كورونا خطف العالم من التنافس على أسبقية التسلّح إلى التنافس على إيجاد اللقاحات…!
} ليليان العنان
يعيش العالم منذ نحو أربعة أشهر في عتمة فيروس كورونا الذي ظهر بداية في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الفائت ٢٠١٩ بمدينة ووهان الصينية، وسرعان ما انتشر في ما بعد ليضرب أكبر الدول وأكثرها تقدّماً في الاقتصاد والعلم وتحديداً على الصعيد الطبي والاستشفائي.
ومع كلّ هذا التطور البشري والتقني الذي وصلنا إليه، إضافة إلى القدرات المالية والكوادر الطبيّة والمعرفية والمعلوماتية التي يمتلكها العالم، إلا أنه حتى هذه اللحظة لا يزال عاجزاً عن إيجاد لقاح مضادّ يقضي على فاعلية هذا الوباء الذي بدأ انتشاره السريع يهدّد العالم أكثر من أيّ وقت مضى، وعلى الرغم من أنّ أكبر الدول تتسابق في ما بينها حول اختراع عقار مناسب، إلا أنه حتى الآن لا يوجد سقف محدّد لإمكانية القضاء على الفيروس وهذا ما يزيد الأمور سوءاً.
ولكن إذا تطلعنا جيداً في أحوال بعض البلدان التي يتغلغل فيها الفيروس بشكل كبير كالولايات المتحدة الأميركية، الصين، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، إيران وغيرهم…، فإننا في المقابل نجدهم يتسابقون في ما بينهم حول إمكانية صنع لقاح حصري ولأهداف سنذكرها لاحقاً، كأنّ العالم بذلك يعيش سباق لقاحات شبيه بسباق التسلح الذي يعدّ هدفاً عسكرياً مهماً بالنسبة للدول.
ولإيضاح عقدة الربط ما بين سباق التسلح واللقاح يجب أولاً إلقاء الضوء ولو نسبياً على تاريخ سباق التسلح… مفهومه، أسبابه، وأهدافه التي أوصلت العالم إلى ما هو عليه اليوم.
إذ يعتبر سباق التسلح ظاهرة متكاملة عسكرياً، سياسياً، اقتصادياً، وحتى صناعياً، وهو يدخل أيضاً ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻟﺘﻨﺎفس بين ﺍﻟﺩﻭل ﺃﻭ ﺍﻟﻘوى ﺍﻟﻤﺘﺼﺎﺭﻋﺔ بحيث يسعى كلّ طرف لتحسين ﺍﻷنظمة ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ يمتلكها ﻓﻀﻼً ﻋﻥ ﺯيادة ﺍلطﺎﻗﺎﺕ الإنتاجية وصولاً ﺇﻟﻰ ﺃفضل ﺍﻟﻘﺩﺭﺍﺕ ﺍلدﻓﺎﻋﻴﺔ أو الهجومية.
وقد ساهمت الثورة التكنولوجية جيداً في إنتاج الأسلحة وتطويرها بهدف إرتفاع معدل التغيّر في نظم التسلّح والوصول إلى مستويات عالية وغير مسبوقة.
وقد شاهدنا أنّ هذا السباق برز ما بين القطبين الأساسيين، الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي سابقاً، اللذين اجتاحا العالم بسياساتهما من حيث القوّة العسكرية والمالية والإقتصادية.
هذا السباق انتشر بشكل واضح بعد الحرب العالمية الثانية التي أدّت إلى بروز هذين المعسكرين العالميين بانتقالهما من خوض المعارك العسكرية المباشرة على الأرض إلى بناء ترسانات عسكرية دولية تتفوّق فيها الواحدة على الأخرى، خاصة ما نتج عن تلك الحرب من سياسات وأزمات، ولعلّ أهمّها كان أزمة الصواريخ الكوبية في العام ١٩٦٢ حيث كان الإتحاد السوفياتي حينها متحالفاً مع كوبا، ذلك كان ضمن أحداث الحرب الباردة، وتعتبر هذه الأزمة أقرب الأزمات التي كادت أن تؤدي إلى حرب نووية شاملة.
