الكيان الصهيونيّ في ظلّ كورونا… تفاقم أزمته الوجوديّة
} حسن حردان
اعتقد قادة كيان العدو الصهيوني، على غرار سيدهم الأميركي القابع في البيت الأبيض، انّ انتشار وباء كورونا سوف يحقق لهم ما عجزت عن تحقيقه حروبهم العسكرية المباشرة، وحروبهم الإرهابية غير المباشرة، لناحية النيل من منظومة محور المقاومة وإضعافها.. فراهنوا على انتشار الوباء في دول جبهة المقاومة لتقويض مناعتها وجعلها تغرق وتتخبّط في مواجهة الفايروس، معتقدين ان تشديد الحصار الأميركي المالي والاقتصادي والنقص في المستلزمات والتجهيزات الطبية، سيؤدي الى إخضاع إيران وسورية والعراق، وبالتالي إغراق المقاومة في لبنان واليمن وغزة في مواجهة أزمة كورونا، عبر ربط تقديم المساعدات الطبية، بالاستسلام للإملاءات والشروط الأميركية، التي هي ايضاً صهيونية.. انطلاقاً من التماهي في الأهداف والمصالح بين واشنطن وتل أبيب..
أولاً، إنّ الرهانات الصهيونية سرعان ما تكشفت وهماً.. بل انّ الأمر المفزع لقادة العدو الصهيوني، انّ فايروس كورونا بدلاً من أن يؤدي الى تقويض دول جبهة المقاومة، أدّى إلى إصابتهم هم بمقتل.. وأظهر مجدّداً عجزهم في مواجهته، على عكس جبهة المقاومة التي نجحت في مواجهة حرب كورونا، وتجنّب انتشار خطره، على غرار ما هو حاصل في الولايات المتحدة وكيان العدو الصهيوني.. وهذا ما أثار قلق الصهاينة، وزاد من تفاقم قلقهم الوجودي..
ثانيا، إن جبهة المقاومة كانت الأقلّ تضرراً حتى الآن من انتشار خطر فايروس كورونا، حيث نجحت دول ومنظومة المقاومة في المسارعة الى اتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية، وخوض المعركة في مواجهة الفايروس باستنفار كلّ قدراتها العلمية والطبية والاستشفائية، تماماً كما خاضت وتخوض الحرب ضدّ قوى الاحتلال والاستعمار وجيوشهم الإرهابية وحصارهم الإجرامي الوحشي..
– الجمهورية الإسلامية الايرانية التي انتشر فيها الفايروس بعد الصين مباشرة، تمكّنت، على الرغم من الحصار الأميركي الذي يطال أيضاً المستلزمات الطبية، تمكّنت من إثبات قدرتها على خوض المعركة وتقديم النموذج الثاني، بعد الصين، في القدرة على مواجهة الفايروس عبر استنفار كلّ طاقاتها وقدراتها لاحتواء الوباء وإنقاذ الشعب الإيرانـــي من خطره.. والانخراط في معركة البحث العلمي الطبي لإيجــاد لقــاح مضاد. للفايروس.. ما عكس تنامي القدرات الذاتية الإيرانية التي تنبع من سياسة الدولة التي نجحت في بناء منظومة علمية صحية اجتماعية وغذائية..
– سورية التي تعاني من الحصار واستمرار حربها الوطنية ضدّ الإرهاب والاحتلال الأجنبي، أظهرت هي الأخرى جاهزية ومقدرة على مواجهة الفايروس، من خلال سرعة المبادرة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وبرهنت مجدداً الدولة الوطنية السورية القائمة على مبدأ الرعاية الاجتماعية والصحية انها قادرة على خوض المواجهة ضدّ الفايروس لأنها لا زالت تملك البنى الصحية، التي لم يتمكّن الإرهابيون من الوصول إليها وتدميرها، كما فعلوا في المناطق التي كانوا قد سيطروا عليها…
– حزب الله بدوره وجه صفعة قوية لقادة العدو الصهيوني، عندما برهن من خلال استنفار بنيته الصحية والاستشفائية وكوادره الطبية انه يملك منظومة صحية وجاهزية تعكس تنامي قدراته، التي تكشف أيضاً مدى استعداداته المستمرة لأيّ حرب عسكرية قد تحصل في المستقبل.. وبالتالي جاءت رسالة حزب الله، على هذا الصعيد بالغة الدلالة في الاتجاهين الداخلي والخارجي..
