركة سباقاً من أجل التفوق الجوي، على الرغم من أنّ عملية «عاصفة السلام» اعتمدت بشكل كبير على الطائرات المسيّرة كذلك على الطائرات التركية الاستخياراتية لجمع المعلومات.
تبدو كلّ من محادثات موسكو ومؤتمر برلين التي جرت في يناير/ كانون الثاني 2020 لاغية في ظلّ القتال المتصاعد والحرب المتصاعدة بين الطرفين للسيطرة على المجال الجوي.
إذ واصلت كلّ من تركيا والكتلة الإماراتية السعودية شحن الأسلحة إلى حلفائها. وبالمثل، لا تزال مجموعة واغنر الروسية في ليبيا تدعم قوات حفتر.
وصول جائحة COVID-19 إلى ليبيا، دفع البعض إلى الأمل في أنّ القتال قد يتوقف، لكن يبدو المقاتلون على الأرض عازمين على الاستمرار وأنّ المزيد من التصعيد أمر لا مفرّ منه في ليبيا في الأسابيع المقبلة…