إضافة إلى السلاح النووي الذي تمثل بقنبلتي «هيروشيما وناغازاكي» وما تبعهما من أزمات دولية واتفاقيات ومعاهدات للحدّ من التجارب النووية التي كانت لها آثار سلبية على العالم أجمع، وما إلى ذلك من حروب متقطعة ومتواصلة استخدمت فيها أسلحة متنوّعة وعلى سبيل المثال:
ـ أسلحة الدمار الشامل التي تحدث أضراراً خطيرة إضافة إلى أنها محرّمة ﺩﻭﻟﻴﺎً ﻭكلّ من يستخدمها ضدّ المدنيين يصنف على أنه مجرم حرب.
ـ أسلحة كيميائية تستخدم لتدمير أو تحجيم مجموعة بشرية معيّنة، وذلك لأجل تحقيق أهداف مختلفة، إذ أنّ هذا النوع من السلاح له فعالية على الكائنات الحيّة، ويختلف تصنيفه بحسب شدة تأثيره أو حسب إمكانية السيطرة عليه.
ـ أسلحة نووية هي أسلحة تدمير فتاك تستخدم عمليات التفاعل النووي، وهذا النوع من الأسلحة يعتمد في قوته التدميرية على عملية الانشطار النووي أو الاندماج النووي، ونتيجة لهذه العملية تكون قوة انفجار قنبلة نووية صغيرة أكبر بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية، حيث أنّ بإمكان قنبلة نووية واحدة تدمير أو إلحاق أضرار فادحة بمدينة بكاملها، لذا تعتبر الأسلحة النووية أسلحة دمار شامل ويخضع تصنيعها واستعمالها إلى ضوابط دولية حرجة ويمثل السعي نحو امتلاكها هدفاً تسعى إليه كلّ الدول.
ـ أسلحة بيولوجية هي حديثة العهد، إذ أنها كانت تستخدم سابقاً أيام الرومان حيث كانوا يقومون بتسميم الأزهار وآبار المياه، ومن ثم عادت واُستخدمت في العصر الحديث أيام الحرب العالمية الأولى، وتتكوّن الأسلحة البيولوجية من مكوّنات بكتيرية سامة أو سموم بكتيرية، ولعلّ أخطرها تمثل في الجدري والجمرة الخبيثة والسرطان وهي تعمل على حرق الإنسان وتشويه جسده.
ويعتبر هذا النوع من السلاح من أخطر الأسلحة الموجودة على وجه الأرض إلى الآن حيث أنه فاق في قوّته السلاح النووي في الحروب من حيث القوة التدميرية والآثار المترتبة عليه بشرياً ومادياً.
ولغاية هذا اليوم أيّ ما قبل جائحة «كورونا» لا زلنا نعيش سباق تسلح واضح تجلت معالمه من خلال المعاهدات الدولية التي أبرمت والاتفاقيات النووية بين مختلف دول أوروبا وآسيا وأميركا، وحتى من خلال نوعية الأسلحة التي استخدمت في حروب التسعينيات إلى الآن، إنْ في الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، أو إبان حرب الخليج أو حتى من خلال الحرب السورية والصراع السوري ـ التركي في شمال سورية، في أفغانستان، العدوان السعودي على اليمن، وفي الكثير الكثير من الحروب.
كلّ هذا وبعد يؤكد أننا لا زلنا نعيش سباق تسلح يكون الهدف الأساس من ورائه سيطرة الدول الكبرى على مسار العالم من كافة النواحي.
ولقد ذكرت هذه الأنواع من الأسلحة لإظهار نقطة جوهرية هامة وهي أنّ أخطر أنواع الأسلحة التي تستخدم حالياً هي الجرثومية لأنّ الأنواع المذكورة أعلاه تمّ استخدامها سابقاً في عدة مواجهات ويوجد الكثير من الأدلة التي تدين مستخدميها سواء نووياً أو كيميائياً بينما السلاح الجرثومي لغاية هذه اللحظة لا يمكن تأكيد الفاعل الحقيقي الذي ساهم في ابتكار هذا الفيروس في حال كان مفتعلاً.
وبالعودة إلى موضوع فيروس كورونا الذي يجتاح العالم اليوم فإنّ أغلب الآراء والسيناريوات تصنّفه على أنه نوع جديد من أنواع الحروب البيولوجية التي يتمّ استخدامها من دون خسارة عسكرية ولا مواجهة مباشرة، ولا يمكن لنا أن ننسى أنّ هناك فيروسات كـ «سارس» أنشئت لأصحاب العرق الأصفر، وكذلك الطاعون صمّم لأصحاب العرق الأسود وغيرها أيضاً من الفيروسات التي لا يزال العالم يدفع ثمن آثارها مادياً وبشرياً وجرثومياً.