– العراق، أيضاً، على الرغم من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي يعيشها نتيجة استمرار التدخل الأميركي في شؤونه الداخلية وتغذية التناقضات بين الأطراف العراقية بعد اضعاف دولته الوطنية.. فكما المقاومة في لبنان، فإنّ قوى المقاومة ممثلة بالحشد الشعبي، استنفرت طبياً واستشفائياً لسدّ النقص والعجز لدى الدولة العراقية، بما يعكس قدرة وجاهزية الحشد على خوض المعركة ضدّ كورونا بنفس الاقتدار الذي خاض فيه المعركة ضد إرهاب داعش وقبل ضدّ الاحتلال الأميركي، ويستعدّ اليوم لخوض المعركة الوطنية الثانية لتحرير العراق من القوات والقواعد الأميركية..
– وفي قطاع غزة المحاصر، تبرهن قوى المقاومة أيضاً على جاهزيتها وقدراتها على المواجهة، فيما يقدّم أهل غزة النموذج والقدرة كذلك على مواجهة كورونا وسدّ النقص في التجهيزات والمستلزمات الطبية من خلال إقامة ورش تصنيع الكمامات، فيما يعمل المهندسون على صناعة أجهزة تنفس وهم قيد اختبار أول جهاز في هذا الإطار.. هذا على الرغم من انّ القطاع لم يسجل حتى الآن إصابات بالفايروس، وأنّ الإصابتين في المستشفى قرب رفح جاءتا من الخارج.. الأمر الذي دفع حركات المقاومة إلى التحذير من انه إذا منع القطاع من الحصول على احتياجاته الطبية، سوف تجعل ستة مليون مستوطن صهيوني في فلسطين المحتلة ينامون في الملاجئ..
– كما غزة، اليمن، المحاصر أيضاً، يواجه فايروس كورونا بالتحسّب لأيّ محاولة من قوى العدوان لنشر الفايروس في البلاد، التي تواجه حرباً وحشية وحصاراً جائراً منذ خمس سنوات، وهذا هو السبب في عدم حصول إصابات وانتشار الوباء في المناطق الخاضعة للسيطرة أنصار الله واللجان الشعبية والجيش اليمني..
ثالثاً، في مقابل ما تقدّم، فإنّ كيان الاحتلال الصهيوني يتخبّط ويعيش مأزقاً متنامياً يفاقم من ازمته الوجودية ..
1 – الفشـــل في احتـــواء وباء كورونا الذي يسجـــل انتــشاراً تعكسه أعداد الإصــــابات المرتفـــعة التي تسجــل يوميـــاً.. حيث أخفقــت الأجهـــزة المخــتلفة في احتـــواء الفايــروس والحدّ منه..
2 – أزمة التداعيات السلبية للفايروس على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي حيث أدّى تعطل حركة الاقتصاد إلى خسائر كبيرة وقلق من انهيار الاقتصاد، يزيد من خطورته تفاقم أزمة الاقتصاد الأميركي الذي دخل في مرحلة ركود تام مما تسبّب بخسائر تقدّر بمئات المليارات من الدولارات حتى الآن والمرشحة لتبلغ عدة تريليونات اذا طال أمد الوباء.. والأمر يزداد صعوبة أيضاً، لانّ ايّ محاولة لتحرير الحركة الاقتصادية قد تؤدي إلى نتائج عكسية لناحية انتشار الوباء واحتمالات حصول كارثة كبرى لانّ المتديّنين الصهاينة يرفضون الالتزام بعدم الاختلاط مما تسبّب في انتشار الوباء في صفوفهم بكثرة..
3 – الخوف من أن تؤدّي نتائج حرب كورونا إلى مزيد من تراجع مكانة ودور أميركا على المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، الأمر الذي ينعكس سلباً على الكيان الصهيوني الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم الأميركي على هذه المستويات كافة..
4 – القلق من النتائج التي بات يجري الحديث عنها عالمياً، من جراء الحرب العالمية في مواجهة كورونا، وهي تكريس انكسار الهيمنة الأميركية الأحادية، لمصلحة نشوء توازن دولي جديد يُبنى على أساسه نظام دولي جديد تعددي، مما يضعف من الغطاء الذي كانت توفره الهيمنة الأميركية للكيان الصهيوني لمواصلة سياساته العدوانية والاستيطانية.. في حين انّ هذا التغيّر في موازين القوى الدولية، يصبّ في مصلحة جبهة المقاومة في المنطقة التي تزداد قوة وتماسكاً..
كل ذلك يقود إلى زيادة منسوب القلق الوجودي في الكيان الصهيوني.. حيث يتحدّث بعض المحللين عن انه لو كانت حركة الطيران الدولية غير متوقفة حالياً، لشهد الكيان أكبر عملية هجرة معاكسة للمستوطنين باتجاه البلدان التي جاؤوا منها لا سيما تلك التي هي أكثر أمنا في مواجهة كورونا من الكيان الصهيوني..