خربشـات فـي زمـن الكورونـا
} نخلة بيطار*
أما لهذه المحنة من نهاية؟
أما لهذا النفق من مخرج مضيء؟
أما لهذا الخوف من طمأنينة؟
ما بال البيوت أضحت سجوناً
ما بال الإنسان غدا مثل فأرِ لا حول له ولا قوّة !
أين عنفوانه، جبروته، تكبّره، تعاليه على أخيه الإنسان؟
كيف انهارت الحضارة؟ أبسحر ساحر أم هي الطبيعة الأم التفتت كي تهذّب أبناءها الكافرين بكل العطاءات والنعم التي وهبتهم إياها من دون أي بدل، لكنهم طغوا وتجبروا واستعبدوا إخوتهم في الإنسانية ونكلّوا بهم أيّما تنكيل!
أين المؤسسات الاجتماعية والقوى السياسية والتجمعات الدينية؟
خففوا الوطء قليلاً فالحقيقة واحدة لكن كل فريق يملك ذرّة منها !!
أما آن لهذا الموت من قيامة؟!
عندما طلب مني الصديق الدكتور سايد النكت الإدلاء برأي حول هذه الأيام الاستثنائية التي تمر بها أوطاننا أردتُها صرخة صادقة، علّها توقظ الضمائر المخدّرة!
نعم هي حالة استثنائية وهي ستنتهي كما انتهى غيرها، لكنها ستترك وراءها الكثير من الأسئلة والكثير من الأفكار الجديدة؛ وستكون فرصة للفلاسفة وعلماء الاجتماع لإنارة الطريق أمام الإنسانية على أسس جديدة من العدالة والانفتاح على الآخر؛ الحب الإنساني. لقد آن الأوان لتغيير اتجاه البوصلة وكفى تكالباً.. وكفى استعمال الإنسان وقوداً للحرب .
أكتب هذا وأنا منزوٍ في ركن من الأرض أنتظر الفرج أن يأتي ثمرة العلم الذي به أؤمن، أو أي أعجوبة تحل على الأرض فتنقذ إنسانها العاجز!
أنتظر الفرج لوطني لبنان الذي يتعرض لويلات لا تحصى بعد أن تخلى شعبه عن المنطق وترك لصوصه يمتصون دمه سنين عديدة.
أنتظر الفرج لأستراليا الحنون الطيبة التي لا تستأهل مثل هذه التجارب !كيف لا وأنا أعيش يوماً بيوم عظمة هذه الحضارة التي أستطيع أن أسميها الحضارة الأسترالية.
قد نكون محظوظين نحن الذين نعيش في هذه البقعة الجغرافية. صحيح أننا محجورون في بيوتنا ولكن الدولة أخذت على عاتقها أن لا يتعرض أي من مواطنيها لذل السؤال، وفعلاً فقد تجاوب المواطنون مع نداء الحكومة وتمنياتها والتزموا الحجر المنزلي إلا للضرورة القصوى، وقد أتت التدابير آلتي فرضتها السلطات المختصة لاحتواء الوباء بطريقة تصاعدية كانت تزداد حدتها بازدياد تفشي المرض.
اليوم وأنا أكتب هذه السطور عرفت بأن ثلاث حالات فقط سجلت في ولاية فيكتوريا وعاصمتها ملبورن، مما يبشر بالخير بأن التدابير بدأت تعطي ثمارها! ولا تستثنى الجاليات العربية من الانضباط الاجتماعي المساعد للخطة الرسمية لاحتواء الفيروس إلا في بعض الاستثناءات حيث ثقافة الفرد الضحلة كانت تؤثر على سلوكه، فكان البوليس في حالات كهذه يتولى تطبيق القانون عبر غرامات مالية نص عليها القانون (كتاجر تلاعب بالاسعار) أو أي تجمعات تهدد أمن المجتمع الصحي، ولم تقصر الجمعيات دينية كانت أم خيرية أم حزبية في بث الوعي بين أفرادها فتوقفت الاجتماعات وصلوات الجماعة في كل المعابد على أنواعها، وقد قامت بعض الأحزاب بجمع التبرّعات لإرسالها الى الوطن الأم .
هي المصيبة وحّدت المجتمع الاسترالي المؤلف مما يزيد على ستين عرقاً وجنسية وراء مؤسسة الدولة، فهل نتوحد نحن في لبنان وكلنا من عرق واحد كي نهزم الكورونا في رجاء القيامة؟
*كاتب وإعلامي.