فالكورونا اليوم يمكن اعتباره جزءاً من هذه الحروب خاصة إذا تطلعنا جيداً في مكان ظهوره فإننا نرى أنه ظهر بدايةً في الصين مركز الثقل العالمي الإقتصادي، الصين التي تعمل على إتمام مشروع طريق الحرير التي بإمكانها تغيير التوازن الإقتصادي في العالم لصالحها، الصين التي لعبت دوراً هاماً وفعّالاً في تفعيل التنافس الإقتصادي في العالم لا بل على العكس بل إنها تصدّرت أيضاً سلّم الاقتصاد العالمي.
وحتى سياسياً فقد احتلت الصين موقعاً ريادياً هاماً في علاقاتها مع دول شرق آسيا ودول منطقة الشرق الأوسط، إذ أنها بنت علاقات سياسية قوية مع روسيا هذا القطب القوي الذي يقف في وجه الولايات المتحدة الأميركية، إضافة لعلاقتها مع إيران التي تتعرّض حتى اليوم لعقوبات إقتصادية حتى في ظلّ مكافحتها لوباء كورونا.
لذا فإنّ كلّ الإحداثيات التي تنشر حول موضوع كورونا تشير إلى أنّ هذا الفيروس هو عمل جرثومي كان مقصوداً منه بالدرجة الأولى الصين ولكن عندما فُقدت السيطرة على احتوائه وبدأ بالانتشار من دولة إلى أخرى حتى بات وباءً عالمياً، أدّى ذلك بالدول الكبرى سواء أميركا أم الصين أم دول أوروبا وحتى إيران إلى خوض تنافس مستمرّ على أسبقية اكتشاف لقاح مضاد للفيروس يتيح للدولة المبتكرة الاستحصال على حصرية اللقاح وهي تكون بذلك قد حققت لقب سيدة العالم لأنها ساهمت في إيجاد عقار عجزت أعظم الدول قوة ومعرفة علمية ومعلوماتية واقتصادية عن القضاء على هذا الفيروس الخطير.
هذه الأحداث وغيرها تثبت أنّ العالم كان وما زال أمام سباق تسلح هدفه الأساس الحصول على التفوّق العسكري، ويقابله اليوم سباق تسلح ولكن من نوع آخر حيث انّ أدواته الفعلية هي العامل البيولوجي المثمثل «باللقاحات» وذلك بهدف التفوّق الإقتصادي الذي يحكم العالم حالياً.
ومن الأمثلة البارزة حول هذا الصراع المحتدم منذ بداية أزمة كورونا هو الصراع بين القطبين الألماني والأميركي حول تصنيع اللقاح، والمبالغ المالية الضخمة التي حاولت أميركا دفعها لأحد الباحثين الألمان لإيجاد اللقاح.
بالإضافة الى ما تقدّم لا يمكن أبداً تجاهل تغريدة ترامب حول الدواءين اللذين اقترحهما كعلاج وما لبث الأطباء بعد ذلك أن شنوا عليه حملة لمنع استخدامهما.
في المقابل حاول ترامب جذب الرأي العام العالمي وتوجيه الأنظار اليه في محاولة لإظهار نفسه على أنه منقذ للبشرية، وذلك تجلى حين أعلن في مؤتمره الصحافي انه يقبل تجربة الدواء على نفسه شخصياً كنوع من البروباغندا الإعلامية.
ولكن… قبل الختام يجب أن نبيّن نقطة هامة جداً وهي أنّ القانون الدولي بمواده تناول موضوع الأوبئة العالمية وتحدث عنها مفصلاً بحيث منع أيّ احتكار لدواء أو لقاح يحارب أيّ وباء ظهر وانتشر في أرجاء الكرة الأرضية.
لذا فمن هنا يمكن إيضاح أنّ الغاية تكمن دائماً في نفس يعقوب أوروبية وأميركية حيث أنّ هذه الدول تسعى دوماً للحصول على حصرية أيّ عمل يكون هدفه خدمة البشرية وهذا لتحسين الصورة الغربية أمام العالم بشقيه الغربي والشرقي.
ولكن هناك إشكالية تطرح نفسها تلقائياً وهي ماذا لو اكتشفت الصين او إيران أو روسيا اللقاح؟ ماذا لو أصبحت إحدى هذه الدول هي منقذة البشرية؟